أنهى مؤتمر أستانة بين أطراف النزاع السوري أعماله في كازاخستان الثلاثاء ببيان ختامي ألقاه وزير الخارجية الكازاخي بحضور ممثلين عن تركيا وروسيا وإيران أكد فيه دعم الدول الثلاث لحلول سياسية للأزمة السورية وإقامة آلية لمراقبة وقف إطلاق النار مع مواصلة محاربة تنظيمي داعش وجبهة النصرة وتمييزهما عن قوى المعارضة.
وقال الوزير الكازاخي، خيرت عبدالرحمنوف، إن الدول الثلاث اتفقت على دعم إطلاق المحادثات وكذلك دعم سوريا كدولة ديمقراطية متعددة الأعراق والأديان، نافية وجود حلول عسكرية للأزمة السورية.
وأكدت الدول في بيانها الختامي ضرورة وصول المساعدات وتثبيت وقف إطلاق النار وإقامة آلية ثلاثية لمراقبة وقف إطلاق النار، على أن تتواصل في الوقت عينه محاربة داعش والنصرة وفصلهما عن سائر أطراف المعارضة مع التشديد على ضرورة مشاركة المعارضة المسلحة في مفاوضات جنيف.
واعتبر متابعون أن خطوة عقد المحادثات في حد ذاتها تعد نصرا دبلوماسيا يبرز تنامي تأثير الدول الثلاث في الشرق الأوسط وتراجع نفوذ واشنطن بينما يوطد الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب نفسه في الرئاسة.
وأشاد رئيس الوفد الروسي ألكسندر لافرينتييف بالمحادثات التي عقدت في أستانة عاصمة كازاخستان ووصفها بأنها ميلاد لصيغة تفاوض جديدة وساد أمل بأنها قد تجعل من المرجح أن تعقد المحادثات التي تتوسط فيها الأمم المتحدة في جنيف الشهر القادم. وسيجري وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الجمعة محادثات مع ممثلين للمعارضة السورية لكن لم يتم تقديم تفاصيل عن المجموعات التي ستشارك.
وكان مصدر في وزارة الخارجية الروسية قال إن هدف اللقاء “سيكون تقاسم انطباعاتنا حول محادثات أستانة” التي جرت الاثنين والثلاثاء ووصفها بأنها “نجاح كبير وخطوة هائلة إلى الأمام”.
وفي نهاية مؤتمر أستانة رأى مراقبون أن المؤتمر لا تغيب عنه الانقسامات وتباين الرؤى بين أطراف الصراع الداخلية واحتدام التنافس الدولي، وساندت موسكو وأنقرة وطهران هدنة هشة جرى التوصل إليها في 30 ديسمبر الماضي بين الأطراف المتحاربة في سوريا واتفقت على مراقبة الالتزام بها.
ورغم ما أبداه لافروف من تفاؤل لم تسر المفاوضات حسب الخطة الموضوعة لها وهو ما يظهر أن الوسطاء الثلاثة المفترضين في الصراع السوري على اختلاف أساليبهم تتجاذبهم مصالحهم الاستراتيجية في تنافس يبدو محتدما في الشأن السوري في ظل اكتفاء واشنطن بدور المراقب وغياب الدور العربي.
وفي معرض تقييمه لتبعات مؤتمر أستانة على الملف السوري يرى غياث الجندي الناشط والمعارض السوري خلال تصريحاته لـ”العرب” أن “مؤتمر أستانة عقد تحت وعود غير واقعية لعدة أسباب منها أن الضامنين لمحادثات السلام هم قوى غير محايدة فروسيا وإيران هما قوتا احتلال واضحتان لسوريا وقد قامتا بتأزيم الوضع السوري بشكل دراماتيكي إذ لا يمكن لمحتل أن يقوم برعاية محادثات سلام”.
وشكك الجندي في نوايا الوسيط التركي باعتبارها تدعم الإسلام المتطرف وأن النظام السوري لم يلتزم على مدى تاريخه بأي معاهدات أو وقف إطلاق النار، وحتى الهدنة الأخيرة التي أعلنت من قبل راعيه الروسي لم يلتزم بها. لذلك أي محادثات سلام هي عبارة عن مضيعة للوقت ما لم تقم روسيا بفرضها بشكل إجباري على النظام السوري.
ولفت المعارض السوري إلى المنافسة الحادة بين إيران وروسيا في من يسيطرعلى الوضع السوري بشكل أكثر فعالية قائلا “الوضع السوري الآن يحتاج إلى مفاوضات لكن يحتاج (أيضا) إلى فرض حل يبدأ برحيل بشار الأسد فورا عن السلطة والبدء بعملية سياسية انتقالية”.
تشكيك في نوايا الوسطاء
شككت المعارضة ودبلوماسيون غربيون في دور إيران وحلفائها. وقال محمد علوش رئيس وفد المعارضة السورية إن الروس انتقلوا من مرحلة كونهم طرفا في القتال ويبذلون الآن جهودا كي يصبحوا أحد الضامنين، وهم يجدون عقبات كثيرة من جماعة حزب الله اللبنانية الشيعية وإيران والحكومة السورية.
ورأى مركز المستقبل للدراسات أنه رغم إبداء كبار المسؤولين الإيرانيين ترحيبهم بالجهود التي تبذلها روسيا بالتعاون مع تركيا من أجل تدعيم فرص نجاح مفاوضات أستانة التي تهدف إلى تعزيز اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه برعاية روسية-تركية في 30 ديسمبر 2016، والاتفاق على المحاور الأساسية التي سوف تُجرى المباحثات القادمة في جنيف في 8 فبراير بناء عليها، إلا أن ذلك لا ينفي أن ثمة مخاوف عديدة إزاء التداعيات التي يمكن أن يفرضها ارتفاع مستوى التفاهمات الجارية بين روسيا وتركيا، أو تجاه التحولات المحتملة في السياسة الروسية إزاء سوريا.
فقد اعتبرت تلك الجهات أن اتفاق وقف إطلاق النار وجّه رسائل غير مطمئنة بالنسبة لطهران، يتمثل أهمها في أنه أظهر كلا من أنقرة وموسكو على أنهما الطرفان الأكثر قدرة على ضبط حدود التصعيد العسكري داخل سوريا، ودعم فرص الوصول إلى تسوية سياسية للأزمة، رغم الدور البارز الذي قامت به إيران بالتعاون مع الميليشيات الطائفية المسلحة التي ساهمت في تكوينها وتدريبها.
في المقابل يواصل النفوذ الروسي تمدده في سوريا باستثمارها مكسبا ميدانيا، وقد أعلنت موسكو أنها سلمت المعارضة مسودة دستور جديد صاغه خبراء روس بهدف التعجيل بالاتفاق على انتقال سياسي. غير أنه لم يتضح على الفور ما تضمنته الوثيقة أو رأي المعارضة فيها.
واعتبر محللون أن رغبة روسيا في الهيمنة واسترجاع مكانتها الدولية كان واضحاً منذ بيان فيينا في 30 أكتوبر 2015 الذي أتى بُعيد التدخل الروسي العسكري المباشر في سوريا، حيث بدت موسكو تعمل وفق مقاربة سياسية عسكرية، قائمة على تطويع الميدان وضرب المعارضة السورية، وتحويل ذلك إلى مكتسبات سياسية توظفها لتعزيز سرديتها وتعريفها للملف السوري.
كما غيب الدب الروسي أساس الصراع القائم على صراع سلطة ضد شعب، وهو ليس الشكل الأفضل لتعزيز فرص استعادة شرعية حليفه فحسب، إنما هو المدخل الرئيس لتثبيت قواعد النفوذ الروسي في المنطقة ولتصدير قدرة روسيا على المستوى الإقليمي والدولي في ضبط تفاعلات وتحولات هذه المنطقة الجيوسياسية المهمة مقابل تعثر أميركي يمتد لسنين، وهو أمرٌ يُعزز تمركزها في النظام السياسي الدولي.
ولاحظ المحللون أن الدور الأميركي كان مغيّبا في أستانة وهو تغييب يعكس تراجع وفشل خيارات واشنطن في سوريا، كما يعود إلى انشغال الأميركيين بعملية تداول السلطة واستقبال الرئيس ترامب ومشاريعه الطموحة، ما يعطي فرصة أيضاً للتراجع عن نتائج المؤتمر، وحتى التنصل منه كلية في حالة فشله وتحوله إلى عبء على الدول الراعية، على أساس أن الأميركيين يستطيعون أن يتدخلوا لفرض شروط جديدة، وأن الظروف أصبحت مواتية أمامهم لترتيب مصالحهم في المنطقة.
ولم تؤيد المعارضة السورية بيانا مشتركا من روسيا وتركيا وإيران تعهد بتشكيل آلية مراقبة للإشراف على وقف إطلاق النار الهش في سوريا. وقدمت المعارضة بدلا عن ذلك اقتراحا منفصلا بخصوص وقف إطلاق النار وشككت في شرعية إيران كوسيط في وقت قالت فيه المعارضة إن فصائل إيرانية مسلحة تنتهك وقف إطلاق النار.
واعتبر محمد علوش -رئيس وفد المعارضة- أن البيان الختامي يضفي الشرعية على ما تقوم به إيران من “إراقة للدماء” في سوريا ولم يتناول دور الفصائل الشيعية المسلحة التي تقاتل المعارضة.
وقال أسامة أبوزيد -المتحدث باسم المعارضة- إن المعارضة تؤاخذ روسيا على أن “طائراتها تشارك مع النظام في قتل شعبنا”. وأضاف أنه إذا انتهى هذا الدور فلن تكون هناك مشكلة للمعارضة مع روسيا.
انقسامات حادة
لم يتضمن مؤتمر أستانة حضور شخصيات بارزة وكان حضور واشنطن بصفة مراقب فقط من خلال سفيرها هناك. ولم يحضر أي مبعوث عربي باستثناء مسؤول إماراتي واحد حضر بصفة غير رسمية.
وأخفقت موسكو في إقناع الطرفين بالتفاوض وجها لوجه على الرغم من قول المفاوض الروسي لافرينتييف مسبقا إن المحادثات المباشرة هي “الهدف الرئيسي”.
وأحجمت المعارضة المسلحة عن ذلك قائلة إنها لا يمكن أن تجلس مع الأشخاص المسؤولين عن إراقة كل هذا الدم. وبدلا عن ذلك اضطرت موسكو للاعتماد على محادثات غير مباشرة يقوم فيها الوفدان بتوجيه رسائل عبر وسطاء.
وطالبت المعارضة بأن تركز المحادثات فقط على وقف لإطلاق النار ينبغي أن يلزم الفصائل المسلحة المدعومة من إيران بمغادرة سوريا.
ومع تحول ميزان القوة على الأرض لصالحه قال وفد نظام بشار الأسد الذي يعزز حضوره بدعم حليفه الروسي إنه توجد فرصة للعمل من أجل مصالحة مع بقاء الأسد في السلطة، وهو ما ترفضه المعارضة.
وكشفت التصريحات الافتتاحية عن تلك الانقسامات، فقد وصف علوش الحكومة السورية بأنها نظام دموي مستبد بينما اتهم بشار الجعفري الذي رأس وفد الحكومة مفاوضي المعارضة بالدفاع عن “جرائم حرب” والافتقار إلى المهنية.
وأوضح الجعفري أن هجوم الحكومة على وادي بردى- الذي يزود دمشق بأغلب إمداداتها من المياه- سيستمر حتى إذا اعتبرته المعارضة انتهاكا للهدنة. وقال إن “الهجوم سيتواصل ما دام سبعة ملايين شخص يسكنون دمشق محرومين من المياه”.
صحيفة العرب اللندنية