وصول ترامب إلى البيت الأبيض سيفرض تحدّيات بطبيعة الحال، لكنّه قد يوفّر أيضاً فرصاً غير مسبوقة. علينا التعامل مع وصوله إلى سدّة الرئاسة بواقعيّة وأن لا ننتظر لنرى كيف سيقوم بالتعامل مع المنطقة، وإنما أن نبادر إلى الانخراط الفعّال معه.
الانخراط السريع مع ترامب قد يساعد على التأثير في أجندته وتحييد انطباعاته السلبية السابقة أو دفعه على الأقل للتشكيك بجدواها، وقد يساعد ذلك أيضا على اتّقاء سلبياته المحتملة. ومن أجل تحقيق ذلك سيكون من الضرورة بمكان أن تعقد دول المجلس اجتماعا رفيع المستوى (وزراء الخارجية والدفاع والاقتصاد) أو أن تقوم بتحديد النقاط والملفات الأساسية التي تريد من خلالها أن توجّه رسالة موحدة ومحددة إلى الرئيس الأميركي الجديد.
ما لم تقم هذه الدول من الآن بالتحدّث بصيغة جماعية موحّدة، فإنّ موقفها سيصبح ضعيفاً جداً خلال المرحلة اللاحقة. هناك حاجة لإبراز موقف موحد من الملفات الرئيسية في المنطقة، وتحديد مصالح الطرفين ونواياهم ومجالات التعاون فيها، لاسيما: الخطر الإيراني، الميليشيات الشيعية المتطرفّة المسلّحة، الملف النووي الإيراني، الملف السوري، الملف العراقي، محاربة الإرهاب القضية الفلسطينية، الملف اليمني.
وبما أنّ خلفية ترامب هي خلفية تجارية، فمن الممكن افتراض أنّه يحب التعامل وفق معادلة (الأخذ والعطاء) وهذا ليس بالأمر السيئ بالضرورة ما لم يكن جشعاً. بمعنى آخر، ترامب يتوقّع أن يحصل على شيء مقابل أي شيء يفعله، وعلى دول الخليج أن ترتّب أجندتها أيضاً على نفس الخط، وأن تحصل على ما تريد منه مقابل ما هي مستعدة لتقديمه وفق سياسة الربح المتبادلة.
وبحكم طبيعة عمله السابق، تعامل ترامب مع عدد كبير من الخليجيين، كما أقام العديد من المشاريع والاستثمارات في الدول الخليجية، وهذه قد تكون نقطة إيجابية في هذه المرحلة للتعرف على النقاط الحساسة المتعلقة بطريقة تفكير الرجل وطريقة اتخاذه للقرارات وأدوات التقرب منه والتأثير عليه.
سيكون من المهم أيضاً التواصل سريعاً مع مستشاري ترامب وإقامة علاقات مع أعضاء إدارته الجديدة، وعرض تصورات واضحة عليهم وبدائل ممكنة للتعاون، وذلك لأنّه سيكون لآرائهم تأثير كبير على قرارات ترامب بسبب افتقاره للخلفية السياسية والعسكرية المطلوبة للتعامل مع التطورات والملفات الساخنة.
لقد سبق لترامب وأن أشار بأنّه سيكون على الدول الحليفة أن تتوقع أن تقوم الولايات المتّحدة بتركها تدافع عن نفسها في وجه أي اعتداء خارجي ما لم تقم بدفع المال في مقابل الحماية أو التحرك الأميركي للدفاع عنها. هذا مؤشر على استعداد ترامب للتخلي عن الحلفاء، ولا شك أنّه سيخلق تحدّياً كبيراً، لكنّه قد يشكّل في المقابل فرصة لكي تقوم دول المجلس بالاعتماد أكثر فأكثر على نفسها وعلى أصدقاء حقيقيين بعد عقود طويلة من الاسترخاء والاعتماد شبه الكلّي على الولايات المتّحدة.
أخيراً، يجب الانتباه إلى أنّ ترامب حساس جدا في موضوع الإسلاميين ومكافحة الإرهاب، وقد يستغل البعض داخل أميركا وخارجها نقطة الضعف هذه عنده ليقوم بالتلاعب به، وهذا ما قد تفعله إيران وروسيا والأسد وصالح والسيسي. من المهم جداً العمل على إقناعه بعدم تكرار أخطاء بوش الابن وأوباما في هذا المجال. على دول الخليج أن تتحرّك وأن تتخلى عن سياسة ردود الأفعال وأن تبادر الآن.
علي حسين باكير
نقلا عن الراية القطرية