تعتبر أسواق المال إحدى القنوات المهمة لجذب مدخرات الأفراد واستثمارها في التوسع الأفقي والعمودي للشركات العاملة في مجالي الإنتاج السلعي والخدمي وتأسيس أخرى جديدة. وكلما زاد توجه المؤسسات الإنتاجية للتحول من شركات عائلية مغلقة إلى شركات مساهمة، وكلما زاد عدد الأفراد الراغبين بالاستثمار في سوق الأسهم كمستثمرين لا كمضاربين، كلما كان ذلك دليلاً على تطور دور سوق المال في دعم الأنشطة الإنتاجية بكل أنواعها. ومعروف تاريخياً أن المصارف أدت دوراً جوهرياً في بداية الثورة الصناعية في أوروبا بخاصة في بريطانيا، في تحويل دول من الزراعة والتجارة إلى الصناعة. ولكن في ما بعد أصبحت أسواق المال الممول الرئيس للأنشطة الاقتصادية في القطاعين الخاص والمختلط. وتسعى الدول، في العادة، جاهدة إلى تطوير القوانين التي تحكم سلوك الشركات في أسواق المال وتطلب منها بالذات الكثير من الشفافية والصدقية في نشر معلومات صحيحة ودقيقة عن أنشطتها ووضعها المالي حتى يكون المستثمرون على دراية قبل اتخاذ قرار الاستثمار.
وتختـــلف الـــدول العـــربية في ما بينها حول مدى تطور أسواقها المالية وبالذات أسواق الأسهم. وفي شكل عام، تعتبر ثقافة التعامل في سوق الأوراق المالية جديدة فيها مقارنة بالدول المتقدمة وحتى ببعض الدول النامية. ويطالب المهتمون بين فترة وأخرى بضرورة تطوير أسواق المال العربية وتحويل الشركات العائلية المغلقة إلى شركات مساهمة كوسيلة لتطوير القطاع الإنتاجي.
وعلـــى رغــــم أن المستثمرين، نتيجة لجهلهم بكيفية عمل سوق المال، يتعرضون في كثير من الأحيان لخسائر غير مبررة، فإن بعض هذه الخسائر سببه سلوك الشركات المدرجة في السوق وغياب الصدقية والشفافية في المعلومات التي توفرها للمستثمرين.
معـــروف أن سعر السهم يعكس مدى نجاح الشركة في ادائهـــا. ولكن أسهم بعض الشـــركات تتعــــرض إلى نزول متواصل، ويـــرى المستثمر فيها نفســه يخسر ثروته تدريجاً من دون بادرة أمـــل فــــي احتمال صعــود سعر السهم في المستقبل المنظور. وإذ بـــه يفاجــــأ بأن هـــــذه الشركة نالت جائزة أحسن مؤسسة فــــي نطـــاق اختصاصهــا في الشرق الأوسط. فوفقاً لأي معيار تم منح الجائزة؟ أو إن المؤسسة ذاتها حققت أرباحاً قياسية.
وهنا أيضاً يسأل المستثمر ما هو مكسبه من هذه الأرباح القياسية إذا كـــان قد فــــقد أكثـــر من 80 في المئة من قيمة الأسهم التـــي اشتـــراها من هذه المؤسسة أي بمعنى آخر فقد ثروته؟
وذكر أحــــد المتابعين لنشاط الأسواق المالية في مقالة نشرت قبـــل فتـــرة، أن الاستثمار في أسواق المال حوّل الطبقة الوسطى فـــي إحــــدى الدول العربية إلى طبقة فقيرة نتيجة لخسارتها ثرواتهــــا فـــي سوق المال. ولـــم يبـــدُ أن أحداً في تلك الدولة، ســواء وزارة المال أو في البنك المركزي أو هيئة سوق المال، اكترث للخبر وحاول معرفة الأسباب التي أدت إلى تلك النتيجة الخطيرة.
نظرياً، يتأثر سعر سهم أية شركة أو مؤسسة بمجموعة من العوامل أهمها: أداء الشركة ذاتها والجو العام الذي تمارس فيه نشاطها. فيرتفع سعر أسهم شركة معينة إذا كان أداؤها جيداً لأن طلب المستثمرين على حيازتها يزداد. ويحصل العكس إذا كان أداؤها رديئاً فينخفض الطلب عليها ويسعى المستثمرون إلى التخلص مما هو بحوزتهم فيزداد عرض الأسهم وتنخفض أسعارها.
أما الجو العام، فيقصد به الجو السياسي والاقتصادي والأمني. فعدم توافر جو ملائم لنشاط الشركة يبعد الأشخاص عن الاستثمار فيها ويحاولون التخلص مما لديهم لوضع حد لخسارتهم. وهذا ما يحصل لأسهم الشركات المختلطة في العراق اليوم، حيث خسر الأفراد ثرواتهم التي استثمروها في الشركات المختلطة نتيجة للسياسة التجارية للحكومة منذ الاحتلال في 2003 والتي شرعت الأسواق أمام الاستيراد من كل حدب وصوب. وبذلك خسرت تلك الشركات أسواقها المحلية فانخفض إنتاجها وتقلصت أنشطتها إلى حد أنها أصبحت عاجزة حتى عن دفع رواتب موظفيها. وهذه حالة يمكن تفهم الأسباب التي أدت إليها. أما إذا كانت الشركة تحقق أرباحاً قياسية وتحصد جوائز تقديرية على أدائها، فليس هناك مبرر لانخفاض أسعارها في شكل متواصل وعلى مدى سنوات. ويصبح لزاماً على الجهات المعنية في الدولة أن تخضع الشركة إلى مساءلة عن سبب انخفاض أسعار أسهمها. فقد يكون السبب أن حملة الأسهم الكبار يسعون إلى تخفيض السعر بطريقة متعمدة حتى يبيع صغار المستثمرين بأسعار متدنية ويقومون هم بشرائها وترتفع أيضاً حصتهم في الشركة. وعلى الجهات المعنية، في كل الأحوال، متابعة الموضوع بدقة ومراقبته عن كثب وضبطه.