حالات التدخل من قوى خارجية في أزمات وصراعات في دول عربية -منها على سبيل المثال سوريا، والعراق، وليبيا- شغلت المهتمين في الغرب بدراسة هذه الحالات، من زاوية، نظرتهم إلى ما نتج عن هذه التدخلات. وكان في تقديرهم أن النتائج كانت أشد سوءاً وخطورة من الوضع الذي كان دافعاً للتدخل من أجل تغييره.
هؤلاء طرحوا تساؤلات منها: من أجل أي هدف كان التدخل؟ «وهل التدخل حدث وفق خطة شاملة لتخليص شعب هذا البلد من نظام لا يرضاه، ويستبد به، ثم بعد ذلك تمكين هذا الشعب من أن تتوفر له ظروف حياة أفضل؟»، أم أن التدخل كان يتم وفق خطة ناقصة تزيح النظام المرفوض، ثم ترك البلد تنتشر فيه فوضى ما بعد التغيير؟.
إن التدخل الخارجي في أزمة يعانيها شعب، له معايير سياسية وقانونية، يتفق عليها الخبراء والمختصون، بقواعد القانون الدولي، والتي تقرر أن «التدخل يتم بهدف الموازنة بين الوسائل والنتائج». بمعنى أن التدخل لو حدث دون مراعاة قاعدة التوازن، فيكون من شأنه استبدال وضع سيّئ، بوضع لا يقل عنه سوءاً، بل ربما يزيد عنه خطورة.
وعلى سبيل المثال كان التدخل في العراق، هو البداية لهذا النموذج المفتقد لقاعدة التوازن. والذي تكرر في دول أخرى في المنطقة بنفس الوسائل. فقد اقتصرت خطة غزو العراق على هدم النظام القائم، من دون إعادة بناء الدولة. وهو ما نشرت بشأنه كتابات عديدة في الولايات المتحدة، واعترفت به وزارة الخارجية، عندما كان وزيرها كولين باول، وبأنها أعدت خطة تفصيلية ومدروسة لإعادة بناء الدولة بعد الغزو، ولتفادي الفوضى، لكن وزارة الدفاع تجاهلت خطة الخارجية، ورفضت تطبيقها.
ورأينا وقتها كيف تفككت كل أركان الدولة، وكيف دبت فيها الفوضى، وتصاعد حجم الإرهاب ومنظماته.
أما عن الحالة في ليبيا، فإن المؤرخ الأمريكي مايكل دويل يتخذها نموذجاً للتدخل الذي يقتصر على هدف إسقاط النظام، ويتجرد من بقية عناصر قاعدة التدخل، والتي تتمثل في إعادة بناء الدولة، وتوفير الأمن والسلامة للشعب.
دويل في كتابه «مسألة التدخل»، الصادر في عام 2015، عن مطبوعات جامعة بيل في نيويورك، يقر أن التدخل في ليبيا قد تجاوز بوضوح التفويض الممنوح له، بإسقاط حكم القذافي. وأنه تجاهل ما هو مطلوب بعد هذه الخطوة، وهو إعادة البناء سلمياً، وتعمير الدولة، وهي مهمة رئيسية تم تجاهلها تماماً في الحالة الليبية.
وفي سوريا، اتخذ التدخل نهجاً آخر، لكنه كان منقطع الصلة بقاعدة التوازن بين الوسائل والنتائج. ففي سوريا تدفقت في ظل قوات التدخل الأجنبي، ميليشيات أجنبية مسلحة من كل الأصناف، ليس لها انتماء للوطن السوري، لكن قضيتها مرتبطة بقوى خارجية، سواء جاء ذلك في تيار التدخل الأمريكي، أم في استعانة نظام الأسد بميليشيات إيرانية مسلحة، وكلها ليس في حساباتها أي شيء يتعلق بمرحلة إعادة بناء الدولة، وسلامة وأمن أبنائها، والمحافظة على وحدة أراضي سوريا وسيادتها.
فالتدخل كان مرتبطاً باستراتيجيات تخص مصالح قوى خارجية، بعيداً عن محنة الشعب في أي من هذه البلدان. والنتيجة أن من تدخلوا سرعان ما رفعوا أيديهم عن مطالب شعوب هذه الدول، وأسباب رفضها من البداية لنظام الحكم فيها. ونحن بدورنا نسأل: لماذا يكون التدخل الخارجي في شأن عربي، قضية تخص أي دولة من الدول المشار إليها، وكأنها قاعدة لا مناص منها في معالجة أزمات المنطقة؟.
ولماذا لا يكون للعرب، وهم كثرة، ولديهم من الإمكانات، والعلاقات الدولية، ما يؤهلهم لإدارة أزمات منطقتهم وحلها؟ ولماذا تخلو لغة خطابهم السياسي من آلية فعلية للتصرف؟.
ولماذا ينعدم وجود قوة عربية حقيقية مشتركة، قادرة على أن تكون طرفاً فاعلاً وجاهزاً للتصرف فوراً، في حل أزمات العرب؟
لا أعتقد أن هذه التساؤلات تحتاج إلى إجابة، فهي تحمل في ثناياها الإجابة الكافية عنها.
عاطف الغمري
صحيفة الخليج