عام ثان يمر، لا شيء يتغير في مخيمات أقلية الروهينغا في مدينة كوكس بازار في بنغلاديش سوى أن جوانبها تتسع وتتمدد، رغم أنها تضيق على ساكنيها الذين زادت أعدادهم وتشابكت فصول مأساتهم.
يشهد المجتمع الدولي على وجود أكثر من 1.2 مليون لاجئ من أقلية الروهينغا في مخيمات اللجوء على الحدود بين ميانمار وبنغلاديش، لكنه لا يحرك ساكنا لإيجاد الحلول ومحاسبة المتسببين في واحدة من مآسي العصر.
تقول بيانات منظمات حقوق الإنسان الدولية إن جيش ميانمار ومليشيات بوذية متطرفة ارتكبت في عام 2017 مجازر إبادة وحشية بحق الروهينغا في ولاية أراكان غربي ميانمار، وإنها أحرقت مئات القرى وقتلت الآلاف ومارست العنف الجنسي والاغتصاب بحق آلاف النساء، مما أدى إلى هروب جماعي نحو بنغلاديش المجاورة.
وذكر محققون من الأمم المتحدة أن العملية العسكرية في ميانمار تضمنت عمليات قتل واغتصاب جماعي وحرق متعمد، وكانت “بنية الإبادة الجماعية”.
ورغم مرور عامين على تلك المجازر، فإن المأساة الإنسانية التي تشهدها مخيمات اللاجئين الروهينغا تتفاقم، في ظل دولة فقيرة عاجزة عن احتوائهم واستيعابهم بمواردها الاقتصادية الضئيلة.
إعادة قسرية
تتخذ حكومة ميانمار من أوضاع اللاجئين ذريعة للمطالب بعودتهم ولو قسرا إلى مناطقهم، وتم إعداد خطط لترتيب إجراءات العودة، رغم أن حقوقيين انتقدوا هذه الخطط، وقالوا إن ظروف عودة هؤلاء اللاجئين محفوفة بالمخاطر.
وافقت حكومتا بنغلاديش وميانمار على خطة لإعادة لاجئي الروهينغا، وأعلن الجانبان الشروع في تفعيل خطتهما بدءا من منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2018، لكن هذه الخطط لم يكتب لها النجاح حتى الآن.
وعاودت ميانمار الكرة مرة أخرى، وقررت في 22 أغسطس/آب الماضي بدء عملية إعادة الروهينغا، لكنها فشلت للمرة الثانية، ويوم الخميس الماضي قال مفوض الإغاثة وترحيل اللاجئين في بنغلاديش أبو الكلام آزاد إن مسلمي الروهينغا اللاجئين في بلاده يرفضون العودة إلى ميانمار بعد فرارهم من الممارسات الظالمة التي تعرضوا لها هناك.
لكن حكومة بنغلاديش لا يبدو أنها تعرض تلك العودة، وقد ضاقت ذرعا باللاجئين وترى فيهم عبئا يثقل كاهلها، بل باتت تمارس نوعا من القسوة في التعامل مع مَن يرفضون العودة، واحتجزت عددا ممن وردت أسماؤهم بالقائمة الأولى، ومنعت عنهم الطعام وحظرت عليهم الحركة إلى حين بدء عملية الإعادة بالتنسيق مع الجهات المعنية في ميانمار.
عودة دونها الموت
قبل أشهر قليلة، أشاع الحديث عن عمليات إعادة قسرية للاجئين إلى ميانمار حالة ذعر بين سكان المخيمات، ولجأت أسر كثيرة إلى الفرار منها خشية أن تتم إعادتهم بالقوة.
وبث نشطاء روهينغيون مقاطع فيديو على وسائل التواصل يتحدث فيها كثير من اللاجئين ويقولون إنهم خرجوا من مخيماتهم ولا يدرون أين يذهبون، “لكنهم سيواصلون المسير حيثما أبصرت عيونهم”.
ودعا كثير من اللاجئين إلى قتلهم في بنغلاديش قبل إعادتهم قسريا، وقالوا “اقتلونا هنا.. أطلقوا علينا الرصاص أو ادعسونا بالشاحنات، فذلك أفضل لنا من العودة إلى أماكن قتل فيها أبناؤنا وإخواننا وآباؤنا”.
وهدد لاجئون بشرب السم والانتحار إذا تم إجبارهم على العودة، وقالت إحداهن “بأي صفة تريدون إرجاعنا إلى هناك؟ لقد قتلت قوات ميانمار ابني وزوجته وقتلوا أخي.. يمكنكم أن تجمعونا هنا وتبيدونا فهو الأفضل لنا”.
كما تظاهر اللاجئون في بنغلاديش عدة مرات مطالبين بإعادة الحقوق والتوقيع على ضمانات بعدم التعرض لهم مرة أخرى، وأن تكون العودة بحضور وفد أممي يرافق ويدقق في عملية العودة.
شروط العودة
قبل أيام، حاولت بنغلاديش بالتعاون مع كالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، بدء إعادة نحو 3500 من مسلمي الروهينغا إلى وطنهم، لكن لم يوافق أي من الروهينغا على العودة؛ بسبب الخوف على سلامتهم وانعدام الثقة في ميانمار.
وأمام هذه المحاولات، حدد المرصد الروهينغي لحقوق الإنسان أربعة مطالب قبل التفكير في إعادة اللاجئين إلى ميانمار، “وفقا لمبادئ حقوق الإنسان التي كفلتها الدساتير والأعراف الدولية للإنسان”.
وفي مقدمة هذه المطالب التي أعلنها المرصد في بيان: الاعتراف بعرقية الروهينغا كعرقية أصيلة، وإعادة حق المواطنة إليهم الذي سلب منهم عام 1982، وضمان الحقوق المدنية والإنسانية لجميع الروهينغيين في ميانمار بإشراف من الأمم المتحدة، إضافة إلى ضمان أمنهم وحمايتهم من التمييز العنصري والديني وإعادتهم إلى مناطقهم الأصلية.
وأخيرا محاسبة الضالعين في جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي من قيادات الجيش. وشدد المرصد الحقوقي على أن الواقع المرير للروهينغا لا يزال قائما حتى هذه الساعة.
يشار إلى أن حكومة ميانمار تعتبر الروهينغا مهاجرين غير نظاميين من بنغلاديش، فيما تصنفهم الأمم المتحدة الأقلية الأكثر اضطهادا في العالم.
الجزيرة