تزداد هذه الايام مخاوف العراقيين من تجدد تصاعد الخطاب المتشدد وأجواء الشحن الطائفي في المشهد العراقي، وما يترتب عليها من تداعيات أمنية وسياسية.
فقد اعتبر رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، ان الاعتداءات الاخيرة في الكرادة ومرقد سيد محمد، هي محاولات لاثارة الفتنة الطائفية في العراق. وقال في بيان صدر عن مكتبه الاعلامي، إن «العدو الإرهابي المتمثل بداعش يحاول التعويض عن الهزيمة القاسية التي لحقت به في الفلوجة وإحساسه بقرب نهايته على ارض العراق»، من خلال «الاعتداء الجديد في منطقة الكرادة ومرقد سيد محمد، ضمن محاولاته لزرع الفتنة الطائفية بين أبناء العراق، من خلال العودة الى استهداف المراقد الدينية والزائرين الأبرياء من المواطنين».
وأكد العبادي ان «الاعتداء الإرهابي لداعش على مرقد السيد محمد في بلد يهدف الى خلق حالة من الاضطراب الداخلي والامني وتوفير مادة لبعض المؤيدين له في الداخل خاصة في الشارع السياسي للاستمرار في مخطط استهداف الدولة ومؤسساتها في إطار مخطط لا يخفى على أحد».
وكانت مدينة بلد في محافظة صلاح الدين قد شهدت، الجمعة الماضية، هجوما لعناصر تنظيم «الدولة الإسلامية» أدى الى مقتل 40 مدنيا وإصابة 50 آخرين جراء هجمات تفجيرات انتحارية، وذلك بعد ايام على التفجير الذي استهدف منطقة الكرادة ببغداد وراح ضحيته مئات المدنيين الابرياء.
وعن تصاعد خطاب الشحن الطائفي بعد التفجيرات الاخيرة، اكد رئيس لجنة العلاقات الخارجية النيابية، حسن شويرد لـ«القدس العربي»، ان المؤامرات والمراهنات السياسية الداخلية والخارجية على النزعات الطائفية «اصبحت مكشوفة للشعب العراقي وكذلك ابطالها من السياسيين الاسلاميين والمتطرفين».
واشار النائب شويرد، أمس الاحد، الى ان «الشعب العراقي من خلال تظاهراته وتوجيه المرجعية الدينية يريد حكومة مدنية تعبر المسميات الطائفية المؤسلمة والمحاصصة»، منوها الى ان العراقيين «قدموا تضحيات ودماء غالية من اجل الحفاظ على وحدة البلد ومنع تقسيمه». كما اكد شويرد ان «دعوات البعض لتسليم الملف الامني في العاصمة العراقية (للحشد الشعبي كما دعا البعض) غير ممكنة التحقيق، لأن في العراق مؤسسات امنية وعسكرية تقوم بواجبها».
ومن جانبه، حذر رئيس الكتلة النيابية لائتلاف الوطنية النائب عن جبهة الاصلاح، كاظم الشمري، من «محاولات مخطط لها لارجاع العراق الى مربع الطائفية واحداث عام 2006». وقال:“هنالك اطراف تتشارك بقصد او بدون قصد بأفعالها لخلق فتنة طائفية واعادة العراق الى مربع الاقتتال الطائفي كما حصل في ذلك العام».
وأضاف: “هنالك منهج خطير يسير نحو تأجيج العنف الطائفي ابتداء من تفجيرات الكرادة الارهابية وما تلاها من استهداف مخيمات النازحين في الدورة جنوبي بغداد، ثم الهجوم الارهابي على مرقد سيد محمد شمالي بغداد، مترافقا معها جميعا تصريحات طائفية وتلميحات وتهديدات من هذا الطرف وذاك».
واوضح ان “العبادي والحكومة وجميع القوى السياسية، اليوم امام مسؤولية تاريخية وانسانية امام الشعب العراقي والعالم، لافشال هذه المؤامرة والعمل بشكل سريع وواضح بعيدا عن المماطلة والتسويف لمحاسبة جميع الاطراف المتورطة سواء بالافعال او الاهمال او التأجيج الاعلامي في هذه الاعمال الارهابية وبدون اي مجاملة لأي طرف».
واكد الشمري ان “الوضع في العراق سياسيا وامنيا واجتماعيا اصبح على المحك وبحاجة الى موقف شجاع من السياسيين لواد الفتنة وانقاذ البلد من النفق المظلم الذي ان استمر المضي به فستكون هنالك تبعات لا تحمد عقباها. والخاسر الاول والاخير فيها هو الشعب العراقي».
وفي اعقاب جريمة الكرادة مؤخرا، توعد العديد من قادة الميليشيات الشيعية بالانتقام ممن اسموهم بـ«حواضن الارهاب « في العاصمة، داعين الى تسليم الملف الامني في العاصمة العراقية الى الحشد الشعبي، بحجة عجز الاجهزة الامنية عن توفير الحماية للمواطنين . وقد اثارت تلك الدعوات مخاوف سكان بعض الاحياء في بغداد من حملة استهداف جديدة، خاصة ان بعض اصحاب الدعوات هم من قادة الميليشيات التي لها مواقف معروفة في اثارة النعرات الطائفية.
وبدوره، طالب النائب عن حزب الدعوة، علي الأديب، المسؤولين العراقيين بمنع دخول أبناء المناطق المحررة في محافظة الأنبار إلى بغداد لـ”تجنب تسلل مسلحي داعش إليها»، حسب قوله.
اما ديوان الوقف الشيعي، فقد ندد الجمعة، بـ«الصمت العربي والإسلامي إزاء الجرائم المتكررة في العراق»، داعياً الحكومة والقوى السياسية لتحمل المسؤولية بمواجهة تلك التحديات الكبيرة ودك مواقع الإرهاب والقضاء على حواضنه، واعتباره جريمة يعاقب عليها القانون ومحاسبة المتورطين بـ الأفعال والإهمال والتأجيج الإعلامي، من دون أي مجاملة».
ودعا الوقف في بيانه الحكومة والقوى السياسية كافة إلى «تحمل المسؤولية التاريخية والإنسانية أمام الله تعالى والشعب العراقي والعالم أجمع في مواجهة هذه التحديات الكبيرة، والضرب بيد من حديد، ودك مواقع الإرهاب التكفيري الذي يسعى إلى إشعال نار الفتنة الطائفية، والقضاء على حواضنه».
ومن جهة اخرى اعلنت مصادر امنية خلال الايام القليلة الماضية العثور على 10 جثث مجهولة الهوية في مناطق متفرقة من العاصمة العراقية منها الشعب والشعلة وسبع البور. كما تعرض مخيم للنازحين من الانبار جنوب بغداد الى قصف بقذائف الهاون اسفر عن مقتل 4 واصابة 8 بجروح وحركة نزوح لسكان المخيم نحو الانبار.
ويعبر الكثير من العراقيين عن القلق لتصاعد خطاب التحريض الطائفي هذه الايام الذي غالبا ما تصاحبه تحركات لجماعات مسلحة تستغل الظروف المتأزمة لتقوم بدورها في ممارسات واستهداف طائفي ضمن مخطط تسعير الفتنة الطائفية، عبر مختلف الوسائل والطرق.
مصطفى العبيدي
صحيفة القدس العربي