الرباط – من المنتظر أن تتم محاسبة مسؤولين مغاربة كبار بعد الانتهاء من التحقيقات التي أمر بها العاهل المغربي الملك محمد السادس كل من وزير الداخلية ووزير المالية للتحري في تعثر إنجاز مشاريع الحسيمة منارة المتوسط، وتحديد المسؤوليات، ورفع تقرير بهذا الشأن، في أقرب الآجال.
ويتوقع الباحث في العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض محمد الزهراوي، إعفاء بعض الأسماء الوزراية وبعض المسؤولين.
ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أنه من غير المستساغ والمقبول أن يشرف الملك محمد السادس على تدشين مشروع كبير كمنارة الحسيمة ولا يتم تنزيله على أرض الواقع، وهو ما يؤشر لسوء التدبير وغياب حس المسؤولية لدى بعض المسؤولين.
وأشار الزهراوي إلى أنه بعد ظهور نتائج التحقيق فالعقاب لا يجب أن ينحسر في إعفاء من ثبت تقصيرهم، بل يجب أن يتم معاقبتهم ليكونوا عبرة لغيرهم، مذكرا بأن العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني سبق وأن سجن في عهده بعض الوزراء.
وكان الملك محمد السادس عبّر أثناء ترؤسه مجلساً وزارياً الأحد الماضي في القصر الملكي في الدار البيضاء، عن “استيائه وانزعاجه وقلقه بخصوص عدم تنفيذ المشاريع التي يتضمنها هذا البرنامج التنموي في الآجال المحددة لها”.
وشدد الزهراوي أن تدخل الملك محمد السادس يحمل في طياته ثلاث دلالات رئيسية؛ تتمثل الأولى في اعتراف ضمني من طرف أعلى سلطة في البلاد بمشروعية الحراك ومطالب السكان بمنطقة الحسيمة.
أما الدلالة الثانية فتشير إلى فشل حكومة العثماني في تدبير ملف الاحتجاجات، وعجزها عن إيجاد حلول عملية وناجعة لامتصاص غضب المواطنين.
تدخل العاهل المغربي الملك محمد السادس اعتراف ضمني من طرف أعلى سلطة في البلاد بمشروعية مطالب سكان الحسيمة
كما يحمل تدخل الملك محمد السادس في هذه الظرفية ومحاولة تصحيح ومعالجة الاختلال الموجود دلالة ثالثة تشير إلى وجود تباعد في الآراء وأزمة ثقة حقيقة بين نشطاء الحراك والدولة.
وحسب بيان القصر الملكي فقد شدّد العاهل المغربي على ضرورة تجنّب تسييس المشاريع الاجتماعية والتنموية التي يتم إنجازها، أو استغلالها لأغراض ضيقة، مؤكدا على عدم الترخيص للوزراء المعنيين بالاستفادة من العطلة السنوية من أجل دفعهم إلى الانكباب على متابعة سير أعمال المشاريع المذكورة.
واعتبر الباحث في العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض، أن التدخل الملكي من الناحية الشكلية، يكتسي طابعا مؤسساتيا ودستوريا، حيث جاء خلال انعقاد المجلس الوزاري الذي يترأسه، أما من ناحية المضمون، فهو يؤسس لربط المسؤولية بالمحاسبة وإن بشكل متأخر.
ويرى عياض أن فتح تحقيق سيؤدي بالضرورة إلى مجموعة من الإعفاءات التي يجب أن تكون مصحوبة بمتابعات قضائية، لزج بكل من تثبت مسؤوليته ليكون عبرة للآخرين.
وأشرف العاهل المغربي في شهر أكتوبر 2015 على إطلاق برنامج التنمية المجالية لإقليم الحسيمة (2015 – 2019)، والذي أطلق عليه اسم “الحسيمة منارة المتوسط”.
ويهدف البرنامج إلى النهوض بالمجال الاجتماعي وبناء مستشفى إقليمي ومركز لتصفية الدم وتجهيز المركز الجهوي للأنكولوجيا، وبناء وتجهيز خمسة مراكز صحية للقرب، وتأهيل وتجهيز البنيات الإستشفائية الموجودة، و بناء مؤسسات تعليمية، وبناء ملعب كبير لكرة القدم.
ويرى متابعون أن نتائج التدخل الملكي ستكون حاسمة وايجابية في حل مشكل الاحتجاجات بالحسيمة تنمويا وحقوقيا واجتماعيا، مؤكدين أن اهتمام العاهل المغربي بمنطقة الحسيمة ليس وليد اليوم وإنما منذ أن اعتلى العرش إذ دشنها بزيارة أولى في العام 2000.
وتساءل الزهراوي، عن الفائدة من استمرار حكومة سعدالدين العثماني ما دامت عاجزة عن التدخل لامتصاص الغضب الشعبي بمنطقة الحسيمة وابتكار الحلول من خلال الاستماع إلى مطالب المواطنين، مضيفا أنه إذا كان جميع المنتخبين بهذه المدينة غير قادرين بدورهم عن تهدئة الأوضاع، فمن وماذا يمثلون في الأصل؟
وبخصوص الاحتقان الاجتماعي بالحسيمة وضواحيها قال الزهراوي، إنه واقع يحتاج إلى جرعة زائدة من طرف الدولة وكل الغيورين على هذا الوطن لوقف النزيف ولقطع الطريق على كل من يتربص باستقرار المغرب ومن يزعجه أن يبقى هذا البلد واحدا موحدا.
واقترح الزهراوي أن يتم إطلاق سراح المعتقلين وإلزامهم باحترام حيّز زمني يتم الاتفاق حوله لإتمام المشاريع وتهدئة الأوضاع، وحل أو إقالة جميع المجالس المنتخبة بإقليم الحسيمة.
وأضاف أنه “إذا كانت هذه المجالس فاقدة للمصداقية وعاجزة عن التدخل لتهدئة الوضع، فيستحسن أن تقدم استقالتها وتفسح المجال للشباب ولمن يحظى باحترام وتقدير المواطنين”.
ودعا الزهراوي إلى ضرورة فتح نقاش عمومي على كافة الجهات لتحديد وتشخيص الاحتياجات والإمكانات اللازمة لإعداد مخططات تنموية توفر الشغل للشباب والتجهيزات الأساسية.
العرب اللندنية