بغداد- تقترب التحالفات بين الأطراف السياسية في العراق من التفكك، بالتزامن مع قرب موعد الانتخابات المحلية واختفاء “العدو المشترك” مقتدى الصدر من المشهد، وهو ما تعكسه الانشقاقات المتتالية التي يشهدها عدد من التكتلات السياسية.
ويذكر محللون أن ما يحدث في العراق يجسد مقولة “تحالفات المصالح تتفكك حالما يختفي الخصوم”، في إشارة إلى غياب الصدر عن الانتخابات القادمة.
ويشكل الفوز في الانتخابات المحلية فوزا على المستوى الثاني من السلطة، بالنظر إلى أن مجالس المحافظات تحصل على ميزانيات خاصة بها، وتعد بمثابة حكومات محلية في كل محافظة من محافظات العراق الـ18.
بدأ أحد أبرز الانشقاقات من اعتزام تيار الفراتين، الذي يقوده رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، دخول هذه الانتخابات مستقلا عن تحالف دولة القانون الذي يقوده نوري المالكي، بينما ينتظر أن يتفكك تحالف الإطار التنسيقي الذي يضم إلى جانب حزب الدعوة تيارات شيعية أخرى، لم يوحّد بينها إلا شيئان: ارتباطها بإيران، ومخاصمتها لمقتدى الصدر.
وإذا لم يعد الصدر إلى الساحة ليشارك تياره في هذه الانتخابات، وهو أمر لا يزال محتملا، فإن التوجه الراهن لدى جماعات الإطار التنسيقي هو أن تدخل فيه كل كتلة كبيرة على انفراد، بينما تستقطب معها الكتل الأصغر التي لا بد لها أن تختار فلكا لكي تدور فيه.
ويشكل خروج محمد الصيهود، الذي ينتسب إلى عشيرة السوداني، عن تحالف دولة القانون ليلتحق بتيار الفراتين إحدى علامات التفكك داخل هذا التحالف، وذلك على إثر الخلاف المضمر بين السوداني والمالكي الذي ازداد حدة بعد إعلان السوداني عن رغبته في إجراء تعديل وزاري يطيح بوزراء “فاشلين” من حكومته.
ويقول النائب عن ائتلاف دولة القانون عارف الحمامي إن “الإطار التنسيقي عبارة عن كتل جميعها من مكوّن واحد، خاضت الانتخابات ونجحت خطتها وائتلفت بعد الانتخابات، والتوجه الحالي هو خوض كتل الإطار التنسيقي الانتخابات منفردة والائتلاف بعد الفوز، لتعرف كل كتلة حجمها وقوّتها الانتخابية”.
ويقول المحلل السياسي علي البيدر إن “التيارات السياسية والأحزاب والائتلافات داخل الإطار التنسيقي جمعتها مصلحة معينة بالتواجد تحت خيمة هذا المسمى، واليوم قد تختلف تلك المصلحة من قضية إلى أخرى، وكل جهة ترغب في مساحة سياسية أكبر لها”.
أما على جبهة التحالفات السنية فباستثناء انشقاق تحالف عزم عن تحالف السيادة هناك تحالف جديد ينشأ خاصة في محافظة الأنبار، التي تعد مركز الثقل الرئيسي لرئيس البرلمان محمد الحلبوسي، يستهدف معارضته، ويقوده جمال الكربولي زعيم حزب الحل، ويضم رافع العيساوي، نائب رئيس الوزراء الأسبق، الذي كان ملاحقا بتهم “الإرهاب” وظهر قبل نحو عام في العراق في إطار ترتيبات يُعتقد أن المالكي كان يقف وراءها لأجل إضعاف نفوذ الحلبوسي، وبدأ من الوهلة الأولى بقيادة حراك شعبي وعشائري ضد الحلبوسي، قبل أن يجد طريقه إلى تحالف الأنبار الموحد.
وتزامنت عودة العيساوي إلى النشاط مع عودة علي حاتم السليمان زعيم ما يعرف بـ”اتحاد المعارضة العراقية”، المعارض للحلبوسي أيضا.
ويقول مراقبون إن تحالف الأنبار الموحد لا يعارض الحلبوسي فقط، وإنما أيضا رئيس تحالف عزم خميس الخنجر.
وكان تحالف الأنبار الموحد عقد مؤتمره الثالث في الفلوجة مؤخرا وشارك فيه، إلى جانب العيساوي، نحو 10 أعضاء.
والملفت في خارطة التحالفات أن العيساوي يدعم حكومة السوداني، مما قد يوحي بنشوء كتلة عريضة تستهدف نفوذ المالكي من جهة، والحلبوسي من جهة أخرى. بل إن تيار الفراتين يتقرب من الجماعات الوطنية المعارضة، أملا في أن يكسب دعما من تحالف قوى التغيير الذي يضم الحزب الشيوعي العراقي وحراك البيت العراقي وحزب البيت الوطني وحركة نازل آخذ حقي وحزب الأمة والتيار المدني الديمقراطي وشخصيات سياسية مستقلة ونوابا مستقلين.
وكانت قيادة تيار الفراتين عقدت اجتماعا أواخر الشهر الماضي لأغراض التعاون والتنسيق مع قيادة الحزب الشيوعي، في لقاء ضم من جانب التيار بشار الساعدي، نائب الأمين العام للتيار، وقاسم الظالمي ويسار السوداني عضويْ المكتب السياسي، بينما ضم وفد الحزب الشيوعي بسام محي نائب سكرتير الحزب، وياسر السالم وعلي مهدي وحيدر مثنى ووسام الخزعلي، أعضاء قيادة الحزب.
ويقول المراقبون إن مسارات التفكك في الكتل الكبرى التي سيطرت على الحياة السياسية لن تهدأ على الجبهة السنية، ولكن قد يعاد النظر فيها على الجبهة الشيعية إذا عاد التيار الصدري ليشكل تهديدا لها. أما تيار الفراتين بقيادة السوداني فإنه يريد أن يمضي قدما، في جميع الأحوال، بعيدا عن زعامة المالكي لتحالف دولة القانون ونفوذه على الإطار التنسيقي، لعله يتمكن من تشكيل “جبهة عريضة” تدعم بقاءه في السلطة دون أن تضر باتفاقاته مع جماعات الإطار التنسيقي التي تشكل الداعم الرئيسي لحكومته.
العرب