أكملت ألمانيا تحضيراتها في مدينة هامبورغ استعدادا لاستضافة قمة العشرين، التي ستعقد في 7 و8 يوليو الجاري. وتأتي قمة هذا العام وسط صخب سياسي عالمي يأتي صداه من كل جهات العالم الذي وصفته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأنه “قلق وغير متحد”، مشيرة إلى أن قمة هامبورغ “تعقد في ظل تحديات صعبة”، ويقول مراقبون إنها تجعل من شعار القمة، وهو “ضمان الاستقرار، وتحسين الاستدامة، وتحمل المسؤولية”، أمرا صعب التحقق.
وقالت ميركل، في مؤتمر صحافي عرضت خلاله برنامجها للانتخابات التشريعية، في سبتمبر، “تنتظرنا سلسلة من القضايا الشائكة”، مشيرة خصوصاً إلى مكافحة التغيّر المناخي، في الوقت الذي أعلنت فيه واشنطن انسحابها من اتفاق باريس، إضافة إلى المجال التجاري، حيث تتبنَّى واشنطن خطابا حمائيا، مهددة دولا مثل ألمانيا بفرض رسوم جمركية لكبح صادراتها “المُبالغ فيها”. وأضافت “نعلم بمواقف الحكومة الأميركية، ولا أتوقع أن تزول لمناسبة قمة ليومين في هامبورغ”، متوقعة حصول “خلافات”.
وحذَّرت المستشارة الألمانية من المبالغة في توقع نتائج من القمة، مذكرة بأن البيان الختامي لاجتماعات مماثلة يجب أن يحظى “بموافقة بالإجماع”. وتوقعت التوصل إلى نقاط تفاهم على الأقل بالنسبة إلى قضية مكافحة الإرهاب، متداركة بأن “هناك خلافات كثيرة حول باقي الموضوعات”.
قمة التباينات
تأسست مجموعة العشرين في عام 1999، وتتألف مـن وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية. وتهدف المجموعة إلى الجمع بين الأنظمة الإقتصادية للدول النامية والدول الصناعية التي تتسم بالأهمية والتنظـيم لمناقـشة القـضايا الرئيسية المرتبطة بالاقتصاد العالمي. وقد عقد الاجتماع الافتتاحي للمجموعة في ديسمبر عام 1999 في برلين.
وتتصف المجموعة بأنها منتدى غير رسمي يدعم المناقشات المفتوحة في ما بين دول السوق البارزة والدول الصناعية حول القضايا الأساسية المتعلقة باستقرار الاقتصاد العالمي. ومن خلال مساهمتها في تقوية الهيكل المالي العالمي وإتاحة فرص الحوار حول السياسات الداخلية للبلاد والتعاون الدولي في ما بينها وحول المؤسسات المالية الدولية، فتقوم مجموعة العشرين بتدعيم حركة النمو والتطور الاقتصادي في شتى أنحاء العالم.
وتضم مجموعة الدول الصناعية السبع، وهي الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا، إلى جانب الدول صاحبة الاقتصادات الكبرى الناشئة، كالصين وروسيا والهند والبرازيل والمكسيك وجنوب أفريقيا والأرجنتين وأستراليا وإندونيسيا والسعودية وكوريا الجنوبية وتركيا.
وسيلتئم الاجتماع الثاني عشر للمجموعة بمشاركة رؤساء دول وحكومات الدول الصناعية والدول الصاعدة الأكثر أهمية في العالم في هامبورغ الألمانية وسط توقعات بأن تكون الخلافات أكثر من التفاهمات.
ويرى المحلل البريطاني بصحيفة فاينانشيال تايمز جدعون راخمان أن ثمة ضبابية تكتنف أجواء تحديد شخصية مَن يقود العالم عند التركيز في قمة مجموعة العشرين. فيما كتب المحلل في صحيفة دوتشي فيلله الألمانية زابينه كنكارتز مشيرا إلى أن عدم اتحاد العالم ممثل في هذه القمة بثلاثة قادة، الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
مظاهرات عنيفة في استقبال القمة
هامبورغ – تتوقع قوات الأمن الألمانية تدفق حوالي ثمانية آلاف محتج يميلون إلى العنف على مدينة هامبورغ في شمال البلاد هذا الأسبوع أثناء استضافة المستشارة أنجيلا ميركل لقادة دول مجموعة العشرين.
وأشار وزير الداخلية الألماني توماس دي مايتسيره إلى أن حوالي 20 ألف رجل شرطة سيعملون على تأمين القمة حيث يتوقع أن يتخلل التظاهرات المناهضة للرأسمالية أعمال شغب.
وقالت الشرطة الألمانية الثلاثاء إنها ضبطت سكاكين ومضارب بيسبول وأجهزة يعتقد أنها تسبب حرائق في عدة أماكن في مدينة هامبورغ وحولها كانت ستستخدم في ما يبدو في أعمال شغب مناهضة للرأسمالية خلال قمة مجموعة العشرين.
وقال رالف مارتن ماير قائد شرطة هامبورغ “هناك أدلة على أن أعمال العنف، التي توقعناها وخشينا حدوثها، قرب قمة مجموعة العشرين ستقع”. وأكد ضابط الشرطة الكبير يان هيبر أن الشرطة لم تعثر على الأرجح إلا على كمية ضئيلة من الأسلحة التي تم تكديسها لاستخدامها في الاحتجاجات.
وذكرت الشرطة أن المواد التي عثرت عليها تشمل الهراوات والزجاجات والعلب التي يعتقد أنها مليئة بسائل قابل للاشتعال وأوعية تضم مسحوقا غير معروف من المواد الكيماوية وأقنعة غاز.
وقال دي مايتسيره خلال زيارة لهامبورغ إن الاحتجاجات السلمية مرحب بها ومسموح بها في الديمقراطية لكن المتظاهرين الذين ينتهجون العنف ليس لهم الحق في حرية التجمع وسيتم التصدي لهم بكل قوة.
يريد أردوغان استغلال حضوره إلى هامبورغ لإلقاء كلمة أمام الجالية التركية في المدينة. والحكومة الألمانية رفضت الفكرة، ويبقى الأمر بيد الرئيس التركي إن كان سيلتزم بالرفض الألماني أم لا. حثت الحكومة الألمانية الرئيس التركي على احترام طلبها بعدم مخاطبته للأتراك المقيمين في ألمانيا عندما يحضر قمة تعقد هذا الأسبوع في هامبورغ لمجموعة العشرين.
وتوترت العلاقات بين برلين وأنقرة على مدى العام الماضي بسبب خلافات حول عدد من القضايا السياسية والأمنية بما يشمل سجن تركيا لصحافي ألماني تركي ورفضها زيارة مشرعين ألمان للقوات الألمانية في قاعدة جوية تركية.
بوتين وترامب
يلتقي الرئيس الأميركي ونظيره الروسي لأول مرة. وعلى أجندة اللقاء هناك قضايا كثيرة: الأزمة الأوكرانية والحرب في سوريا والعقوبات الاقتصادية على روسيا، وحتى موضوع التأثير الروسي على انتخاب ترامب رئيسا. وعلى لسان مستشار ترامب لشؤون الأمن القومي مكاستر أن ترامب يريد العمل من أجل تطوير الغرب “سياسة بناءة” مع روسيا.
وقال بافل شاريكوف، الباحث بمعهد الدراسات الأميركية والكندية، ومقره موسكو، إن “هناك الكثير من الخلافات بين الجانبين تحتم أن يكون جدول أعمال اللقاء بينهما مكتظا”.
وأضاف شاريكوف، في لقاء مع وكالة الأنباء الألمانية، إنه “في ظل الظروف السياسية السلبية بشكل عام التي تحيط بالعلاقات الروسية الأميركية، فإنه من غير المرجح إلى حد كبير التوصل إلى اتفاق حول أيّ قضية، واعتقد أن بدء حوار بين الجانبين هو أكثر نتيجة متوقعة من اللقاء”.
وتبددت موجة التفاؤل بحدوث وفاق بين الجانبين تبددت بسبب المزاعم بارتكاب قراصنة الإنترنت الروس هجمات إلكترونية، بغرض التأثير على انتخابات الرئاسة الأميركية لصالح ترامب، مما خلق بيئة سياسية أصبح من المتعذر على ترامب في ظلها أن يتقارب مع بوتين، وهي بيئة أضافت بعدا سلبيا جديدا إلى العلاقات المتوترة بالفعل بين واشنطن وموسكو.
تمويل الإرهاب
يشكل ملف “تمويل الإرهاب” جانبا مهما من الشق المالي المطروح للنقاش في قمة العشرين. وأعلنت فرنسا أنها ستطرح خلال قمة العشرين موضوع الأزمة بين الدوحة والرياض وأبوظبي والمنامة والقاهرة. وقال بيان صادر عن الرئاسة الفرنسية إن الرئيس إيمانويل ماكرون أبلغ أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في اتصال هاتفي بينهما، أنه سيطرح الأزمة خلال قمة، وسيناقش الأمر مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وكان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز ألغى زيارته إلى ألمانيا للمشاركة في القمة، وسينوبه وزير المالية محمد الجدعان، في خطوة رأى المسؤولون الألمان أنها تترجم استياء السعودية من الموقف الألماني المثير للاستغراب من الأزمة المتصاعدة مع قطر، والذي يقلقه حول مستقبل الاستثمارات القطرية الضخمة في ألمانيا أكثر من الدلائل التي تشير إلى تورط الدوحة في دعم الإرهاب، والذي اكتوت ألمانيا بناره.
صحيفة العرب اللندنية