إياد العناز
استضافت الهند القمة(18) لدول العشرين تحت شعار (أرض واحدة، عائلة واحدة، مستقبل واحد) في العاصمة (نيو لهي) للفترة من 9_10 أيلول 2023، في خضم أحداث ووقائع وظروف دولية يعيشها العالم، منها النزاع الروسي_ الأوكراني و الخلاف الصيني _الهندي الحدودي واشتداد المنافسة بينهما على الموقع الأول اقتصادياً في قارة أسيا وطموح كل منهما على التعامل مع دول العالم كقوة عالمية مؤثرة ثم حالة الاحتواء السياسي والاقتصادي التي تسعى إليه الولايات المتحدة الأمريكية في علاقتها مع الصين الشعبية والعمل على وقف حالة النمو الاقتصادي واحتواء الأهداف السياسية بعدما تمكنت القيادة الصينية من تسخير مقوماتها الأساسية وحددت لها دوراً مؤثراً في منطقة الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا وكان آخرها الاتفاق السعودي الإيراني.
ومن أبرز القضايا التي بحثت في المؤتمر تسريع التقدم الجماعي نحو التنمية المستدامة ودفع العمل المناخي وتحقيق توازن نحو الاقتصاد العالمي.
ومجموعة العشرين “G20″، هي منتدى دولي تأسس في عام 1999 بعد الأزمة المالية الآسيوية كمنتدى لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية لمناقشة القضايا الاقتصادية والمالية العالمية، قبل أن تتم ترقيتها إلى مستوى رؤساء الدول والحكومات في أعقاب الأزمة المالية العالمية في 2008.
وتضم المجموعة : الأرجنتين وأستراليا والبرازيل وكندا والصين وفرنسا وألمانيا والهند وإندونيسيا وإيطاليا واليابان وجمهورية كوريا والمكسيك وروسيا والمملكة العربية السعودية وجنوب أفريقيا وتركيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي. وخلال اجتماع اليوم تمت دعوة الاتحاد الأفريقي ليكون عضوا دائما في المجموعة.
وتتمثل أهمية مجموعة العشرين في كونها تضم نحو 65% من سكان العالم، وتمثل 84% من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد العالمي، و79% من حجم التجارة العالمية، وفي هذا الإطار فإن دول المجموعة مسؤولة عن نحو 79% من الانبعاثات الكربونية العالمية.
تسعى الهند في استضافتها لاجتماعات المجموعة العشرين إلى تحقيق أهداف سياسية واقتصادية تنموية وأهمها تعزيز النمو الاقتصادي المستدام والحفاظ على سلاسل الثورية العالمية في ظل الاضطرابات الجيو سياسية المتنوعة وتحقيق القيادة والريادة السياسية للهند في معالجة القضايا التي تهم المجتمع الدولي وتعزيز منظومة الأمن الدولي والعمل على إيصال رؤيتها للعالم وتوسيع دائرة الاهتمام الدولي بدول العالم النامي التي أصبح لها دور فعال في حل المشكلات العالمية، كما ترى الهند ان انعقاد المؤتمر فرصة لاستقطاب دعم دولي في نزاعها الحدودي مع الصين بمنطقة ( أكساي تشين) الواقعة ضمن منطقة ( شينجيانغ) الصينية.
وسعت الهند إلى دعوة العديد من المنظمات والهيئات الدولية لحضور القمة 18، واكتملت الدعوات
بوجود (منظمة الأمم المتحدة , صندوق النقد الدولي, البنك الدولي, منظمة الصحة العالمية, منظمة التجارة العالمية, منظمة العمل الدولية, مجلس الاستقرار المالي و منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية) ورؤساء المنظمات الإقليمية (الاتحاد الأفريقي, الوكالة الأسترالية للتنمية في نيباد و رابطة أمم جنوب شرق آسيا), ستدعو الهند ، بصفتها رئاسة مجموعة العشريISA, CDRI و ADB كضيف IOs.
شهد المؤتمر عدة محاور وحوارات اتفقت على تحديد الرؤية العالمية والقاسم المشترك لعديدمن القضايا التي تهم الجميع وتحافظ على مصالحهم وأهدافهم دولياً واقليمياً، ولهذا فقد تمكن رئيس الوزراء الهندي ( ناريندار مودي) وخلال الحديث بين الجميع على تبني اعلان رسمي من المؤتمر بتجنب التنديد بالدور الروسي في أوكرانيا واستخدم عبارة الامتناع عن التهديد او استخدام القوة سعيا للاستيلاء على اراضي وضرورة الالتزام بمبادئ القانون الدولي وسلامة الأراضي والسيادة والقانون الإنساني الدولي والنظام متعدد الأطراف الذي يحمي السلام والاستقرار.
رغم ان الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية كانت ترغب وتسعى لادانة الروس ولكن الدول الأخرى التي حضرت القمة رأت ان من الأهمية الواقعية التركيز على القضايا الاقتصادية والنمو العالمي والتنمية المجتمعية.
ثم التأكيد على أن استخدام الأسلحة النووية او التهديد باستخدامها غير مقبول،
وبغية توسيع فعالية المجموعة واعتماد التعاون الدولي اساس في العلاقات التي تهم الجميع تم منح الاتحاد الافريقي العضوية الدائمة.
والابرزفي اجتماعات القمة كان الحضور العربي الأفريقي منذ تأسيس المجموعة عام 1999، ولهذا جاء اعلان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن توقيع مذكرة تفاهم لمشروع اقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وهو المشروع الذي سيسهم في زيادة حجم التبادلات التجارية بين الهند والشرق الوسط وأوروبا بربط موانئها لتعمل كوحدة مشتركة ومد خطوط أنابيب لتصدير الكهرباء والهيدروجين وضمان أمن الطاقة العالمي ومد كابلات لنقل البيانات وتطوير البنى التحتية وإنشاء سكك حديدية وتوفير فرص عمل طويلة الأمد.
عززت القمة التي شهدت غياب الرئيس الروس فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ، مفهوم غياب القطبية الواحدة ووجود ظاهرة التعددية القطبية، وكان للدور الهندي فعال عندما دفع بهذا الاتجاه مؤكداً ان استضافت بلاده تشكل قوة صاعدة لحركة عدم الانحياز.
يمكن أن نحدد أبرز الأهداف والمعطيات التي توضحت في مداولات ونقاشات قادة قمة العشرين، بأن الجميع سعى الي علاقات متوازنةواتفاقيات مبدئية والحفاظ على التوازن الدولي والمصالح العليا المشتركة وإبعاد الخلاف حول النزاع الروسي الأوكراني ونرى ان هناك تكتل اقتصادي سيظهر قريبا بصيغة تكامل عالمي سيكون جزءاً من التغيير في النظام العالمي الجديد وستخطى دول اسيوية وعربية بمكان لها في هذا التكامل الجديد، كما أن الاعلان عن مشروع الخط السككي والنقل البحري عبر الشرق الأوسط شكل اهتماماً امريكياً كونه رأى فيه انعطافة مهمة ورد على مبادرة الحزام والطريق الصينية وهي المبادرة التي تعني البنية التحتية التي يريد الرئيس الأمريكي جو بايدن مواجهتها، ووجود الهند كمستضيف للقمة يدفعها لتحقيق طموحاتها بأن تكون قطباً رئيسيا اقتصادياً ثم بعد ذلك سياسياً في العالم بعد أن وصل نموها الاقتصادي عام 2022 _2003 إلى 7،2٪ وهي الأسرع نمواً في العالم متجاوزة الصين وفي المرتبة الخامسة عبر التسلسل الخاص بالاقتصاد العالمي ، والهند تريد إبراز قوتها ولا ترغب بأن تكون الصين قوة مهيمنة على آسيا وتريدها متعددة الاقطاب،وهي بسعيها إلى علاقات واسعة مع روسيا إنما تريدالحصول على النفط الروسي بالخصم الكبير المتاح حاليا جراء المواجهة مع أوكرانيا.
تبقى الدول الكبرى اسيرة مصالحها وأهدافها وتطلعاتها المستقبلية بالحفاظ على مواقعها وتسخير إمكانياتها لتحقيق أهدافها وغاياتها.
وحدة الدراسات الدولية
مركز الروابط. للبحوث والدراسات الاستراتيجية