تمثّل أهداف واشنطن في سوريا بهزيمة الجماعات التي صنّفتها الولايات المتحدة على أنها إرهابية ووقف تدفق اللاجئين. وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس السوري بشار الأسد ليس القائد المناسب لتولي هذه المهام على الإطلاق. فمن الناحية العملية، يفتقر إلى القوى البشرية لاستعادة ثلثي الأراضي السورية الخارجة عن سيطرته والمحافظة عليها في أي وقت قريب، على الرغم من أنه يحظى بدعم كافٍ من روسيا وإيران على أجزاء كبيرة من الثلث الذي يسيطر عليه في البلاد. والأهم من ذلك، أن الأسد هو خصم مؤكد للغرب ولا يستحق تعاون هذا الأخير. ونظراً لهذه الحقائق، وبعد إقرار واشنطن بأن سوريا أصبحت مقسّمة بحكم الأمر الواقع، على الولايات المتحدة إقامة مناطق آمنة في الأراضي التي لا تخضع لسيطرة الأسد ودق إسفين في التحالف الروسي-الإيراني في البلاد وعزل نظام الأسد والضغط عليه.
لقد وضع الرئيس دونالد ترامب دحر تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي يهيمن اليوم على ثلث الأراضي السورية في سلّم أولوياته. كما دعا إلى مكافحة الإرهاب بالشراكة مع روسيا التي تقوم طائراتها بدعم نظام الرئيس السوري وقوات الميليشيا الشيعية التي تموّلها وتدربها وتنظمها الجمهورية الإسلامية الإيرانية. لكن الرئيس الأمريكي تعهّد بالحدّ من نفوذ إيران المتنامي في الشرق الأوسط، علماً بأن العمليات التي تشنّها في سوريا أساسية للحفاظ على نفوذها في المنطقة. وقد أمر أيضاً بإعداد خطط لإقامة مناطق آمنة في سوريا بهدف “منح المواطنين فرصة للعيش بأمان”.
صحيح أن الأسد لا يملك القوى البشرية لاستعادة ثلثي الأراضي السورية غير الخاضعة لسيطرته في أي وقت قريب، لكنه لن يتنحى من منصبه في ظل غياب أي تدخل عسكري واسع من قبل الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى. ويُعتبر هذا السيناريو تكراراً بشكل أساسي لما فعله صدام حسين في العراق خلال تسعينيات القرن الماضي عندما كانت البلاد مقسّمة وغير مستقرة. غير أن الوضع في سوريا أكثر خطورة وتعقيداً إلى حدّ كبير مما كان عليه في العراق قبل عقدين من الزمن: فبالمقارنة مع جيش صدام آنذاك، يبدو جيش الأسد أضعف بكثير، مما دفع بإيران إلى نشر 50 ألف مقاتل من الميليشيات الشيعية لدعم الرئيس السوري وتمكين الجمهورية الإسلامية من تأسيس نظام جديد وإن متزعزع في المنطقة. ولا يمكن للأسد رأب الصدع على صعيد القوى البشرية سوى عبر تليين موقفه إلى حدّ كبير خلال المحادثات السياسية، أو زيادة عدد الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران أو القوات البرية الروسية. وفي حين تبدو جميع هذه الخيارات الثلاثة غير مرجحة، فإن الرئيس ترامب يواجه سوريا غير مستقرة حيث أن الجماعات التي صنّفتها الولايات المتحدة كإرهابية تلعب دوراً كبيراً على كافة الأصعدة كما أن القوى الإقليمية تعتبر البلاد مسرحاً للتنافس على السلطة.
ولمعالجة هذا الوضع وجمع شمل سوريا جديدة في نهاية المطاف، على إدارة ترامب القيام بما يلي:
القبول بأن سوريا مقسمة بحكم الأمر الواقع وإقامة مناطق آمنة: على الولايات المتحدة التعامل مع الأجزاء المكوّنة لسوريا من أجل تخفيف المعاناة الإنسانية، ووقف تدفق اللاجئين، ومكافحة الإرهاب. وستكون إقامة “مناطق آمنة” في المناطق العازلة الخاضعة لسيطرة المعارضة على الحدود مع تركيا والأردن أفضل وسيلة لمنح السوريين “فرصة”، على حد تعبير الرئيس ترامب. ويمثّل إقدام تركيا على إقامة منطقة آمنة بحكم الأمر الواقع شمال حلب، وسط تفهم من الجانب الروسي، فرصة جديدة قد تكون كبيرة لحماية السوريين، كما قد تشكل الأساس العسكري والسياسي لاجتثاث تنظيم «الدولة الإسلامية» جنوباً على طول وادي نهر الفرات. وتبقى المناطق الكردية وجنوب سوريا خيارين آخرين.
فصل روسيا عن إيران في سوريا في ما يخص الميليشيات الأجنبية: يجب على إدارة ترامب الحض على إعادة إحياء اتفاق إنشاء “مركز التنفيذ المشترك” لمكافحة الإرهاب المبرم في أيلول/سبتمبر 2016 واستئناف المفاوضات بشأنه، مقابل دعم روسيا للمناطق الآمنة وتحقيق الهدف المتمثل بضرورة خروج جميع الميليشيات الأجنبية من سوريا. وهذا من شأنه أن يختبر مدى التزام روسيا بمكافحة الإرهاب في سوريا، وكبح جماح نظام الأسد، والمساعدة في التوصّل إلى تسوية سياسية قابلة للتطبيق. كما سيضع موسكو على خلاف مع إيران التي تساهم ميليشياتها الشيعية في استمرار الأسد في السلطة وإبقائه متعنتاً في موقفه على طاولة المفاوضات.
وسيشكّل وضع معالم واضحة لتحديد نوايا موسكو مفتاحاً أساسياً لهذه المقاربة. وبالتالي على الولايات المتحدة الاستفادة من “التفاهم” التركي-الروسي بشأن سوريا، الذي تم التوصل إليه في آب/أغسطس 2016، والذي قبلت بموجبه روسيا بمنطقة تركية آمنة بحكم الأمر الواقع مقابل موافقة أنقرة على سيطرة نظام الأسد على حلب. لكن سيكون من الضروري اتباع دبلوماسية موجهة بشكل أكبر مع الحلفاء، تشمل الجهود لمنع جماعة «درع الفرات» المتمردة التي تدعمها تركيا من محاربة «قوات سوريا الديمقراطية» التي تدعمها الولايات المتحدة.
عزل الأسد والضغط عليه: على الولايات المتحدة مواصلة عزل الرئيس السوري والضغط عليه، ليس فقط بسبب الفظائع الجماعية التي ارتكبها وأوجه القصور التي أسفرت عنها في أرض المعركة، بل بسبب القيود التي وضعها ذلك على مواجهة الجماعات الإرهابية أيضاً. وسيقوّض أي تعاون أمريكي مباشر مع الأسد احتمال التعاون مع السنّة، سواء المواطنين أو الدول، الذين يُعتبرون أساسيين لتحرير الرقة وحُكُم مساحات شاسعة من سوريا والعراق، ومنع بروز الجيل القادم من الجهاديين السنّة حتى الأكثر تطرفاً.
الخيارات في مجال السياسة العامة
بقيت السياسة الأمريكية ملتزمة “بوحدة” سوريا بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، كما تمسكت إدارة أوباما باتفاق إقامة “مركز التنفيذ المشترك” العقيم مع روسيا باعتباره الفرصة الأخيرة لإقامة سوريا موحدة. إلا أن البلاد منقسمة لفترة دامت نصف عقد من الزمن، وستتطلب مواجهة المخاطر الناتجة عن ذلك اجتثاث المتطرفين وتوفير الحماية الإنسانية في الأجزاء المكونة لها مع السعي إلى لمّ شمل البلاد بطريقة أو بأخرى. وتُعتبر خيارات السياسة الرئيسية للتعامل مع سوريا مقسّمة، معروفة جيداً، وقد كانت موضع خلافات حادة. وعبر اختيار أي مزيج من هذه الخيارات، يجب أن يتمثّل الهدف بالحدّ من العجز أمام التهديدات التي تطرحها الجماعات المتطرفة وتدفق اللاجئين مقابل تحمّل الولايات المتحدة قدر أكبر من المخاطر.
أ. إقامة مناطق آمنة.
ب. شنّ ضربات جوية لتعزيز المناطق الآمنة.
ج. وقف الأعمال العدائية.
د. تعزيز دعم المعارضة المناهضة للأسد.
ه. زيادة العقوبات.
و. استخدام الدبلوماسية لتخليص سوريا من الميليشيات الأجنبية.
نقاط القرار الرئيسية
يُعتبر الوضع السوري معقداً بشكل خاص. وفي وقت مبكر جداً، قد تواجه إدارة ترامب عدداً من نقاط القرار المترابطة. وهناك خيارات متاحة للتعامل مع ست من هذه النقاط على نحو خاص، استناداً إلى المبادئ العامة المحددة في وقت سابق وهي: (1) ما الذي يجب فعله بشأن وجود تنظيم «الدولة الإسلامية» في الرقة، (2) كيف يمكن التوصّل إلى تسوية مستدامة للحرب، (3) كيف يمكن التعامل مع الدور الذي تلعبه تركيا في سوريا، (4) ما العمل إذا هاجمت تركيا «قوات سوريا الديمقراطية» أو «وحدات حماية الشعب» الكردية السورية، (5) كيف يمكن التعامل مع المنطقة الآمنة التي أقامتها تركيا، (6) كيف يمكن التعامل مع المنطقة الآمنة في الجنوب، و (7) ما الذي يجب فعله إذا انهار [اتفاق] وقف الأعمال العدائية.
معهد واشنطن