المونديال : من صورة المصافحة إلى صورة المواساة

المونديال : من صورة المصافحة إلى صورة المواساة


معمر فيصل خولي

كانت من وجهة نظري الصورة الافتتاحية لبطولة كأس العالم لكرة القدم أو ” المونديال” في دولة  قطر هي صورة المصافحة التي جمعت بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع نظيره التركي رجب طيب اردوغان، وجاءت هذه المصافحة بعد سنوات من التوتر والقطيعة والتي قد تكون مقدمة لانفراج في علاقة دولتيهما.

 أما الصورة الختامية لمونديال قطر ما رأيناه عبر شاشة التلفاز ومن ثم وثقتها عدسات المصورين لتنتشر بسرعة فائقة في أرجاء المعمورة، حينما قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد خسارة منتخب فرنسا المباراة النهائية لكأس العالم أمام منتخب الأرجنتين، بالنزول إلى  ملعب المباراة  قبل البدء بتوزيع جوائز المونديال، ليواسي لاعبي  المنتخب وفي مقدمتهم اللاعب كيليان مبابي، اللاعب من جانبه نظرا لشدة حزنه لم يكن مكترث بوجوده . فاللاعب لم يهتم كون من يواسيه هو رئيس جمهورية فرنسا، التي دولته هي عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، وعضو في النادي النووي ودولة قائدة للإتحاد الأوربي. ناهيك عن تاريخها الاستعماري البغيض، وزعيمة الدول الناطقة بالفرنسية ” الفرانكفونية” والرئيس من جانبه استوعب مشاعر اللاعب ومضى في طريقه!.

 هذه المواساة لم تكن وليد الصدفة، بل كان يستوجب على فرنسا قطع طريق طويل وشاق للوصول إليها. فهي ليست مجرد صورة للمواساة وليست صورة تلتقط لنجم عالمي في مجال كرة القدم خسر مباراة نهائية، لتحقق أكبر قدر ممكن من المشاهدة، الأمر ليس على هذا  النحو إطلاقا.

فهذا المواطن الفرنسي أي مبابي وغيره من أبناء الطبقة الكادحة والعامة لم يكن شيئا يذكر في أثناء الحكم الملكي الفرنسي، وإنما  كانوا مجرد أرقام لا قيمة لها في النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي  آنذاك. ولو استمر ذلك الحكم الملكي المطلق لما شاهدنا هذا النوع من المواساه.

لكن هذا الأمر اختلف تماما مع قيام الثورة الفرنسية في عام ١٧٨٩م، واعادت الاعتبار للمواطن الفرنسي من خلال تبني نظام سياسي ديمقراطي ترسخ مع المرور الزمن حتى وصلنا إلى تلك الصورة فمبابي من وجهة نظره أن ماكرون رئيس جمهورية فرنسا  وهو منصب تنفيذي رفيع في الدولة الفرنسية، هذه القناعة كانت مبنية على ثقافة سياسية ترسخت أيضا مع مرور الزمن. لذلك لم يشعر بأي رهبة أمامه. وأصبح  مبابي وغيره من المواطنين الفرنسيين هم الذين يقررون من يحكم فرنسا.

لذلك كان محقا ” شو إن لاي”  أول رئيس وزراء لجمهورية الصين الشعبية ” 1949- 1976″ عندما سئل عن أهمية الثورة الفرنسة، أجاب قائلا : ” لم يمض وقت كاف بعد لنعرف ذلك” “! فالصورة هي امتداد لأهمية تلك الثورة. وهي نتاج أيضا لنظام حكم استقر على مبادىء الديمقراطية، فهي صورة من الصعوبة بمكان أن تنتج في نظام حكم آخر. لذلك ليس من الغريب أن تعد الثورة الفرنسية هي من أهم الأحداث السياسية في تاريخ أوروبا الحديث والمعاصر لما أحدثته من تغييرات اقتصادية واجتماعية فيها.

لست معجبا بماكرون كحاكم، لكني أقدر الآلية التي أوصلته للحكم ” الديمقراطية”، وجعلت ذلك الأبيض يواسي لاعب فرنسي من أصول أفريقية، قد يرى البعض أن سلوك ماكرون بعد نهاية المبارة له علاقة بالدعاية السياسية المرتبطة بالاستحقاقات الانتخابية القادمة في فرنسا، وأن صحّه رأيهم، فهذا يُحسب للنظام الديمقراطي التي جعلت مصير أي حاكم مرتبط بصناديق الاقتراع لا غير.

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية