تسارعت الأحداث على الساحة اليمنية نحو مزيد من التصعيد، اثر فرض تنظيم “أنصار الله” الحوثي سياسة الأمر الواقع، مستغلاً ضعف السلطة على المستويين السياسي والأمني، بما مكنه من السيطرة على دار الرئاسة ومحاصرة الرئيس في منزله، وإطلاق النار على سيارة وزير الدفاع، علاوة على نهب مستودعات الجيش.
وقبل ان تسقط صنعاء بيد الحوثي، خرج مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي، ليمتدح هذا التنظيم مؤكدا إن بلاده تدعم ما وصفه بنضالهم العادل، كونه احد حركات “الصحوة الإسلامية”.
والمتتبع للتحركات الحوثية منذ 21 أيلول/ سبتمبر 2014 ، يلاحظ تشابها وتطابقا في أدوارهم وممارساتهم، مع ما يقوم به “حزب الله” في لبنان، ليكونوا جيشا ودولة داخل النظام اليمني، يوجهون بوصلة السياسة والأحداث بما يضمن المصالح الاستراتيجية لإيران. في وقت تتزايد فيه الاتهامات حول ارتباطاتهم بجمهورية المرشد الأعلى .
ولهذا جاءت اتهامات المسؤولين اليمنيين لإيران بالتدخل في شؤونها الداخلية والطلب منها كف التدخل، منها تصريح الرئيس اليمني في7 أيلول/ سبتمبر 2014 الذي قال فيه ان إيران ما زالت “تعمل على تأجيج الخلافات المذهبية والانقسامات داخل بلاده ومحاولة إشعال الحرب في صنعاء، بسبب دعمها وتمويلها للمتمردين الحوثيين الذين يقودون احتجاجات مصحوبة بمظاهرة مسلحة ضد الحكومة”. وجاء النفي الإيراني كالعادة على لسان المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية، مرضية افخم، مؤكدة ان إيران تدعم الوحدة والاستقرار في اليمن، وتسعى إلى يمن أفضل يعيش في استقرار وأمان وهدوء.
ولعله مؤشر يفضي إلى فكرة أساسها، ان اليمن الأفضل هو اليمن المشكل على المقاسات الإيرانية، الذي يحادد السعودية بأكثر من 2000 كيلومتر مربع، مع وجود مليوني مسلح منظم فيه، ليصار إلى حشر المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، في خاصرتها الجنوبية الرخوة، ويكون وسيلة ضغط إيرانية على الرياض من خلال دعم الجماعات الجهادية المتطرفة، واحتمال تسللها إلى السعودية وقد ينشط على أثرها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وهو ما قد يؤثر بشكل مباشر على الاستقرار في السعودية والخليج العربي. وليس من المستبعد نشوء فرع لتنظيم “داعش” في اليمن؛ ليتشكل مشهد تقبض فيه قوى التطرف على مفاصل العالم العربي من كل أطرافه.
ولان إيران أظهرت بوضوح امتعاضها من الهبوط الشديد في أسعار النفط وتأثير ذلك على اقتصادها، حيث حملت دول الخليج وخصوصا السعودية المسؤولية عن ذلك، وهددتها بأنها ستندم على ذلك، لتحدث بعد أيام قليلة تطورات في الأوضاع في اليمن، أفضت إلى انقلاب يراد به الضغط على الخليج والسعودية بالتحديد.
ومن جهة أخرى ينظر للتصعيد الحوثي في اليمن، بمثابة الرد على الغارة الإسرائيلية، التي طالت قائد الحرس الثوري في لبنان، وقيادة “حزب الله” في الجولان بالقرب من الحدود السورية مع الجولان المحتل. إدراكا من طهران لمحاذير القيام بعمل عسكري موجه ضد تل أبيب، بعد التحذير الإسرائيلي الذي أكد بأن نصر الله سيدفن تحت التراب، إذا أقدم على رد يؤذي الاسرائيلين.
وبالتالي فان ما حدث في صنعاء جاء، لحفظ ماء الوجه الإيراني بعد غارة القنيطرة، حيث خرق النظام في طهران، وذراعه في لبنان أسماع العالم، بمقاومته الاحتلال الإسرائيلي وتصديه للمشاريع الصهيونية، في مقابل دول عربية توصف من قبل الساسة الإيرانيين بالمتواطئة مع إسرائيل، وصولا لتثبيت التغلغل الإيراني في اليمن على نحو يمكنه من التلاعب بمعادلات دول الخليج العربي.
ومما لاشك فيه فان اليمن اليوم يشكل الذراع الجنوبي للكماشة الإيرانية التي تحيط بدول الخليج العربية، بينما يشكل العراق ذراعها الشمالي. ليكون بمقدور الحوثي فرض ما يشاء بالقوة والإكراه، فالحكم أصبح عمليا بيد هؤلاء.
ما يعني ان إيران أصبحت شريكا مباشرا في حكم اليمن، وصاحبة الكلمة الأولى في تقرير شؤونه. الأمر الذي أكدته وكالة “فارس” الإيرانية للأنباء، في تصريح جاء فيه ان “الثوار” جاء دورهم كي يقولوا كلمتهم ويحكموا اليمن. واعتبرت ان ” نظام منصور هادي” قد سقط إلى غير رجعة على الرغم من المبادرات السعودية والخليجية للإبقاء عليه.
العراق والحوثي..حلف من الأذرع الإيرانية
وقبل ان تسقط صنعاء بيد الحوثي، كان هناك حراك آخر رافق تحركاتهم الداخلية، حيث التقى يحيى طالب ممثل الحوثي في العراق، الذي يتخذ النجف مركزا له مراجع الدين هناك، ومن بينهم شيخ مهدي الاصفي ممثل المرشد الأعلى خامنئي في العراق، ليغادر يحيى بعدها إلی إيران، حيث التقى في قم سيد محمود الهاشمي الشاهرودي وعدد من المراجع الإيرانية، ثم التقى في طهران مع وزير الاطلاعات محمود علوي ومسؤولين آخرين للتنسيق حول السيطرة الكاملة علی اليمن.
وكان موقع “عماريون” التابع للحرس الثوري الإيراني قد افاد بأن الحوثيين وصلوا إلى العراق، واستقروا في مدينة النجف في الفرات الأوسط، بحجة الدفاع عن المراقد الشيعية في المدينة. وأكد موقع الحرس الثوري، أن الحوثيين الذي وصلوا إلى النجف هم من فرقة “شباب أمير المؤمنين” للدفاع عن المراقد الشيعية في العراق. حيث يشكل هذا الاعتراف تطورا ملحوظا على صعيد التدخل الإيراني والمليشيات التابعة للحرس الثوري في المنطقة.
وبالنسبة لبغداد، فان الحوثي ظهير مساند، سيجعل من اليمن ساحة نفوذ لإيران تتناغم مع الحكومة العراقية. ولهذا التطور المهم مفاعيله الاستراتيجية على معادلة الصراع الإقليمي في المنطقة، خصوصا وان الموقف السعودي بقي خاثراً دون تحرك حقيقي، يواجه هذا الامتداد.
وعلى هذا الأساس فان الوضع الحالي في اليمن سيشجع المتطرفين على تكرار ما حدث في صنعاء، وأن الفترة المقبلة قد تشهد أعمال عنف في مناطق تمركز الشيعة في المملكة العربية السعودية، كما سيزداد نشاط شيعة البحرين.
وبعبارة أخرى سيصبح اليمن قاعدة انطلاق إيرانية جديدة ما يعطي لإيران دفعا هائلا للمضي قدما في مخططاتها الرامية إلى الهيمنة على مقدرات المنطقة، لتكون صنعاء أحدى نقاط التغلغل الإيراني، ويصبح الحوثي معادلا رئيسا في السياسة اليمنية، بما يسمح له تنفيذ الدور المنوط به، وليكون له دور مماثل “لحزب الله” اللبناني وللميليشيات الشيعية في العراق.
وعلى الأرجح فان الولايات المتحدة ترحب بهذا الاستحواذ الحوثي على صنعاء، لجهة بروز منافس محلي يتصدى لتنظيم القاعدة، ما يرتب على مشهد مستقبلي تتعاون فيه طهران مع واشنطن، لشن حرب ضد التنظيم.
صنعاء عاصمة عربية أخرى تلحق بركب الولي الفقيه، سبقتها بغداد ودمشق وبيروت، ليكتمل الهلال الشيعي، فهل سنشهد يمناً مفككاً تتصارع فيه القوى الإقليمية والمحلية؟ وهل ستكتسب الحركة الانفصالية الجنوبية مزيدا من القوة والفعل على الأرض؟
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية