الصور الآتية من ريف إدلب مريعة. أطفال خان شيخون قصفهم طيران بلدهم بغاز السارين الكيماوي. المشاهد المنقولة على شبكات التواصل الاجتماعي عن ضحايا الغاز السام تقطع النفس. إن هذا العنف وهذه الوحشية التي يستخدمها بشار الأسد لإرهاب أهل بلده من أجل البقاء في الحكم هي التي تولد وحشية «داعش» والإرهابيين المنتشرين في كل أنحاء العالم. فقصف ريف إدلب بالكيماوي هو بمثابة ما يقوم به «داعش» في الرقة وتدمر وغيرهما. فهذه الحركات الإرهابية التي ترعب العالم هي وليدة نظام تكوينه وأداؤه التهديد والتخويف والإرهاب. فليستيقظ هؤلاء الذين يعتقدون بأن بشار الأسد هو ضامن ضد الإرهاب لأنه هو الإرهاب نفسه. والحقيقة أن لا فائدة مما يسمى مفاوضات آستانة وجنيف لأنها بمثابة حوار طرشان مع مبعوث دولي غير قادر على أي تقدم ولا تأثير في أي طرف.
إن عمليات التحالف لتحرير الرقة من «داعش» ليست كافية طالما هناك تهديد آخر وهو بقاء الأسد وجماعته على رأس الدولة. فالآن وبينما هناك كلام كثير عن أن العالم تعود على بقاء الأسد ولم يعد أحد يطالب برحيله، ينبغي التذكير بأنه لم يكن هناك «داعش» قبل الأسد والحرب الأميركية في العراق. إن قصف المدنيين الأبرياء من قبل القوات الجوية السورية وبالغاز السام ليس أقل من القصف الجوي الذي دمر حلب القديمة وأفرغها من سكانها، كما أنه ليس أقل من تهجير السوريين وتشريدهم ودفعهم إلى الأراضي اللبنانية والأردنية والتركية. فالإرهاب السوري اختبره اللبنانيون خلال الحرب الأهلية. ومن بعد ذلك تألق الوريث بشار في الاستمرار في النهج المماثل لوالده في لبنان وعلى شعبه من دون أن تكون له حنكة والده وحفاظه على خط الرجعة والخط الأحمر مع من كان يدعي أنهم أعداؤه مثل إسرائيل وأميركا.
إن العالم يراقب وينتظر تغيير الإدارات من الولايات المتحدة إلى فرنسا إلى ألمانيا والبعض يقول مثلما سمعنا من ريكس تيلرسون وسفيرته في الأمم المتحدة أن أولوية الولايات المتحدة ليست رحيل الأسد بل تحرير الرقة. ولكن ما هذا المنطق اللامنطقي الذي يدعو إلى تحرير الرقة من إرهابيي «داعش» وترك إرهاب النظام الذي دمر البلد ووضعه تحت وصاية إيران وروسيا وهجر ملايين السوريين الذين يتعرضون للإذلال في الدول المضيفة التي لم يعد بإمكانها تحمل عبء هذا النزوح المؤلم؟ كيف تدعم بعض الدول العربية التي تخشى «الإخوان المسلمين» في سورية، بقاء الأسد الذي بنهجه وإرهابه لأهل بلده يدفع إلى التطرف واللجوء إلى حركات منبوذة؟
لم تعد العروبة تعني شيئاً أمام مناظر الأطفال السوريين يُقتلون بالغازات السامة، ولا أحد من العرب يتحرك. وحدهما فرنسا وبريطانيا أسرعتا إلى طلب اجتماع لمجلس الأمن ولو أن ذلك لن يكون فاعلاً طالما هناك الفيتو الروسي الذي سيمنع أي قرار. بات الوضع لا يحتمل. حان الوقت كي تعي بعض الدول الغربية والعربية أن إرهاب «داعش» هو نتيجة لإرهاب النظام السوري الذي هو على عكس ما يعتقده البعض في الغرب وفي عدد من العواصم العربية ليس ضامناً لبديل متطرف إرهابي بل هو يولده. فالتحالف الذي يريد تحرير الرقة عليه أن يدرس ماذا بعد هذا التحرير. من سيتسلم الرقة ومن يديرها؟ وذلك أيضا بالنسبة إلى جميع المدن السورية، فلا يجوز أن تترك عصابات النظام المتقاتلة لتهيمن في مناطق عدة وتتقاسم مغانم حرب كريهة دمرت البلد وشردت شعبه وهددت وأفقرت جيرانه. فالأوضاع الأمنية في كل من لبنان والأردن هشة ويقول في هذا الصدد مسؤول لبناني لـ «الحياة» صحيح أن الأمن في لبنان مضبوط حالياً ولكن من يعلم ماذا يحدث بعد تحرير الرقة وأين تهرب الجماعات الإرهابية. فالمفاوضات ليست الحل لأن النظام يضيع الوقت والحل يجب أن يكون باتفاق أميركي روسي على رحيل الأسد.
رندة تقي الدين
صحيفة الحياة اللندنية