شهدت الأسواق المصرية حالة من الفوضى في الفترة الماضية تحت مسمى الرقابة، نتيجة غياب هيئة موحدة بمتابعة جودة وصلاحية المنتجات.
وطرأت مؤخرا على الساحة مجموعة من المشكلات طالت شركات عالمية عاملة في البلاد، وتم اتهامها بأنها تطرح منتجات تمثل خطورة على الصحة وغير صالحة للاستهلاك البشري.
وطالت تلك المشكلات شركات كبرى منها هاينز وبيبسي الأميركيتين، وجهينة للصناعات الغذائية وغيرها من الشركات في مختلف القطاعات الإنتاجية، ومع ذلك تمت تبرئة هذه الشركات بعد أن أثارت التهم الموجهة إليها ضجة في البلاد.
ويصل عدد مصانع الغذاء العاملة في البلاد نحو 5240 مصنعا باستثمارات تتجاوز ثلاثة مليارات دولار.
وتسعى القاهرة منذ أكثر من 15 عاما إلى تأسيس هيئة موحدة لسلامة الغذاء، على غرار دستور الأغذية الأميركي، المسؤول عن جودة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة.
وكان البرلمان قد وافق قبل أيام على تأسيس هيئة لسلامة الغذاء، لكن من المرجح ألا ترى النور قبل عام من الآن، بسبب كثرة عدد الجهات الرقابية والتي تصل إلى نحو 17 جهة رقابية على الغذاء فقط، ويجري حاليا البحث في كيفية دمجها جميعا ضمن لافتة الهيئة الجديدة.
ووفق الأوضاع الحالية تقوم الجهات الرقابيـة بسحـب عينـات مـن منتجات الشـركات وتعلن أنها غير مطابقة للمواصفات، ثم تعلن جهة رقابية أخرى أن المنتجات آمنة، ما يسيء إلى الشركات ويضع المستهلك في حيرة من أمره.
حسين منصور: تعدد الجهات الرقابية كارثة، وهيئة سلامة الغذاء توحد جهات الإشراف
ولعل واقعة شركة هاينز العاملة في قطاع الغذاء مثـالا لتلك الواقعة، حيث اقتحمت إحدى الجهات الرقابية مصنع الشركة في المنطقة الصناعيـة بمدينـة السادس من أكتوبر والتي تبعد عن القاهرة نحو 38 كيلو مترا.
وأعلنت أن هاينز تستخدم طماطم غير صالحة في منتجاتها مـا يشكـل خطورة كبيرة على صحة المستهلك. وبعـد تلـك الـواقعـة التي كادت تهـز صناعـة الغذاء في مصر أعلنت الهيئة العامة للرقابـة الصنـاعية التابعة لوزارة الصناعة أن منتجات الشركة آمنة.
وقالت الهيئة إن “نتائج العينات التي تم سحبها من خطوط إنتاج الشركة أثبتت أن منتجاتها مطابقة للمواصفات القياسية، وعدم وجود مخالفات تشوب العملية الإنتاجية، خاصة في ما يتعلق بالالتزام بمعايير واشتراطات الصحة والسلامة، حفاظا على صحة وسلامة المستهلك المصري”.
وجاء تقرير الهيئة بعد أن خسرت الشركة شريحة كبيرة من المستهلكين، بسبب الإعلان عن خطورة منتجاتها، خاصة منتجات “الكاتشب”.
وانتشرت حملات لمقاطعة منتجات الشركة على مواقع التواصل الاجتماعي، وكادت تعصف باستثمارات الشركة وتدفعها إلى الخروج من البلاد.
وقال محمد شريف عضو مجلس إدارة الشركة المصرية الأوروبية للمنتجات الغذائية، إن “مبيعات الكاتشب تراجعت بنحو 20 بالمئة منذ اندلاع مشكلة شركة هاينز في مصر”.
وأوضح لـ“العرب” أن السيناريو الذي تم يكشف عن مكيدة ضد الشركة وتم تصعيد المشكلة بشكل مبالغ فيه، مؤكدا أن الحكومة لم تتخذ موقفا واضحا، واعتبرها مشاركا في الحملة نتيجة هذا الصمت، كما أن المواطنين لا يزالون غير مقتنعين ببراءة الشركة والدليل على ذلك تراجع المبيعات.
ويعتقد شريف أن مشكلة “الكاتشب” كشفت عن فقدان الثقة في الحكومة، ما دفع الشركات لتحمل فروق الأسعار الناتجة عن ارتفاع المواد الخام، بسبب تخفيض قيمة الجنيه، بهدف تجاوز الأزمة.
ويستحوذ السكر على نحو 34 بالمئة من مكونات “الكاتشب”، وتشهد البلاد أزمة في سوق السكر أدت إلى مضاعفة سعره. وتعمل بالبلاد تسع شركات لإنتاج “الكاتشب”، وتعتمد على الخامات المحلية بشكل رئيسي.
ودعا عمرو فارس نائب رئيس جمعية مستثمري الفيوم جنوب غرب القاهرة، إلى ضرورة أن تكون هناك منظومة محددة الإجراءات في التعامل مع الشركات وفق خطوات تضمن حقوق المستهلك والشركة معا.
واشار لـ“العرب” إلى أنه إذا كانت لدى الشركة مشكلة لا بد أن يتم تحديدها أولا والتعامل معها حسب حجمها بدلا من التشهير بالشركة، طالما أنها لا تضر بصحة المستهلك أو التأثير على جودة المنتج.
وأكد حسين منصور رئيس وحدة سلامة الغذاء بوزارة الصناعة والتجارة، أن تعدد الجهات الرقابية أمر كارثي، وسوف يتم حل تلك المشكلة بعد الانتهاء من التشكيل النهائي لهيئة سلامة الغذاء بالبلاد.
وقال لـ“العرب” إن “الكيان الجديد سيكون وحده هو المسؤول على الرقابة والإشراف على كافة المنتجات التي تتداول في الأسواق وسوف يقوم بعمل مراجعات مستمرة لها والتحقيق في وقائع المخالفات”.
وأشار إلى أن 90 بالمئة من الغذاء المتداول في الأسواق لا يعرف مصدره، بسبب عدم وجود آليات تحدد معايير السلامة والمعرفة، الأمر الذي تعكف على وضعه وتحديده الهيئة الجديدة.
وتنتشر في مصر مصانع غير مرخصة يطلق عليها اصطلاحا مصانع “بئر السلم” وتقوم بطرح منتجات غذائية غير آمنة بالأسواق، كما تقوم بتقليد العديد من العلامات التجارية الشهيرة وتطرحها في أسواق الجملة والتجزئة المختلفة.
العرب اللندنية