لندن – رافق حملة العلاقات العامة لمنتدى الأعمال والاستثمار القطري البريطاني، تساؤلات من قبل سياسيين وخبراء اقتصاديين بريطانيين بشأن جدوى الاستثمارات القطرية ومعناها الحقيقي.
وصار البريطانيون الموجوعون بتأثير بريكست، أكثر حرصا على طرح الأسئلة الصعبة والتمييز بين الاستثمار الحقيقي وضخ الأموال وركنها في مشاريع عالية الكلفة وغير مفيدة اقتصاديا.
وأثار إعلان قطر خلال المنتدى الذي عقد على مدار ثلاثة أيام بين مدينتي لندن وبرمنغهام، عن خطط لضخ استثمارات جديدة في بريطانيا أسئلة بشأن قدرة الدوحة على الوفاء بالتزاماتها، ونجاعة مثل هذه الاستثمارات في تحريك عجلة الاقتصاد البريطاني عشية خروجه من الاتحاد الأوروبي.
ويعد الإعلان عن الأمر بمثابة دفع لرئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي التي تستعد لإطلاق عملية الخروج الرسمية لبلادها من الاتحاد الأوروبي اليوم الأربعاء.
وقالت ماي إن “بريطانيا تؤسس لجنة تجارية مشتركة جديدة لتمهيد الطريق لاتفاق تجاري مع قطر بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي”.
وعلى الرغم من أن إعلان رئيس الوزراء القطري الشيخ عبدالله بن ناصر بن خليفة آل ثاني أمام المنتدى، عن خطط للاستثمار في بريطانيا بقيمة 5 مليارات جنيه إسترليني يقدم دفعا إيجابيا للحكومة البريطانية، إلا أن الأوساط المالية والاقتصادية البريطانية تخوّفت من الطابع الإعلاني للقرار القطري، لا سيما أنه سبق للدوحة أن تحدثت عن استثمارات كبرى في بريطانيا دون أن تتحقق هذه الوعود.
واستثمرت قطر ما يقارب 40 مليار جنيه في بريطانيا من خلال صندوقها السيادي “جهاز قطر للاستثمار” تشمل ملكية “شارد” أعلى مبنى في أوروبا، ومجمع ثكنة تشيلسي السكني ومباني كاناري وورف ومتاجر هارودز والقرية الأولمبية، إضافة إلى الاستثمار في سوق التجزئة البريطاني.
إلا أن تلك المشاريع مثل مبنى شارد وثكنة تشيلسي كانت عبئا على البريطانيين والقطريين على حد سواء.
وأعلن جهاز قطر للاستثمار أنه يخطط لتوسيع دائرة استثماراته خارج لندن مستغلا الانخفاض الذي طرأ على سعر الجنيه.
وشككت صحيفة فيننشيال تايمز البريطانية بالوعود الاستثمارية القطرية، مؤكدة أنه سبق وأن أعلن عن مشاريع قطرية للاستثمار في البنى التحتية البريطانية لكنها لم تر النور.
وذكرت الصحيفة أنه في عام 2013 ناقش البلدان إمكانات استثمارات تصل إلى 10 مليارات جنيه تشمل المفاعل النووي الجديد في هينكلي بوينت ومشروع قناة الصرف الكبيرة المسمى “تايمز سوبر سيوير”، إلا أن ما حصل بعدها أن شركة “تشاينا جينرال نيوكلير” الصينية هي من استثمر في هينكلي بوينت، ولم يحصل مشروع قناة الصرف على تمويل قطري مباشر.
وذهبت الدوائر الاقتصادية البريطانية إلى أكثر من ذلك، بقولها إن عدم تنفيذ قطر لوعودها الاستثمارية السابقة يلقي شكوكا حول الوعود الجديدة.
وتعتبر هذه الأوساط أن الإعلان عن هذه الاستثمارات يحاكي أجندة سياسية تتعلق بموقف الدوحة المرتبك من التحولات الدولية الكبرى وسعيها للاحتماء ببريطانيا تارة وبروسيا تارة أخرى ومحاولة مقاربة الإدارة الأميركية الجديدة تارة ثالثة من خلال سلاح المال والاستثمارات.
وترى هذه الأوساط أن هذه الأدوات لم تعد كافية في إطار استراتيجية السياسة الخارجية لأي دولة، ناهيك عن أن طبيعة الاستثمارات القطرية اعتمدت على ما هو ريعي ولا يمثّل دينامية حقيقية داخل الاقتصاد البريطاني.
ويرى بعض خبراء الاقتصاد في لندن أن إشكالية المشاريع التي لم تنفذ تضاف إلى أخرى تم تنفيذها وشكلت عبئا ماليا على بريطانيا وقطر معا.
واستغربت أوساط سياسية بريطانية الخفة التي تتعامل بها قطر مع مسألة بريكست من خلال حفلة العلاقات العامة التي صاحبت منتدى الأعمال والاستثمار القطري البريطاني، ففيما يسبب الأمر انقساما مجتمعيا وسياسيا حادا، ويرتفع منسوب القلق المحلي من مآلات الخروج من الاتحاد الأورربي على وحدة بريطانيا ومستقبلها السياسي والاقتصادي، تتقدم قطر بمبادرتها المالية على نحو قد يفهم على أنه زج الدوحة بنفسها في قضية شائكة قد تتسبب في تفكيك المملكة المتحدة دعما لخطط رئيسة الحكومة البريطانية التي تطلق اليوم رسميا خطط الخروج من “أوروبا”.
وتشير هذه الأوساط إلى أن البريطانيين غير معنيين بحركة رؤوس الأموال التبسيطية، وهم باتوا يميزون بين الاستثمار وضخ الأموال وركنها في مشاريع عالية الكلفة ولكنها غير مفيدة اقتصاديا.
وتلفت هذه الأوساط إلى بعض مشاريع السكن التي حققتها الاستثمارات القطرية على سبيل المثال، وهي مشاريع تم بناؤها بكلف خرافية في أحياء الصفوة مثل حي نايستبريدج ويشتريها أثرياء عرب وأجانب.
ويتساءل الاقتصاديون عن أهمية هذه المشاريع وعما إذا كانت استثمارات أم نقاطا لتدوير الأموال.
العرب اللندنية