صباح يوم الجمعة، الخامس عشر من يوليو/ تموز 2016، وصلت إلى وزارة الخارجية التركية برقية سرية مفادها أن موفدا خاصاً من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يطلب لقاء عاجلاً مع الرئيس رجب طيب أردوغان، أو أحدٍ من ثقاته. وافقت الحكومة التركية على الطلب، ووصل إلى أنقرة مستشار بوتين للشؤون السياسية المنُظر المعروف، ألكسندر دوغين، حيث التقى على الفور برئيس المخابرات التركية، حاقان فيدان. أطلع دوغين فيدان على تفاصيل المحاولة الانقلابية التي كان يجري التحضير لها من قيادات في الجيش التركي، وطلب إليه سرعة التحرك.
قام فيدان بناء على هذه المعلومات بزيارة رئاسة أركان الجيش، وأطلعها على المعلومات التي في حوزته. عندها أدرك الانقلابيون أن أمرهم انكشف، فسرّعوا العملية الانقلابية التي كان مقررا لها أن تنطلق فجر السبت إلى مساء الجمعة، وكان هذا أحد أسباب فشلها. وعندما طلب الرئيس أردوغان من أنصاره التجمع في مطار أتاتورك لاستقباله ومنع، من ثم، أي محاولة لاعتقاله أو إيذائه، قامت روسيا بتأمين الأجواء لطائرته، انطلاقا من المقر العام لأسطول البحر الأسود في ميناء سيفاستبول المقابل لإسطنبول في شبه جزيرة القرم.
قد لا نعرف أبداً السبب الفعلي الذي حدا بالرئيس بوتين إلى إفشال المحاولة الانقلابية ضد الرجل الذي قام بإذلاله قبل أشهر، عندما أسقط له إحدى طائراته على الحدود مع سورية، حيث تخوض روسيا وتركيا حرباً بالوكالة، لكن الأرجح أن حسابات بوتين استندت إلى معلوماتٍ كانت في حوزته ترجح أن يقوم الانقلابيون، وكثيرون منهم وثيقو الصلة بالولايات المتحدة، بإعادة تركيا إلى بيت الطاعة الأورو- أميركي، في حين يطمح بوتين أن يؤدي أردوغان، الأكثر استقلالاً وانتقاداً للغرب، اتجاه حلف شمال الأطلسي (الناتو) الدور الذي أدته بريطانيا اتجاه الاتحاد الأوروبي، أي الوصول إلى الانسحاب من الحلف، إذا استمرت علاقته بالتدهور مع الغربين الأوروبي والأميركي، ودق من ثم مسماراً في جسد “الناتو” الذي يطمح بوتين إلى فرطه.
بغض النظر عن أسباب بوتين، بدا أن سياسته الجديدة تؤتي أكلها، إذ قصد أردوغان روسيا، بعد أقل من شهر على المحاولة الانقلابية، واستكمل استدارته التي كان بدأها اتجاه موسكو عندما قدم في يونيو/ حزيران 2016 اعتذاراً علنياً عن إسقاط الطائرة الروسية. في قمة بطرسبورغ، انتزع أردوغان موافقة بوتين على إطلاق عملية درع الفرات التي استهدفت “تنظيف” المنطقة الممتدة من جرابلس إلى الباب من تنظيم الدولة الإسلامية، وقطع الطريق على الأكراد المتحفزين لتكريس نفوذهم غرب الفرات، بعد أن سيطروا، بدعم أميركي، على منبج.
لكن بوتين كان يعد موافقته على عملية درع الفرات ثمناً يقدمه لتركيا، في مقابل أن تخلي بينه وبين مناطق شرق حلب التي كان يعد للسيطرة عليها حال فشل اتفاقه مع الأميركيين. وبالفعل، ما أن اتضحت معارضة وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) الاتفاق الذي توصل إليه وزيرا الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، ووزير الخارجية الروسية، سيرغي لافروف، في 9 سبتمبر/ أيلول 2016، من خلال قصف طائرات أميركية مواقع لقوات النظام السوري في دير الزور، حتى قرّر بوتين المضي في خطته السيطرة على حلب، وسط صمت تركي. بعد سقوط حلب، اتجه بوتين إلى محاولة ترتيب الأوضاع السورية بالاتفاق مع تركيا متجاهلاً الإيرانيين، ومستفيداً من انشغال الأميركيين بانتقال السلطة، فتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع فصائل من المعارضة السورية في 29 ديسمبر/ كانون الأول 2016. وبموجب الاتفاق، ضمنت تركيا مشاركة فصائل المعارضة (وقد بدأت عشمليه تظهيرها سياسياً) في أستانة 1، على الرغم من الخروق الكبيرة لاتفاق وقف النار، خصوصا في وادي بردى. مع ذلك، ومع اقتراب جولة أستانة الأخيرة، بدا وكأن التفاهم الروسي- التركي في طريقه إلى إنتاج صيغة ما تفرض وقفاً شاملاً لإطلاق النار، وتكون مقدمة للبحث في حل سياسي. لكن هذا لم يحدث. قاطعت فصائل المعارضة أستانة 3 بعد أن تركت لها تركيا حرية اتخاذ القرار، ثم شنت هجوماً كبيراً شرق دمشق. وفي ريف حماة الشمالي، كان كافياً ليوصل إلى الروس رسالة مفادها أن إفشالهم المحاولة الانقلابية لا يبرّر لهم الدوس على مصالح تركيا الكبيرة في سورية. هل نغتبط لذلك؟ لا أدري، فعندما اختلف السلطان والقيصر دفعنا ثمناً كبيراً، وعندما اتفقا دفعنا ثمناً أكبر!
قام فيدان بناء على هذه المعلومات بزيارة رئاسة أركان الجيش، وأطلعها على المعلومات التي في حوزته. عندها أدرك الانقلابيون أن أمرهم انكشف، فسرّعوا العملية الانقلابية التي كان مقررا لها أن تنطلق فجر السبت إلى مساء الجمعة، وكان هذا أحد أسباب فشلها. وعندما طلب الرئيس أردوغان من أنصاره التجمع في مطار أتاتورك لاستقباله ومنع، من ثم، أي محاولة لاعتقاله أو إيذائه، قامت روسيا بتأمين الأجواء لطائرته، انطلاقا من المقر العام لأسطول البحر الأسود في ميناء سيفاستبول المقابل لإسطنبول في شبه جزيرة القرم.
قد لا نعرف أبداً السبب الفعلي الذي حدا بالرئيس بوتين إلى إفشال المحاولة الانقلابية ضد الرجل الذي قام بإذلاله قبل أشهر، عندما أسقط له إحدى طائراته على الحدود مع سورية، حيث تخوض روسيا وتركيا حرباً بالوكالة، لكن الأرجح أن حسابات بوتين استندت إلى معلوماتٍ كانت في حوزته ترجح أن يقوم الانقلابيون، وكثيرون منهم وثيقو الصلة بالولايات المتحدة، بإعادة تركيا إلى بيت الطاعة الأورو- أميركي، في حين يطمح بوتين أن يؤدي أردوغان، الأكثر استقلالاً وانتقاداً للغرب، اتجاه حلف شمال الأطلسي (الناتو) الدور الذي أدته بريطانيا اتجاه الاتحاد الأوروبي، أي الوصول إلى الانسحاب من الحلف، إذا استمرت علاقته بالتدهور مع الغربين الأوروبي والأميركي، ودق من ثم مسماراً في جسد “الناتو” الذي يطمح بوتين إلى فرطه.
بغض النظر عن أسباب بوتين، بدا أن سياسته الجديدة تؤتي أكلها، إذ قصد أردوغان روسيا، بعد أقل من شهر على المحاولة الانقلابية، واستكمل استدارته التي كان بدأها اتجاه موسكو عندما قدم في يونيو/ حزيران 2016 اعتذاراً علنياً عن إسقاط الطائرة الروسية. في قمة بطرسبورغ، انتزع أردوغان موافقة بوتين على إطلاق عملية درع الفرات التي استهدفت “تنظيف” المنطقة الممتدة من جرابلس إلى الباب من تنظيم الدولة الإسلامية، وقطع الطريق على الأكراد المتحفزين لتكريس نفوذهم غرب الفرات، بعد أن سيطروا، بدعم أميركي، على منبج.
لكن بوتين كان يعد موافقته على عملية درع الفرات ثمناً يقدمه لتركيا، في مقابل أن تخلي بينه وبين مناطق شرق حلب التي كان يعد للسيطرة عليها حال فشل اتفاقه مع الأميركيين. وبالفعل، ما أن اتضحت معارضة وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) الاتفاق الذي توصل إليه وزيرا الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، ووزير الخارجية الروسية، سيرغي لافروف، في 9 سبتمبر/ أيلول 2016، من خلال قصف طائرات أميركية مواقع لقوات النظام السوري في دير الزور، حتى قرّر بوتين المضي في خطته السيطرة على حلب، وسط صمت تركي. بعد سقوط حلب، اتجه بوتين إلى محاولة ترتيب الأوضاع السورية بالاتفاق مع تركيا متجاهلاً الإيرانيين، ومستفيداً من انشغال الأميركيين بانتقال السلطة، فتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع فصائل من المعارضة السورية في 29 ديسمبر/ كانون الأول 2016. وبموجب الاتفاق، ضمنت تركيا مشاركة فصائل المعارضة (وقد بدأت عشمليه تظهيرها سياسياً) في أستانة 1، على الرغم من الخروق الكبيرة لاتفاق وقف النار، خصوصا في وادي بردى. مع ذلك، ومع اقتراب جولة أستانة الأخيرة، بدا وكأن التفاهم الروسي- التركي في طريقه إلى إنتاج صيغة ما تفرض وقفاً شاملاً لإطلاق النار، وتكون مقدمة للبحث في حل سياسي. لكن هذا لم يحدث. قاطعت فصائل المعارضة أستانة 3 بعد أن تركت لها تركيا حرية اتخاذ القرار، ثم شنت هجوماً كبيراً شرق دمشق. وفي ريف حماة الشمالي، كان كافياً ليوصل إلى الروس رسالة مفادها أن إفشالهم المحاولة الانقلابية لا يبرّر لهم الدوس على مصالح تركيا الكبيرة في سورية. هل نغتبط لذلك؟ لا أدري، فعندما اختلف السلطان والقيصر دفعنا ثمناً كبيراً، وعندما اتفقا دفعنا ثمناً أكبر!
مروان قبلان
صحيفة العربي الجديد