في إشارة نادرة إلى إشراك الإسلاميين في أفغانستان، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في 21 أغسطس الماضي، أن إدارته الجديدة مستعدة لإجراء محادثات مع “بعض عناصر حركة طالبان”.
يعتبر موقف ترامب، وخطابه أمرين غير اعتياديين، مقارنة بخطاباته الشعبوية التحريضية التي اعتادها، حتى أن مستشاره لشؤون مكافحة الإرهاب، سيباستيان غوركا، انتقده لعدم ذكر عبارة “الإرهابيين الإسلاميين الراديكاليين” بشأن أفغانستان، فأُقيل بعدها بأيام.
وفي اليوم التالي من تصريح ترامب بخصوص التواصل مع “عناصر من طالبان”، عزّز كبيرا المسؤولين الأميركيين في أفغانستان، الجنرال جون نيكولسون، قائد القوات الأميركية في البلاد، والمبعوث الخاص هناك، هوغو لورينز، فكرة التحاور مع الحركة المتشددة، وقالا إن “الوقت قد حان لأميركا لإجراء محادثات مع طالبان وإنهاء 16 عاما من الحرب”.
تشي مثل هذه التصريحات بأن ترامب يحاول، أن يجعل إدارة البيت الأبيض تسير تلقائيا كما لو كانت أميركا على وضع “الطيار الآلي”، وترك السيطرة إلى المؤسسة الأميركية على نحو فعال.
ففي العراق، تم تصميم سياسة “التأسيس” الأميركية من قبل الجنرالات في المقام الأول، وانصبت على التحدث مع عناصر “معتدلة” في القاعدة هناك؛ لفصلهم بعيدا عن الراديكاليين، وزيادة عدد القوات الأميركية لمساعدة المعتدلين على ضربهم.
وكانت سياسة زيادة حجم القوات الأميركية في العراق، آتت ثمارها بداية في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، لكنه تخلى قبل الأوان عن حلفائه السنة وسمح لمنافسيهم الشيعة بالصعود على حسابهم، وبعدها خسر معظم ما حققته هذه الاستراتيجية. كما أنه في ظل خلافه مع إيران ورفضها لدعم العراقيين السنة، انتهى به المطاف إلى الفشل.
وفي 2010، استنسخ أوباما التجربة العراقية في أفغانستان، ونجحت لفترة ما، وعلى الرغم من ذلك ومع مرور الوقت بدأت القوات الأميركية بالانسحاب.
ومن منطلق الطبيعة الممزقة للسياسة الأفغانية، تراجعت المكاسب التي تحقّقت من وراء زيادة القوات، وأخذت سلطة الرئيس الأفغاني أشرف غني، تنحسر؛ فبدلا من أن تمتد لتشمل السيادة على كل البلاد، بات وكأنه مجرّد رئيس بلدية للعاصمة كابل.
ومع إدراك أن الطبيعة القبلية والمنقسمة للشعب الأفغاني تجعل جمع شمل أفغانستان كأمة واحدة وتسليم المسؤولية إلى حكومة مركزية ومن ثم المغادرة، أمرا شبه مستحيل، خرج الجنرالات الأميركيون بإستراتيجية جديدة “السلام مع الإسلاميين”.
بداية كانت هذه فكرة السيناتور باراك أوباما، عندما كان مرشحا للرئاسة في 2008، حين سأل كبار المسؤولين الأميركيين في العراق (الجنرال ديفيد بتريوس والسفير ريان كروكر) خلال جلسة استماع بمجلس الشيوخ عن الوقت الذي ستحتاجه الولايات المتحدة، ليس لإعادة إعمار العراق أو إرساء الديمقراطية فيه، ولكن لخروج يحفظ ماء وجهها.
واليوم في أفغانستان، يتم استنساخ السياسة التي تم اتباعها مع العراق في 2009، بإمكانية التحدث مع الإسلاميين، منذ أن أصبح إرسال المزيد من القوات الأميركية إلى الخارج مكلفا سياسيا. وبالتالي، فإن الولايات المتحدة الآن لا تمانع في وجود إمارة طالبان بحكم الأمر الواقع، طالما أنها لا توفر ملاذا آمنا للمسلحين ضد الغرب.
ويدفع هذا إلى التساؤل: إذا كانت الولايات المتحدة تفكر في التواصل مع طالبان، عدوها اللدود منذ فترة طويلة، فيمكنها أن تفكر أيضا في التواصل مع جماعة فتح الشام والفصائل الإسلامية الأخرى التي لا تنضوي تحت راية تنظيم الدولة الإسلامية أو “تعارضه” بينما توالي تنظيم القاعدة؟
صحيفة العرب اللندنية