انتقلت المعارك بين القوات النظامية وحلفائها من جهة وفصائل معارضة من جهة ثانية إلى الأحياء الجنوبية الشرقية في حلب بعد تراجع المعارضة السريع في الأحياء الشمالية الشرقية، وسط تحذير دولي من «وضع مخيف» في الأحياء المحاصرة.
وقال مسؤول من المعارضة السورية إن معارضين سوريين يقاتلون قوات موالية للحكومة على الطرف الجنوبي الشرقي لمنطقة شرق حلب التي تسيطر عليها المعارضة، في حين تحاول دمشق وحلفاؤها تأكيد مكاسبها الكبيرة التي حققتها في الأيام الماضية في المدينة. وأوضح مسؤول من «الجبهة الشامية» المعارضة لـ «رويترز»: «ليس هناك تقدم جديد (لقوات الحكومة) لكن القصف والمعارك مازالت عنيفة، بخاصة في العزيزية». وأضاف المسؤول أنه كانت هناك تعبئة كبيرة للقوات المتحالفة مع الحكومة في المنطقة مساء الإثنين.
وقال مسؤول كبير في التحالف العسكري الذي يقاتل دعماً للنظام، إن الجيش السوري وحلفاءه يهدفون لانتزاع السيطرة على شرق حلب بالكامل من أيدي المعارضة المسلحة قبل تسلم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب السلطة في كانون الثاني (يناير) ملتزمين بجدول زمني تؤيده روسيا للعملية بعد تحقيق مكاسب كبيرة في الأيام الماضية.
غير أن المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أشار إلى أن المرحلة التالية من حملة حلب قد تكون أشد صعوبة مع سعي الجيش وحلفائه للسيطرة على مناطق أكثر كثافة سكانية بالمدينة.
وكانت وزارة الدفاع الروسية أعلنت أن تقدم الجيش النظامي السوري في حلب غيَّر بدرجة كبيرة الوضع على الأرض ومكن أكثر من 80 ألف مدني من الوصول إلى المساعدات الإنسانية بعد استغلالهم من المتشددين على مدى سنوات كدروع بشرية. وأوضح إيغور كوناشينكوف الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية في بيان: «تمكن الجنود السوريون من تغيير الوضع بشكل كبير خلال الأربع والعشرين ساعة الأخيرة، وذلك بفضل العمليات المخطط لها بشكل جيد جداً وبتأن». وأضاف: «في شكل عملي حُررت تماماً نصف الأراضي التي احتلها مقاتلو المعارضة في السنوات الأخيرة في الجزء الشرقي من حلب».
وتساعد روسيا القوات الموالية للرئيس بشار الأسد في محاولة استعادة السيطرة الكاملة على المدينة بتقديم التدريب والمعدات والنصح والدعم الجوي. وأعلن الجيش السوري وحلفاؤه انتزاع السيطرة على مساحة كبيرة من أراضي شرق حلب من المعارضين في هجوم سريع هدد بسحق المعارضة في أهم معقل لها في الحضر. وأثار هذا التقدم قلق الغرب بشأن مصير السكان المدنيين في حلب.
ودعت فرنسا الثلثاء إلى اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في محاولة لإنهاء الأعمال القتالية هناك وتحدث مسؤولون وساسة في بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة عن قلقهم من قتل مدنيين. وقال كوناشينكوف إن التأكيدات لمزاعم عن خسائر كبيرة بين المدنيين أثناء العملية أثارت قلقاً لا داعي له، لكنه أشار إلى أن موسكو مصدومة بما وصفه بـ «عمى» الغرب في ما يتعلق بتقييم الوضع الحقيقي على الأرض.
وأضاف أن أكثر من 80 ألف مدني منهم عشرات الألوف من الأطفال تمكنوا من الوصول إلى المساعدات الإنسانية الروسية المتمثلة في المياه والغذاء والدواء نتيجة التقدم العسكري. وتابع: «هؤلاء السوريون كانوا يُستخدمون كدروع بشرية على مدى سنوات طويلة في حلب من جانب إرهابيين من مختلف الانتماءات».
ومع استمرار عمليات الفرار من مناطق الاشتباكات بين قوات النظام والفصائل في حلب، أعرب رئيس العمليات الإنسانية في الأمم المتحدة ستيفن أوبراين عن «غاية القلق على مصير المدنيين بسبب الوضع المقلق والمخيف في مدينة حلب». وأضاف أن «كثافة الهجمات على أحياء شرق حلب في الأيام الأخيرة» أجبرت حوالى 16 ألف شخص على «الفرار إلى مناطق أخرى من المدينة».
ولا يشمل هذا العدد الآلاف من المدنيين الذين نزحوا داخل الأحياء الشرقية خلال الأيام الثلاثة الأخيرة، بحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان» الذي أحصى فرار أكثر من سبعة آلاف مدني إلى حي الشيخ مقصود ذي الغالبية الكردية وأكثر من خمسة آلاف إلى مناطق تحت سيطرة قوات النظام، بعد حصيلة سابقة الأحد أفادت بنزوح عشرة آلاف مدني خارج الأحياء الشرقية.
وتشكل سيطرة قوات النظام على أكثر من ثلث الأحياء الشرقية، وفق «المرصد»، الخسارة الأكبر للفصائل المعارضة منذ سيطرتها على شرق المدينة في 2012.
في المقابل، يعد تقدم النظام أكبر انتصاراته بعدما استعاد المبادرة ميدانياً منذ بدء روسيا حملة جوية مساندة له قبل أكثر من عام، وفي ظل عجز دولي كامل إزاء إيجاد حلول لتسوية النزاع المستمر منذ أكثر من خمس سنوات.
وأفاد «المرصد السوري» بمقتل عشرة مدنيين على الأقل جراء غارات شنتها طائرات روسية على حي باب النيرب تحت سيطرة الفصائل، في وقت تركزت الاشتباكات العنيفة بين الطرفين في حييي طريق الباب والشعار الملاصقين لحيي جبل بدرو والصاخور الاستراتيجي، اللذين خسرتهما الفصائل أمس.
وذكرت صحيفة «الوطن» السورية القريبة من دمشق في عددها الثلثاء، أن الجيش النظامي بدأ أمس «المرحلة الثانية من عمليته العسكرية الهادفة إلى تحرير الأحياء الشرقية من حلب باقتحام الأحياء الجنوبية منها».
وأوضحت أنه «في حال سيطرة الجيش على حي طريق الباب، يغدو بمقدوره الوصول إلى حي الشعار الذي يعد من أهم معاقل جبهة النصرة» التي بات اسمها «جبهة فتح الشام» بعد فك ارتباطها بتنظيم «القاعدة».
وقال «المرصد»: «تستمر الاشتباكات في جبهة أوتوستراد مطار حلب الدولي من جهتي الحلوانية والشعار وسط القسم الشرقي من مدينة حلب، وفي محاور البحوث العلمية والسكن الشبابي ومحور باب الحديد بحلب القديمة، بين قوات النظام والمسلحين الموالين من جهة، والفصائل الإسلامية والمقاتلة من جهة أخرى، بالتزامن مع قصف متواصل لقوات النظام على مناطق الاشتباكات ومناطق أخرى في القسم الشرقي من المدينة». كما قصفت الطائرات الحربية والمروحية «مناطق في أحياء السكري والمواصلات والأنصاري والمشهد وسيف الدولة والقاطرجي والشعار والحلوانية والميسر».
صحيفة الحياة اللندنية