لم يسافر الأباطرة الصينيون قط في العصور القديمة اٍلى دولة أخرى للقاء حاكمها الجديد. وبدلاً من ذلك، كان هذا الحاكم، أو مبعوثه، هو الذي يزور العاصمة الإمبراطورية الصينية لطلب مباركة التنصيب من ابن السماء.
وهكذا، فإن قطع الرئيس الصيني شي جين بينغ آلاف الأميال للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مارا-لاغو، بدلاً من استقبال ترامب في المدينة المحرمة في بيكين، يوحي بأن الصين تعترف بوضعها كقوة أقل أمام الولايات المتحدة.
لكن هذا لا يعني أن هذه الحالة دائمة. بل على العكس من ذلك، قد يكون متوقعاً أن يتغير الموقف الاستراتيجي للبلدين بسرعة كبيرة إذا لم تقم الولايات المتحدة بعمل المزيد من أجل الحفاظ على مكانتها باعتبارها القوة الأولى العالمية.
استمرت المناقشات حول ازدهار الصين وتراجع الولايات المتحدة نسبياً منذ عقد تقريباً. لكن الفكرة القائلة بأن الصين ستحل محل الولايات المتحدة كقوة عالمية مهيمنة لم تعتبر معقولة -سواء من قبل الصينيين أو المراقبين في جميع أنحاء العالم- حتى وصل ترامب إلى الرئاسة.
يمكن تعزيز هذا التصور الجديد في مارا لاغو. فعلى الرغم من أن هذا الحدث قد تم تقديمه كمناسبة لتعارف الزعيمين بشكل شخصي، وقدر المراقبون أن ترامب اعتزم طرح ثلاث قضايا رئيسية على الأقل: عجز أميركا التجاري الكبير مع الصين؛ والبرنامج النووي لكوريا الشمالية؛ والنزاعات الإقليمية بين الصين وحلفاء الولايات المتحدة في بحر الصين الجنوبي.
كان من المتوقع أن يطلب كل زعيم من الآخر تقديم تنازلات بشأن هذه القضايا، حتى يتمكن من الظهور “كمنتصر” بعد القمة. وكان ترامب يحتاج إلى نتيجة مواتية للتعويض عن الإخفاقات السياسية المحلية التي أدت إلى تآكل رأس ماله السياسي بشدة، وإلى انخفاض شعبيته إلى مستويات قياسية. كما أراد شي بينغ تحقيق انتصار دبلوماسي لتعزيز مكانته السياسية قبل التئام المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني في تشرين الثاني (نوفمبر) القادم.
فيما يتعلق بالتجارة، يريد ترامب تقليص الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة، بفرض رسوم جمركية أعلى على السلع الصينية والضغط على الشركات المصنعة الأميركية والدولية لنقل مرافق إنتاجها إلى أميركا. لكن من غير المحتمل أن ينجح ترامب في تحقيق هذا الهدف. فمن ناحية، سوف يثير فرض رسوم جمركية على الواردات الصينية نزاعات تجارية، وسيدعو إلى انتقام الصين، وسيضر بالشركات الأميركية التي تصنع الثروة -وتقدم منتجات بأسعار معقولة للمستهلكين الأميركيين- من خلال بناء مرافق إنتاجية في الصين.
ربما كان البديل الأفضل لترامب هو إقناع الصين باستيراد المزيد من الولايات المتحدة. لكن إجراء هذا التغيير سيستغرق وقتا بالنسبة للصين. أما بالنسبة للجانب الأميركي، فلا يمكن لترامب أن يقوم ببساطة بإملاء حصص على الشركات، التي يجب أن تتخذ قراراتها حسب ظروف السوق.
من ناحية أخرى، أشار ترامب إلى أنه قد يخفف موقفه من قضية التجارة إذا ما قدم الرئيس شي المساعدة فى كبح طموحات النظام الكوري الشمالي. لكن شي، الذي يعلم أنه صاحب اليد العليا في قضية التجارة، لا يتأثر بسهولة. وبدلاً من ذلك، توقع المراقبون أن يعرض على الأرجح تعاون الصين مقابل قيام الولايات المتحدة بوقف نشر نظام الدفاع الصاروخي للمنطقة العليا للطائرات “ثاد” في كوريا الجنوبية.
رفض ترامب لهذا الاقتراح مؤكد بلا شك. ومع ذلك، فإنه قد يكون مبالغاً في تقدير تأثير الصين على كوريا الشمالية. وقد أجرت الأخيرة تجاربها النووية والصاروخية الأخيرة على الرغم من العقوبات الصينية التي أوقفت واردات الفحم من كوريا الشمالية –وهو مصدر الدخل الرئيسي للنظام. وإذا كانت لدى الصين سيطرة أقل على كوريا الشمالية عكس ما يفترضه الكثيرون، فمن غير المرجح أن يقدم شي أي تنازلات استراتيجية لترامب لمواجهة التهديد النووي.
ويمكن قول نفس الشيء عن قضية بحر الصين الجنوبي. فقد عرّفت الصين مطالبها الإقليمية بأنها “مصلحة جوهرية”، مما يدل على أنها ستستخدم القوة للدفاع عن موقفها هناك. وانتقد بعض المراقبين الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما باعتبار أنه كان متساهلاً للغاية بشأن هذه القضية، لأنه سمح للصين بتأكيد مطالبها من دون رقابة على مدى السنوات الثماني الماضية. لكن من غير المحتمل أن أوباما كان سيصنع أي شيء لوقف الصين من دون المخاطرة بإثارة نزاع كبير مع قوة عظمى. ويرغب ترامب في وقف التجاوزات الاستراتيجية للصين في بحر الصين الجنوبي. ولكن خياراته، كما أثبت اجتماعه مع شي، تظل محدودة كما كانت خيارات أوباما.
بالنظر إلى هذه القيود، تنبأ المراقبون بأن ترامب سيفشل بالتأكيد في تحقيق النصر السياسي في القمة. وفي الوقت نفسه، توقعوا أن يعود شي إلى بلاده منتصراً فقط من خلال الإصرار على موقفه. ومن شأن هذه النتيجة أن تعزز الرأي القائل بأن الولايات المتحدة بدأت تفقد تأثيرها العالمي في الصين، وخاصة المراقبين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ الذين شاهدوا ترامب وهو ينبذ الشراكة عبر المحيط الهادئ ويوقف إعادة تمحور أوباما الاستراتيجية حول المنطقة.
بسبب الانقسامات العميقة داخل المجتمع الأميركي، فإن إدارة ترامب الانعزالية والمناهضة لليبرالية قد تفتقر بالفعل إلى رأس المال السياسي والتصميم على تأجيل، ناهيك عن عكس وجهة التحول الهائل في القوة العالمية في اتجاه الصين. ولن يتحقق هذا التحول إلا بعد رئاسة ترامب، ما لم يتم إجراء تغييرات كبيرة للاحتفاظ بالأولوية العالمية المكلِفة التي كسبتها أميركا بمشقة النفس.
لي هونغ هيب
صحيفة الغد