لم يبدُ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كما بيّنت الصور، مهتماً كثيراً بحديث نظيره الأميركي، باراك أوباما، في لقائهما العابر الأخير على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ، يوم الأحد الماضي. في المقابل، بدا الرئيس أوباما حريصاً، على ما جاء في تصريحاته التي أعقبت لقاء الدقائق الأربع، أن يسمع نظيره الروسي ما ظل يتوق إلى سماعه أكثر من سنتين، أي استعداد أميركا للاعتراف بوجود رابط بين الصراعين الأوكراني والسوري. قال أوباما إنه يريد حلاً للأزمة في أوكرانيا قبل مغادرة منصبه، وإنه يريد في الوقت نفسه مساعدة روسيا في تخفيف حجم الأزمة الإنسانية التي يضاعفها بوتين في سورية، لإحراج الغرب وجرّه إلى صفقةٍ معه. يدرك أوباما أن أوكرانيا هي درة التاج في الاتحاد الأوراسي الذي يسعى بوتين إلى إنشائه، باعتباره أمل روسيا الأخير في الاستمرار قوةً ذات شأن على المسرح الدولي، وأن حرمانه منها قضى، من ثم، على هذا الحلم، وأن تدخله في سورية لم يكن سوى صرخة وحش جريح يشارف على الانهيار، وهو أمر لا يرى أوباما فيه ضيراً.
في ظروف مختلفة، كان بوتين ليتلقف هذا العرض ويبني عليه. لكن، لماذا الاهتمام بكلام رئيس مغادر تجاهله سنواتٍ طويلة، في حين ينتظر أن يدخل البيت الأبيض رئيسٌ يبدو أكثر تفهماً. فكيف يجري بوتين حساباته في هذا الشأن؟ يرى بوتين أن سورية يمكن أن تشكّل مدخلاً لتفاهم مع إدارة ترامب حول أوكرانيا، إذ يتوقع أن يواصل الرئيس الجديد سياسة سلفه في التركيز على استهداف تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). لكن ترامب، بعكس أوباما، يفضل التنسيق في هذه الحرب مع روسيا، بدلاً من إيران التي يناصبها عداءً شديداً. وكان الرئيس أوباما يتبع مقاربة مختلفة، إذ كان يعامل نظيره الروسي باستخفافٍ شديد، وينحو إلى التقليل من شأن بلاده، في وقتٍ كان يكيل فيه المديح “للحضارة” الإيرانية والثقافة الفارسية، فاستخدم الشعر الفارسي في رسائل الغزل الثلاث التي بعث بها إلى المرشد، يحضّه فيها على قبول الاتفاق النووي، وبلغ إعجابه بإيران أن طلب زيارتها بعد الاتفاق، لكنها اعتذرت عن استقباله. وقد جرت ترجمة إعجاب أوباما بإيران، ثقافة وحضارة، بقيام الطيران الأميركي بوظيفة سلاح الجو للمليشيات المدعومة إيرانياً، في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، بعد أن كان قد أنقذها من زحف التنظيم على بغداد بعد سقوط الموصل. لن يجد بوتين مشكلةً في مساعدة ترامب في احتواء النفوذ الإيراني، إذا هو أبدى المرونة المطلوبة في الملف الأوكراني، وهو أمر يبدو قابلاً للنقاش عند ترامب.
وبعكس أوباما، لا يبدو ترامب مهتماً كثيراً بمستقبل أوكرانيا، وهو أصلاً غير مهتم بمستقبل القارة الأوروبية، لا اقتصاديا (الاتحاد الأوروبي) ولا أمنياً (حلف شمال الأطلسي). كما ينطلق ترامب من فرضيةٍ شائعة في دوائر الاستخبارات الأميركية، أن روسيا قوة آفلة، بالنظر إلى تردي وضعها الاقتصادي والتكنولوجي وتراجع عدد سكانها، وإن سياسات بوتين تزيد من عمق مأزقها وتستنزفها. بالنسبة لترامب، يأتي الخطر الأكبر من الصين، وتحظى مواجهتها بأولوية عنده، وهو أمر لن يلقى، على الأرجح، ممانعة كبيرة من بوتين، فالصين تمثل خطراً على روسيا، كما على الولايات المتحدة، باعتبارها عملاقاً نووياً واقتصادياً صاعداً في شرق آسيا، ولها حدود طويلة مع روسيا، ويمثل الزحف الديموغرافي الصيني باتجاه سيبيريا أحد المهدّدات الأمنية الكبرى للروس.
إذا ذهبت الأمور بهذا الاتجاه، فالأرجح أن يتبع بوتين مع أميركا والصين الاستراتيجية نفسها التي اتبعها وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنجر، مع الاتحاد السوفييتي خلال فترة الحرب الباردة، فقد انتهج كيسنجر سياسة الانفتاح على الصين لمحاصرة الاتحاد السوفييتي، فاتحاً الطريق أمام زيارة الرئيس نيكسون بكين عام 1972، ما عزّز من عملية احتواء موسكو، وأجبرها على الموافقة على معاهدة الحد من الأسلحة النووية الاستراتيجية (SALT). لن يمانع بوتين في الانفتاح على أميركا لاحتواء الصين عالمياً، واحتواء إيران إقليمياً، إذا تمكّن ترامب من التغلب على الممانعة الأوروبية الرافضة عودة الهيمنة الروسية على أوكرانيا، أو على الأقل ضمان حياد أوكرانيا بين روسيا والغرب. هذه هي حسابات الحقل عند بوتين، فهل تتطابق مع حسابات البيدر عند ترامب؟ ننتظر ونرى.
مروان قبلان
صحيفة العربي الجديد