القاهرة – يؤدي الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الأحد زيارة تقوده إلى كل من الكويت والبحرين، استكمالا لجولته الخليجية بعد زيارات سابقة قادته إلى الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة.
ويعتقد محللون أن تتابع هذه الزيارات تندرج في إطار إعادة ترتيب علاقات القاهرة بغالبية الدول العربية على ضوء المتغيرات الإقليمية التي تفرض توثيق التعاون.
ويتجاوز الحرص المتبادل على تعزيز التفاهمات المشتركة حدود الشكل التقليدي لما كانت عليه العلاقات سابقا، من احترام متبادل يتجنب الدخول في ملفات شائكة كما هو الحال بين القاهرة والرياض في الأزمة السورية، والتي خلفّت تداعيات سلبية ربما لم تنعكس كثيرا على العلاقات مع باقي الدول الخليجية، لكنها تسببت في الحد من التقارب بشكل أكبر.
وتستمد هذه العملية زخهما اليوم من عمق التحديات والرغبة المشتركة في التعامل معها برؤية تراعي التطورات التي تمر بها المنطقة، والتعقيدات التي دخلتها بعض الأزمات الإقليمية، بصورة تفرض مواجهتها بحكمة وتوازن وجرأة في آن واحد.
ويستبعد مراقبون أن تحقق مصر ودول الخليج العربي أيّ استفادة من الإيحاء بأن هناك تفاهمات استراتيجية، في حين تقف العلاقات عند حدودها الشكلية وتبتعد كثيرا عن المواجهة الجماعية.
وقال مجاهد الزيات عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية لـ”العرب” إن “جولات الرئيس السيسي تعبّر عن الارتباط الحيوي للأمن القومي، فأمن مصر يبدأ من على ضفاف الخليج العربي، كما أن أمن دول الخليج يبدأ فعليا من مصر”. وأضاف أن “الأحداث التي تمر بها المنطقة أثبت هذا الالتحام، فلم تهتز العلاقات أمام كل الرياح التي مرت، ولا تزال تمر بها المنطقة، وتم تجاوز هامش الخلاف في بعض القضايا باقتدار، الأمر الذي يعكس الأهمية الإستراتيجية بل والقدرة على تجاوز المطبات الحقيقية أو المفتعلة”.
واستشهد الزيات بما قاله وليّ وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بشأن محاولات البعض، وفي مقدمته إعلام الإخوان، تعكير العلاقات الإيجابية بين القاهرة والرياض، كدليل على أن هناك جهات ليس من مصلحتها أن تظل العلاقات بين مصر والسعودية ودول الخليج في حالة وئام.
ويؤكد محللون أن زيارة السيسي إلى الرياض في المدة الأخيرة لم تكتف بإزالة الالتباس الذي شاب العلاقات خلال الأشهر الماضية، بل تعدتها إلى التفاهم حول عمق القضايا المشتركة، والتي من المرجح أن تشهد تغيرات لافتة خلال الفترة المقبلة.
وفي مقدمة هذه القضايا التصدي لطموحات إيران الإقليمية، والتي لم تعد بندا حيويا على أجندة الخليج، لكنها تجاوزت ذلك وأصبحت ضمن أولويات واشنطن التي ترى أن طهران خطر حقيقي ومن الضروري التكاتف لتحجيمها.
العلاقات بين مصر ودول الخليج قطعت شوطا مهما على قاعدة التحلي بالمرونة والتنازلات المتبادلة، فتغير موقف القاهرة من طهران نسبيا كان مهما لزيادة أوجه التعاون الإقليمي في ملف مكافحة الإرهاب الذي يحتل أولوية مصرية كبيرة
وبرأي البعض من المراقبين أن هذه القضية أحد المحددات المشتركة في زيارات السيسي للدول الخليجية والتي لم تعد تجدي معها الخطب الحماسية، فإيران وفقا لتقديرات كثير من القيادات الخليجية خطر داهم على الأمن القومي العربي، ولا بد من مواجهته جماعيا، ووجود مصر ضمن هذه المعادلة ضروري بحكم الوزن السياسي والعسكري والجغرافي والسكاني.
وذهبت بعض التحليلات السياسية إلى أن القاهرة حسمت أمرها وخففت ممانعتها السابقة حيال مواجهة طهران، فقد تبين لها أن هذه نقطة مفصلية في تطوير علاقاتها مع الدول الخليجية وإيجاد مكان لها وسط العواصف الإقليمية التي تعتبر إيران أحد مسبباتها الرئيسية في كل من العراق وسوريا واليمن ولبنان.
ويؤكد مراقبون أنه لتحقيق سياسة منسجمة وقابلة للتطبيق في قضايا إقليمية مهمة من الواجب أن تقترب القاهرة أكثر من الرؤية الخليجية بشأن التعامل مع طهران.
وتشكل التوافقات المصرية الخليجية حيال طهران مدخلا لتحقيق تفاهمات جديدة في عدد من الملفات الأخرى على غرار الملف السوري، فالتفاهم حول طبيعة التعامل مع طهران يمكن أن يحسم جانبا من الوجوه الخلافية.
وقالت مصادر سياسية لـ”العرب” إن القاهرة أصبحت أكثر ميلا للتفاهم مع الرؤية الخليجية بشأن الأزمة السورية بعد أن تطورت كثيرا في طريقة التعامل مع خيوطها، وأضحت أقل تشددا في بعض فروعها وأكثر مرونة في القضايا التي لها علاقة بمصير المعارضة.
في المقابل وجدت القاهرة تعاونا خليجيا وتفهما لموقفها في الأزمة الليبية، ولعل تزامن زيارة الرئيس المصري لدولة الإمارات العربية المتحدة مع توقيع اتفاق بين فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي والمشير خليفة حفتر قائد الجيش الليبي لا يخلو من دلالات في هذا السياق.
وقطعت العلاقات بين مصر ودول الخليج شوطا مهما على قاعدة التحلي بالمرونة والتنازلات المتبادلة، فتغير موقف القاهرة من طهران نسبيا كان مهما لزيادة أوجه التعاون الإقليمي في ملف مكافحة الإرهاب الذي يحتل أولوية مصرية كبيرة، لأن إيران متهمة من قبل دول كثيرة بأنها أحد رعاته غير المباشرين في المنطقة، وتأجيجها للحروب المذهبية علامة لم تعد خافية على الكثيرين.
ويفك التوافق حول رؤية مصرية خليجية مشتركة حول إيران الكثير من التعقيدات في العراق التي تمثل طهران عمود الخيمة الرئيسي في دعم الشيعة، وصلابة الميليشيات التابعة لها في بعض المناطق العراقية.
العرب اللندنية