الدعوات إلى الجهاد دفاعاً عن الأقلية المسلمة تثير المخاوف من تشكيل جبهة ثانية من المقاتلين المرتبطين بتنظيم “داعش” في جنوب شرق آسيا، و-بالنسبة للقادة العرب- تثير المخاوف من أن تعيد القضية تنشيط المتشددين وجماعات المعارضة على حد سواء.
* * *
تثير الاحتجاجات التي تدين العنف الذي تمارسه حكومة ميانمار ضد طائفة الروهينجا مشاعر عميقة الجذور في العالم الإسلامي، والتي يمكن أن تؤدي إلى نتائج عكسية على الحكومات وتعمل على تغذية التطرف.
وقد سار آلاف الأشخاص هذا الأسبوع في المدن الإسلامية في جميع أنحاء العالم، بما فيها كوالالمبور وجاكرتا وغروزني، في مسيرات احتجاجية مطالبين بإنهاء ما وصفوه بـ”الإبادة الجماعية” التي تُمارس ضد المسلمين الروهينجا. وكان الغائب بوضوح عن القائمة هو عواصم الشرق الأوسط.
يقول أحد السفراء العرب: “هذه قضية حساسة تستدعي إيجاد حل سريع. تنطوي الاحتجاجات على إمكانية تحولها لتصبح ضد الحكومات التي لا يُنظر إليها على أنها تقف للدفاع عن حقوق المسلمين. كما يمكن أن تؤدي إلى تغذية التطرف. لعل آخر ما نحتاجه هو قيام مواجهة مفتوحة بين المسلمين والبوذيين”.
وكان السفير يكرر تحذيراً جاء في تقرير مستقل صدر عن مجموعة برئاسة كوفي أنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة. وقال التقرير إن ميانمار تعرض خطر تغذية “التطرف” إذا لم ترفع القيود المفروضة على حرية حركة الأقلية الروهينجية ومنحها الحق في المواطنة والحصول على الجنسية.
على هذه الخلفية، وحرصاً منها على رؤية بلدها وهو يأخذ زمام المبادرة في كل من الوقوف ضد اضطهاد المسلمين والحفاظ على التناغم بين الأديان معاً، هرعت وزيرة الخارجية الأندونيسية، ريتنو مارسودي، إلى دكا هذا الأسبوع لتعرض على بنغلاديش المساعدة على استيعاب حوالي 150 ألفاً من أفراد الروهينجا الذين فروا من العنف. ومن ناحية أخرى، منعت الشرطة الإندونيسية محتجين من تنظيم تجمع احتجاجي في معبد بوروبودور البوذي في وسط جاوا.
وبالمثل، اتهم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وهو رجل معروف بعدم التنميق في كلماته، ميانمار بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، وتعهد بإرسال ألف طن من المواد الغذائية والأدوية والملابس إلى منطقة راخين الشمالية الغربية المنكوبة في البلاد. وقال أردوغان إنه سيأخذ قضية الروهينجا إلى مجلس الأمن الدولي، بالتشاور مع الدول الإسلامية الأخرى.
كما تقرر أن يزور وزير الخارجية التركي، ميفلوت كافوس أوغلو، ترافقه زوجة أردوغان وابنه، منطقة الحدود بين ميانمار وبنغلاديش، وقد وعد بأن تقدم تركيا أيضاً سيارات إسعاف ومعدات أخرى.
وقال كاوفوس أوغلو: “كنتُ قد ذهبت إلى راخين قبل عامين أيضاً، وهم يعيشون حرفياً في سجون مفتوحة مغطاة بالوحل. من غير المقبول أن يعيش الناس في ظل هذه الظروف في هذا اليوم وهذا العصر”.
لكن الذي يقود الجهود الأندونيسية والتركية هو شيء أكثر من التعاطف مع المسلمين الآخرين والرحمة الإنسانية.
يخشى كل من أردوغان ومارسودي من احتمال أن تعزز العواطف عميقة الجذور التي أثارتها قضية الروهينجا القوى الإسلامية المتطرفة، فضلاً عن القوى الإسلامية الأكثر نشاطاً التي كانت تكتسب الأرضية في حين يستجيب “داعش” للانتكاسات التي يعاني منها في سورية والعراق من خلال توسيع نطاق العمليات إلى ما وراء الشرق الأوسط.
وفي هذا الإطار، دعت جبهة المدافعين الإسلامية الأندونيسية المتشددة المتطوعين فعلياً إلى المشاركة في الجهاد في ميانمار ذات الأغلبية البوذية من أجل الدفاع عن الروهينجا، مما أثار شبح شق المقاتلين الأجانب طريقهم إلى البلاد. وسوف يؤدي نشوء حركة تمرد مسلحة في ولاية راخين إلى فتح جبهة ثانية ضد الجهاديين في جنوب شرق آسيا؛ حيث تقاتل القوات الفلبينية منذ أيار (مايو) الماضي ضد مجموعة “موت” التابعة لتنظيم “داعش”في مدينة مراوي الجنوبية.
وتدعم دعوة جبهة المدافعين الأندونيسية فتاوى أصدرها علماء مسلمون في العام الماضي في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وبنغلاديش والهند، وكذلك المفتي زيابور رحمن، وهو رجل دين من الروهينجيا يقيم في راخين. وقال هؤلاء العلماء إن مقاومة القوى المناهضة للإسلام مشروعة.
تجدر الإشارة إلى أن الذي أشعل شرارة الحملة الأخيرة التى تشنها حكومة ميانمار كان هجمات شنتها على مراكز الشرطة في أواخر آب (أغسطس) حركة جيش أراخان لخلاص الروهينجا، وهي جماعة يعتقد أن لقادتها جذوراً في الخليج العربي، وتم تدريبهم في باكستان، واكتسبوا الخبرة في أفغانستان. وتصر حركة جيش أراخان على أنه ليس لها أي علاقة بمتشددين من خارج ولاية راخين. ومع ذلك، يعتقد أن المجموعة تتلقى التمويل من مانحين أثرياء في الخليج.
وفي ما ينطوي على مفارقة، تخشى الحكومات العربية من أن يؤدي التطرف في ميانمار إلى إذكاء المشاعر في الشرق الأوسط وإعطاء طاقة جديدة للمتشددين وجماعات المعارضة على حد سواء. ويشكل هذا الخوف الجانب الآخر من المخاوف من أنه بينما اكتسبت الحملة ضد “داعش” في سورية والعراق زخماً، فإن المقاتلين الأجانب سيسعون إلى ارتياد أراضٍ جديدة في جنوب شرق آسيا.
قبل الثورات العربية الشعبية في العام 2011، شكلت الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الشرق الأوسط لعشرات السنين أحد صمامات الإطلاق القليلة لتنفيس الغضب والإحباط. وقد أغلق هذا الصمام إلى حد كبير بسبب زيادة القمع في أعقاب هذه الثورات، فضلاً عن التأثير المثبط للعنف في سورية والعراق، والذي أقنع الكثيرين بالتخلي عن التحدي العلني لحكامهم.
لكن بعض المسؤولين العرب يخشون من أن نزاعاً مطولاً في ولاية راخين؛ حيث يقتصر القادة المسلمون على الاحتجاجات اللفظية بدلاً من اتخاذ موقف قوي، يمكن أن يكون وسيلة للتعبئة التي تجد الحكومات صعوبة في قمعها.
ويحتمل كثيراً أن تكون هذه المخاوف هي ما يدفع الحكومات الإسلامية إلى اتباع خطى إندونيسيا وتركيا واتخاذ إجراءات أكثر حزماً للضغط على ميانمار -وليس فقط لإنهاء العنف، وإنما للسعي إلى إيجاد حل أكثر ديمومة لمشكلة الروهينجا.
جيمسي دورسي
صحيفة الغد