بيروت – أثارت تصريحات الرئيس ميشال عون على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك ضجة كبيرة في الأوساط السياسية اللبنانية، خاصة لجهة دفاعه المستميت عن حزب الله وسلاحه، متجاهلا في ذلك مواقف المجتمع الدولي من الحزب التي تعتبره ميليشيا عابرة للحدود.
وفي حوار مطول له مع موقع المونيتور الأميركي شدد عون على أن “دور حزب الله مستمرّ طالما هناك تهديداتٌ تستهدف لبنان”، مشيرا إلى أن “أي حل لمشكلة حزب الله يجب أن يأتي كجزء من حل أوسع للأزمات التي تعاني منها المنطقة”.
وقال الرئيس اللبناني إن “حزب الله منظمة لبنانية تأسست عام 1985، لتحرير أراضينا من الاحتلال الإسرائيلي، وفي عام 2000، انسحبت إسرائيل من لبنان، ونحن وقتها اعتقدنا أن عمل حزب الله قد انتهى. وفي عام 2006، التقيت بالأمين العام للحزب حسن نصرالله ووقعنا مذكرة تفاهم حول كيفية نزع سلاحه، ولكن في صيف 2006 هاجمتنا إسرائيل مرة أخرى”، مشددا على أنه “لا يمكننا أن نقول لحزب الله علينا أن نفكك منظمتكم، لأن إسرائيل تستفز لبنان وتهاجمه”.
ولفت إلى أنه “مؤخرا خرقت الطائرات الإسرائيلية المجال الجوي اللبناني وقصفت الأراضي السورية، كما قامت بخرق جدار الصوت فوق مدينة صيدا مما أدى إلى وقوع أضرار مادية”، مشيرا إلى أن “حزب الله أصبح عنصرا من عناصر الأزمة الإقليمية. وإذا أردنا حل مشكلة حزب الله، فسيكون ذلك في إطار حل عام لأزمة الشرق الأوسط، وخاصة في سوريا”.
وهذه ليست المرة الأولى التي يدافع فيها الرئيس ميشال عون عن حزب الله وسلاحه، فسبق أن قام بذلك خلال زيارة إلى مصر في فبراير الماضي وذلك في بداية مشواره في سدة الرئاسة حينما قال “إن سلاح الحزب ضروري، طالما أن الجيش ليس بالقوة الكافية”، لحماية لبنان.
وترى أوساط سياسية لبنانية أن عون الذي يقيم حزبه التيار الوطني الحر تحالفا استراتيجيا مع حزب الله ينظر إلى كرسي الرئاسة من منطلق ضيق، يعكس رؤى وأفكار حزبه وليس من منطلق أنه رئيس لكل اللبنانيين.
وتضيف هذه الأوساط أن عون كان الأجدى به التركيز على التحديات التي يتعرض لها لبنان بدل الدخول في مسائل خلافية ليس فقط على الصعيد اللبناني بل وحتى الدولي.
ويذكر أن حضور عون في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة كان باهتا، حيث لم تكن له لقاءات مهمة مع رؤساء دول، كماهو الحال بالنسبة لوفده، ما دفع البعض للاعتقاد بأن الرئيس تجنب لقاءات قد تستفز حليفه حزب الله.
ووجه مناوئو حزب الله في لبنان انتقادات لاذعة للرئيس عون، مع أن معظمهم كان يتوقع أن يطلق مثل هذه المواقف.
أشرف ريفي: هل اعتمدت (عون) على التكليف الشرعي لتغطي سلاح حزب الله
وقال وزير العدل اللبناني السابق أشرف ريفي في تغريدة على “تويتر”، نشرها الجمعة “أتوجه لرئيس الجمهورية ميشال عون بالقول: نصرالله يقاتل بالتكليف الشرعي، فيما لا يوجد تكليف دستوري بوجود جيشين في لبنان. هل اعتمدتَ على التكليف الشرعي لتغطي السلاح؟”.
ولفت ريفي إلى أنه “ليس جديدا موقف عون من سلاح حزب الله لكن السؤال متى ينتهي دفع الفواتير من حساب لبنان ومؤسساته الدستورية للسلاح المصنَّف إرهابيا؟”.
وأضاف”يتوهم الرئيس عون أنه يعطي الغطاء الشرعي للسلاح فيما المجتمع الدولي لا ينظر باحترام إلى السلطة، ولبنان يتجه إلى العزلة ويدفع الثمن”، مشددا “سنواجه من يهدد سيادة لبنان”.
ويرى مراقبون أن تصريحات عون قد تكون لها تأثيرات سلبية على دعم لبنان، حيث أن المجتمع الدولي لن يقبل الاستمرار في دعم نظام يحتضن تنظيما إرهابيا، كما لن يقيم وزنا للتداعيات التي ستفرزها التسويات المنتظرة للأزمات في المنطقة وخاصة الأزمة السورية، على هذا البلد.
وربما هذا ما دفع مؤسسة الرئاسة إلى نشر توضيح الجمعة قالت فيه إن جزءا من حوار عون كان غير دقيق وحرف عن مساره.
ويبدو أن الخطوات والمواقف اللبنانية المثيرة في الجمعية العمومية للأمم المتحدة لم تقف عند الرئيس عون، حيث كان لوزير الخارجية جبران باسيل (صهر عون) نصيب منها حينما أجرى على هامش الملتقى الدولي لقاء غير منتظر مع نظيره السوري وليد المعلم.
وأعرب جبران باسيل، الذي يتولى أيضا رئاسة التيار الوطني الحر خلفا لميشال عون، عن أهمية العلاقات بين لبنان وسوريا والتنسيق المشترك بينهما في مختلف المجالات.
وأكد الوزير اللبناني خلال اللقاء على أن التطورات الإيجابية التي تشهدها الساحة السورية في محاربة الإرهاب “ستضطر أولئك الذين يتخذون موقفا سلبيا من سوريا إلى التراجع عن هذا الموقف، والمساهمة في إعادة إعمارها”.
ويعتقد مراقبون أن هذا اللقاء بالتأكيد سيلقي بالمزيد من الظلال القاتمة على الحكومة اللبنانية، خاصة وأنه كان هناك تعهد بضرورة الحفاظ على الحد الأدنى من التوافق بالابتعاد عن أي خطوة هي محل خلاف بين الأقطاب المشكلة لحكومة سعد الحريري.
وتزامن اللقاء مع تعالي أصوات البعض حيال ضرورة إعادة حوالي مليون ونصف المليون نازح سوري إلى بلادهم، رافعين فزاعة “التوطين”.
وتصدر جوقة المطالبين بإيجاد حل سريع لإعادة النازحين إلى ديارهم التيار الوطني الحر، الذي اتخذ من خطاب ألقاه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مستهل اجتماعات الجمعية العمومية ذريعة لإطلاق صيحة الفزع هذه.
وجدير بالذكر أن ترامب لم يشر في خطابه إلى مسألة توطين السوريين في دول الجوار بل كان كلامه واضحا حينما قال “لا بد من دعم اللاجئين والدول المضيفة إلى حين توفر الظروف الملائمة لعودتهم إلى بلادهم”، إلا أن التيار الوطني الحر وبعض الأصوات المقربة من حزب الله أوّلت هذا التصريح لجهة أن الولايات المتحدة تدفع باتجاه توطين السوريين في لبنان.
ويرى مراقبون أن التيار الوطني الحر مستمر في رهانه على تحالفه مع حزب الله لتحقيق مكاسب سياسية، حيث أنه يعتقد أنه الطرف الأقوى الآن في المعادلة اللبنانية وربما حتى الإقليمية.
ويشارك الحر حزب الله في ضرورة إعادة تطبيع العلاقات بين بيروت ودمشق، وربما يجد في مسألة النازحين البوابة المثلى لتحقيق هذا الهدف.
ويقول متابعون إن التيار الوطني الحر بالتأكيد لديه هواجس من مسألة توطين السوريين لأن ذلك سينعكس سلبا على الوضع الطائفي داخل هذا البلد، ولكنه أيضا يتخندق خلف مشروع حزب الله باعتباره حصان طروادة الذي سيساعده في تكريس نفسه كرقم صعب في المعادلة السياسية بلبنان يصعب تجاوزه
العرب اللندنية