بغداد – أشعل رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر المعركة الانتخابية قبل أوانها، مستبقا إمكانية عودة كبار خصومه السياسيين إلى السلطة من بوابة الانتخابات المحلّية والتشريعية القادمة في حال الإبقاء على نفس الظروف التي قادتهم إلى سدّة الحكم سابقا، ومن ضمنها القانون الانتخابي والهيئة الحكومية المشرفة على الانتخابات واللذان كثيرا ما انتقدا باعتبارهما وسيلة للتلاعب والتزوير.
ونقل الصدر معركته بشكل مبكّر إلى الشارع، وذلك من خلال مظاهرات نظّمها أتباعه، الأربعاء، وسط العاصمة بغداد للمطالبة بتغيير قانون ومفوضية الانتخابات، ومثّلت مقدّمة لتصعيد أكبر هدّد به الصدريون بشكل صريح.
وأغلقت القوات الأمنية مدخل المنطقة الخضراء التي تضم مقار الحكومة والبرلمان والبعثات الدبلوماسية من جهة منطقة الكرادة، ومنعت الدخول والخروج منها تحسبا لاقتحامها من قبل المتظاهرين، فيما انتشرت قوات مكافحة الشغب على امتداد الطريق المؤدية إلى المنطقة.
ولم ينقطع الصدريون خلال الأشهر الماضية عن المطالبة بتغيير القانون وتركيبة المفوضية، دون أن ينجحوا في فرض التغيير المنشود عبر “الوسائل الدستورية” نظرا لافتقارهم إلى النفوذ الكافي داخل السلطتين التشريعية والتنفيذية في ظل هيمنة تيارات أخرى على رأسها شخصيات نافذة مثل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي يعتبر الخصم الأبرز للصدر.
وبات الشارع يمثّل أفضل وسيلة لدى مقتدى الصدر لمقارعة خصومه السياسيين، بعد أن أظهر خلال التظاهرات والاعتصامات التي شهدتها البلاد على مدار السنتين الماضيتين، وبلغت ذروتها في ربيع العام الماضي باقتحام المتظاهرين المنطقة الخضراء والوصول إلى مبنى البرلمان، قدرة على توظيف الغضب الشعبي العارم من سوء الأوضاع واستشراء الفساد، كما أظهر براعة في التحكّم بالحراك الاحتجاجي وتوجيهه.
وتجمّع أتباع الصدر أمام بوابات المنطقة الخضراء، التي تضمّ أهم المباني الحكومية ومقرات البعثات الدبلوملسية الأجنبية مستجيبين لدعوة اللجنة المركزية المشرفة على الاحتجاجات الشعبية التابعة للتيار الصدري للتظاهر مطالبة بتغيير مفوضية الانتخابات “بشخوصها وقانونها”، باعتبار أنّ “تلك المفوضية هي التي فتحت على العراق الجريح سيلا من الرزايا والبلاء”.
وهدّد الصدر على لسان مدير مكتب التيار في بغداد، إبراهيم الجابري بأنّ “التظاهرات ستستمر لحين تلبية المطالب، وبخلاف ذلك سيتم رفع مستوى التظاهر إلى اعتصامات مليونية”.
زينب الطائي: كيف تكون مفوضية الانتخابات مستقلة والكتل الكبيرة تختار كوادرها
أما كتلة الأحرار النيابية التابعة للتيار الصدري فقالت على لسان النائب زينب الطائي إنّ “الاحتجاجات قرب المنطقة الخضراء تأتي للمطالبة بإقالة مفوضية الانتخابات”، متسائلة “كيف تكون هذه المفوضية مستقلة والكتل الكبيرة هي من تختار كوادرها”، مؤكّدة أنّ “الهدف الأول من التظاهرات يتركز على عدم عودة الأنظمة الدكتاتورية للحكومة مرة أخرى”.
وبحسب متابعين للشأن العراقي، فإنّ نقل الصراع على الانتخابات بشكل مبكّر جدّا إلى الشارع، يؤشّر على صراع شرس قادم على السلطة بين الأحزاب الشيعية القائدة للعملية السياسية في العراق، مرتبط بعملية ترتيب أوضاع البلاد في مرحلة ما بعد تنظيم داعش التي ستبدأ قريبا بعد حسم معركة الموصل الجارية حاليا.
ونظرا لكبر حجم الرهان المتمثّل بانتزاع دور أكبر في قيادة البلد، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلاّ بتحجيم نفوذ الممسكين بالسلطة منذ سنة 2003، يبدو مقتدى الصدر مستعدّا لدفع المعركة بالشارع إلى أقصى مدياتها.
وعلمت “العرب” من مصادر مطلعة على كواليس التيار الصدري أنّ زعيم التيار جمع أبرز قادة ميليشيا “سرايا السلام” التابعة له في داره بالنجف وأبلغهم بالاستعداد لتلقي أوامر خاصة تتعلق بتأمين تظاهرات كبيرة في بغداد.
وقالت المصادر، إن الصدر عمم على جميع المكاتب التابعة له في بغداد والمحافظات أن تترقب “بيانا تاريخيا” بشأن تظاهرات غير مسبوقة.
ووفقا للمصادر، فقد أبلغ الصدر قادة “سرايا السلام” بنيته “الدخول إلى المنطقة الخضراء، والاعتصام فيها، حتى مغادرة آخر فاسد لها”.
وفي مارس الماضي، أمضى الصدر أياما عدة في خيمة صغيرة داخل المنطقة الخضراء مع مجموعة من مساعديه، فيما كان الآلاف من أنصاره يعتصمون على بعد العشرات من الأمتار في خيم كبيرة.
وبعد نحو شهر من إنهاء ذلك الاعتصام، اقتحم أنصار الصدر مبنى البرلمان العراقي، واحتجزوا عددا من النواب، وأوسعوهم ضربا، كما عبثوا بمحتويات قاعات مجلس النواب.
ولم يتبن الصدر حينها خطة اقتحام المنطقة الخضراء، لكن أنصاره أكدوا أنهم تلقوا تعليمات مركزية بتنفيذ الخطة.
ولا يبدو الحراك الصدري بالشارع عديم التأثير في المشهد السياسي العراقي، حيث ساعدت الاحتجاجات رئيس الوزراء حيدر العبادي على امتلاك قدر من القوّة بمواجهة رفيقه في حزب الدعوة الإسلامية نوري المالكي، الذي كان مصدر الضغط الأساسي عليه منذ تسلمه رئاسة الوزراء.
وتبدو مواجهة المالكي أكبر مصلحة مشتركة يمكن أن تجمع بين الصدر والعبادي.
وقال سياسي شيعي في بغداد لصحيفة “العرب”، إن أي استهداف احتجاجي للفساد من قبل جماهير التيار الصدري سيصب في مصلحة العبادي على حساب الكتل السياسية الأخرى.
وأضاف أن الصدر بدأ يستعرض عضلاته قبل الانتخابات، موضحا أن ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي يدرك أن أقوى خصومه المتوقعين في الساحة الانتخابية الشيعية ربما يكون تحالفا يجمع العبادي بالصدر.
وأوضح أن “العبادي بشعبيته المتزايدة، التي تعتمد على الانتصارات المتحققة في الحرب على داعش، والصدر بثقله الجماهيري الكبير، ربما يشكلان رقما صعبا في الساحة الشيعية”. وخلص إلى القول “هذه بوابة العبادي إلى الولاية الثانية على رأس الحكومة”.
العرب اللندنية