تونس – يرى اقتصاديون في تفاؤل الحكومة التونسية بشأن انتقال اقتصاد البلاد إلى المنطقة الآمنة في غضون عامين أو ثلاثة أعوام أمرا شبه مستحيل، في ظل مؤشرات النمو الحالية، والتي ستظهر انعكاساتها على موازنة العام المقبل.
وتعكف الحكومة على إعداد موازنة 2018 وسط مؤشرات متذبذبة، فبالرغم من تسجيل نمو إيجابي في الربع الثاني من هذا العام فإن قيمة الدينار أمام العملات الرئيسية تدهورت بشكل أكبر في أغسطس الماضي.
وما يزيد قلق الأوساط الاقتصادية هو الارتفاع الكبير في حجم الدين العام الذي بلغ نحو 66.9 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وكلها عوامل تؤكد أن العام المقبل سيكون صعبا.
ويشدد الخبراء على أنه من الضروري التفكير في حلول أخرى غير التقليدية لإنعاش الاقتصاد المحلي وموازنة الدولة.
وفي حين لم تصدر حتى اليوم أي أرقام رسمية حول الموازنة الجديدة، اكتفى رئيس الحكومة يوسف الشاهد بالتأكيد أن “هدف الحكومة هو وصول المؤشرات الاقتصادية بنهاية 2019 إلى اللون الأخضر”.
وأوضح خلال جلسة منح الثقة لحكومته الجديدة في الـ11 من سبتمبر الجاري، أن تراكم الصعوبات الاقتصادية لسنوات لا يمكن معالجته في فترة قصيرة.
ويقول الاستشاري في الاستثمار محمد الصادق جبنون إن نسبة النمو لم تصل إلى المستويات المستهدفة، إذ بقيت تراوح 2 بالمئة، وفي الربع الثاني بلغت 1.9 بالمئة وهذه النسب كلها لا تحقق التنمية المنشودة.
ولفت إلى أن قطاعي الزراعة والسياحة لم يبلغا مستوى التعافي التام، وأيضا هناك ضعف نسبي في القطاع الصناعي والاستثمارات الخارجية التي انخفضت بنسبة 18 بالمئة.
وأكد الخبير أن الضغوط المستمرة على الموازنة من خلال تفاقم العجز التجاري الذي تجاوز العشرة مليارات دينار (نحو 4 مليارات دولار) والانحدار المستمر للدينار يزيدان من تعقيدات مهمة وضع ميزانية 2018.
محمد جبنون: تفاقم العجز التجاري وانحدار قيمة الدينار يزيدان من تعقيد مهمة الحكومة
ويتوقع جبنون نمو حجم الأجور رغم الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على خفضها، وذلك بطلب من الاتحاد العام التونسي للشغل لفتح المفاوضات الاجتماعية، وبفعل بعض الزيادات في الأجور التي تمّ الإعلان عنها في بعض أسلاك القطاع العام.
وهناك العديد من التسريبات التي تتحدث عن زيادة محتملة في الضرائب والرسوم الجديدة في عدة قطاعات من بينها القطاعان التكنولوجي والخدماتي، وهو ما سيزيد في تأزيم الوضع الاجتماعي بشكل أكبر.
ويرجح البعض أن تكون الموازنة المقبلة في حدود 36 مليار دينار (نحو 15 مليار دولار)، أي بزيادة مليار دولار عن الموازنة السابقة، بنسبة تداين تناهز 70 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي ونسبة عجز بنحو 6 بالمئة.
وتبني الحكومة الموازنة في العادة على مجموعة من الفرضيات، وهي نسبة النمو الاقتصادي وسعر الصرف وسعر النفط في الأسواق العالمية.
وأكد الخبير الاقتصادي التونسي رضا الشكندالي أن سوء تقدير هذه المؤشرات سينعكس على الموازنة. وقال إن “العام الحالي شهد إخلالات كثيرة منها تراجع نسبة النمو وبينما الحكومة توقعت 2.5 بالمئة هذا العام إلا أن النسبة لم تتجاوز عتبة 1.9 بالمئة”.
ولفت إلى أن الموارد المتأتية من الضرائب تم احتسابها على نسبة النمو المتوقعة، وبالتالي فهي ستنخفض في ظل المؤشرات الراهنة، وهذا سيؤدي آليا إلى ارتفاع العجز وارتفاع نسبة التداين.
كما أن كل خلل على مستوى سعر صرف الدينار وتغير سعر برميل النفط سينعكس مباشرة على قيمة الدعم ويفاقم العجز ويجعل الحكومة تلجأ مرة أخرى إلى الديون.
وأعطى الخبير صورة قاتمة للوضع الاقتصادي للبلاد في ظل التوقعات التي تشير إلى أن قيمة الدينار ستنزلق أكثر مما عليه اليوم، موضحا أن الاستثمارات الخارجية لا تمثل شيئا أمام الاستثمارات الداخلية، وبالتالي لا يمكـن اعتبـارها مـؤشرا للانتعاش.
ووفق الحكومة، فإن هناك بوادر انتعاش خلال الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام حيث ارتفعت الاستثمارات الخارجية بنحو 6.7 بالمئة وفي الزراعة بنحو 68 بالمئة وفي القطاع الصناعي بنحو 22 بالمئة، كما شهد قطاع السياحة نموا بنحو 22 بالمئة، بمقارنة سنوية.
ويقول الشكندالي إن هذه الأرقام تشير إلى أن هناك تأثيرا طفيفا على سوق العمل عبر توفير وظائف موسمية وليس له أثر على المداخيل من العملة الصعبة، باعتبار أن التداول بالنقدي الأجنبي لا يزال معظمه في السوق السوداء.
وكان الشاهد أعلن في وقت سابق أن الأهداف الاستراتيجية الاقتصادية لحكومته في السنوات الثلاث المقبلة، تقوم أساسا على التقليص التدريجي في عجز الموازنة إلى 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2020.
وتهدف الحكومة أيضا إلى تقليص معدل البطالة بنحو 3 بالمئة في السنوات الثلاث المقبلة من نحو 15.3 بالمئة حاليا، وفق بيانات معهد الإحصاء للربع الثاني من 2017.
العرب اللندنية