قفزت أسعار النفط العالمية قبل يومين إلى أعلى مستوياتها منذ أوائل يوليو تموز 2015، اذ صعدت عقود خام القياس العالمي مزيج برنت لأقرب استحقاق 1.70 دولار إلى 63.75 دولار للبرميل ما يعادل 2.7% ، في حين ارتفعت عقود الخام الأمريكي الخفيف 1.26 دولار إلى 56.85 دولار للبرميل ما يعادل 2.23% .
وتواصل الأسعار ارتفاعها للشهر الخامس على التوالي، بصعود نسبته 35 % من أقل مستوى سجلته في منتصف يونيو (حزيران) من العام 2017. واقترب سعر مزيج غرب تكساس من تسجيل أعلى مستوى له هذا العام اذ وصل 56 دولاراً للبرميل، مرتفعاً بواقع 27 % عن الفترة ذاتها العام الماضي .
وهذا الارتفاع يأتي تحقيقا لأهداف منظمة الدول المصدر للنفط (اوبك) بتراجع الإنتاج وتحسين الطلب العالمي و تراجع المخزون ، وتباين إنتاج النفط الصخري وتصاعد المخاطر الجيوسياسية.
واكد تقرير اصدره قسم الأبحاث والدراسات في بنك الكويت الوطني ان خفض الإنتاج بين الدول التابعة لمنظمة أوبك وبعض الدول من خارجها بقيادة روسيا، اسهم في التخفيف من وفرة الإنتاج والمعروض والمخزون في السوق، و لعبت بعض الدول المنتجة مثل السعودية وروسيا دوراً مهماً في التأثير على الرأي العام، حيث قامت بربط التراجع الملحوظ في المخزون التجاري بالجهود التي تقوم بها.
ولفت التقرير الى ان تراجع مخزونات النفط والمنتجات منذ أعلى مستوى لها في يوليو (تموز) 2016 كان بوتيرة بطيئة، اذ تراجع إلى 3.051 مليار برميل في أغسطس (آب) الماضي، أي بنسبة 2.9 % (90 مليون برميل) من أعلى مستوى، والذي بلغ 3.104 مليارات برميل قبل ثلاثة عشر شهراً، ويعد مستوى المخزون في أغسطس بعيداً عن متوسط الخمس سنوات البالغ 2.854 مليار برميل، وذلك بواقع 170 مليون برميل، إلا أن ذلك يعكس زيادة مستوى الهدف (الذي يعد متوسطا متحرّكا).
واكد أمين عام منظمة أوبك محمد باركندو أن تحقيق التوازن في السوق بات قريبا، وأن دول أوبك وخارجها تستحق الإشادة بتحقيق هدفها من خلال نسبة التزام غير مسبوقة، اذ أعلنت أوبك في اجتماع اللجنة الوزارية المشتركة أن الالتزام بالخفض قد بلغ نسبة تاريخية عند 120 % في سبتمبر (أيلول) 2016، مشيرة الى إنتاج المنظمة في سبتمبر بلغ 32.75 مليون برميل يومياً، بزيادة بلغت 90 ألف برميل يومياً عن بيانات أغسطس، وذلك حسب مصادر ثانوية تابعة للمنظمة.
ومن جهة اخرى بيّنت الدول التي وقعت اتفاقية الخفض عن رغبتها في تمديد الخفض حتى نهاية العام المقبل. وستعقد المجموعة اجتماعها في فيينا 30/11/2017 لمناقشة التطورات وبحث مدى إمكانية تمديد فترة الخفض، بالإضافة إلى وضع استراتيجية مناسبة لإنهائها وتجنب عودة الإنتاج بكثرة بعد وقف الاتفاقية، ومن جانب آخر سيستفيد وضع إنتاج النفط الصخري من استمرار الخفض.
وأضافت المصادر إن الانتعاش الذي دام أربعة أشهر يعكس بوضوح أن الأسواق بدأت بالتأقلم، وفي سوق العقود الآجلة، شكل المنحنى العكسي لأسعار برنت الآجلة – الذي يكون سعر التوصيل المتاح فيه أعلى من الأسعار الآجلة لصالح أوبك – دعماً للأسعار المتاحة، وساعد على التقليل من تخزين النفط الخام. ومع تراجع أسعار النفط، يقل دور التحوّط الذي استغلته شركات إنتاج النفط الصخري بشكل فعال للحفاظ على العوائد خلال فترة تدني أسعار النفط. ويجب على أوبك ألّا تتراجع عن التزامها، إذ ان أقل تغير في الالتزام قد يؤدي إلى وفرة بيع في السوق. وقد انتعشت عمليات المضاربة في صناديق التحوط بشكل كبير مع تضاعف مراكز الشراء والبيع. فقد تراكمت مراكز الشراء لمزيج برنت بقيمة لا تقل عن 34 مليار دولار، إذ يعد هذا المستوى تاريخياً، وقد يقل مع أي خطوة غير مناسبة من قبل أوبك».
ويعد تزايد الطلب على النفط من أهم أسباب هذا الارتفاع، اذ بلغ سعر خام القياس العالمي مزيج برنت في العقود الآجلة 60.75 دولار للبرميل بزيادة 13 سنتا أو 0.2 % عن سعر التسوية
وتزيد أسعار العقود الآجلة بسبب قرار منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وبعض المنتجين خارجها ومن بينهم روسيا خفض الإنتاج 1.8 مليون برميل يوميا لتقليص المعروض في السوق، اذ شهد نمو الطلب العالمي قوة غير متوقعة في العام الحالي قد يتجاوز في نهاية العام مستوى الإنتاج بنسبة كبيرة.
وكانت وكالة الطاقة الدولية توقعت نمو الطلب في 2017 بنحو 1.6 مليون برميل يومياً (أي بنسبة نحو 1.6%)، ما يعني أن هناك فارقا بينه وبين نمو الإنتاج العالمي المتوقع بواقع 1.3 مليون برميل، اذا ما ظل الإنتاج عند مستوياته الحالية. وقد يتراجع المخزون بحلول نهاية العام بواقع 130 مليون برميل، ما يساوي 0.4 مليون برميل يومياً.
واكد تقرير صندوق النقد الدولي ، ان زيادة الطلب على النفط، دليل عن تحسن الاقتصاد العالمي، واسهم رفع توقعات نمو الاقتصاد الصيني في دعم مراجعة نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي، حيث تشكل الصين 12 %، من الطلب العالمي على النفط، مع تصدرغاز البترول المسيّل والغازولين والديزل قائمة أكثر المنتجات المكررة تأثيراً على حركة الطلب.
ويتوقع الصندوق أن تختلف الأوضاع في العام 2018، بتجاوز الإنتاج نمو الطلب، وفي السياق ذاته تتوقع الوكالة الدولية للطاقة أن يصل نمو الطلب إلى 1.4 مليون برميل يومياً ونمو إنتاج الدول من خارج أوبك إلى 1.5 مليون برميل يومياً. ومن المتوقع أن تسهم أميركا بشكل كبير في إنتاج الدول من خارج أوبك بنسبة 1.1 مليون برميل يومياً.
ويأتي ذلك بعد الزيادة في العام 2017 التي تبلغ 0.47 مليون برميل يومياً. ويبدو أن إنتاج أميركا بدأ بالتعافي ليعود إلى مستويات ما قبل إعصار هارفي عند ما يقارب 9.5 مليون برميل يومياً.
ومن المحتمل أن يتراجع إنتاج النفط الصخري بداية 2018 مع تناقص عدد حفارات التنقيب منذ يونيو (حزيران) الماضي. إذ تراجع عددها في العشرة أسابيع الماضية. ويوجد في العادة تأخر لفترة ستة أشهر لحين تأقلم الإنتاج مع التغير في بيانات الحفارات.
وإذا جاء نمو إنتاج النفط الصخري في العام 2018 كما تتوقعه وكالة الطاقة الدولية فمن المحتمل أن يتراكم المخزون بدلاً من أن يتراجع، وقد يؤدي ذلك مرة أخرى لتأخير تحقيق التوازن في السوق الذي طالما استهدفته منظمة أوبك، الأمر الذي يفسر رغبة المجموعة بتمديد خفض الإنتاج حتى نهاية العام المقبل.
مخاطر دولية ساعدت على تحسن اسعار النفط
مع استمرار التوترات الجيوسياسية بين السعودية وإيران وفي أعقاب إطلاق جماعة الحوثيين صاروخا باليستيا من اليمن، على العاصمة الرياض، مما اعتبرته السعودية عدوانا عسكريا ومباشرا من النظام الايراني في النزاع باليمن، وامكانية ان يقود هذا التوتر الى حرب جديدة في المنطقة بين ايران والسعودية.
وادت التوترات الجيوسياسية بينهما الى توسع أسعار النفط في مكاسبها لأعلى مستوى في عامين ونصف العام، لان السعودية أكبر مصدر للنفط بالعالم
وهناك مخاوف في الأسواق النفطية تجاه الاستقرار السياسي داخل المملكة، وما تقوم به مكافحة للفساد، والاوضاع في ليبيا فأسهمت بارتفاع الاسعار، بسبب تراجع إنتاجها إلى 900 ألف برميل يوميا، بسبب الاضطرابات الحاصلة في البلاد، بالإضافة الى الاضطرابات المستمرة في فنزويلا العضو في منظمة أوبك، وأكبر احتياطي نفطي في العالم، والذي تناقص إنتاجها إلى ما دون مليوني برميل يومياً.
وكذلك الاوضاع في العراق، إذ أصبحت الأسواق قلقة بشأن تدفق النفط من بغداد، كحل وسط في مواجهة حكومة إقليم كردستان، وذلك بعد أن اجرت الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان، مما أغضب إيران، وتركيا التي هددت بإغلاق خط الأنابيب الرئيسية لنقل النفط الكردي عبر اراضيها للأسواق العالمية (والنفط الفيدرالي العراقي أيضاً من حقول نفط كركوك).
وتشير التقارير إلى تراجع الصادرات عبر أنابيب النفط من حقول العراق الشمالية بواقع 60 % خلال الشهر الماضي، من متوسط 600 ألف برميل يومياً إلى 240 ألف .
وهناك مخاوف في الاسواق العالمية بعد رفض الرئيس الأميركي دونالد ترمب المصادقة على الاتفاق النووي الإيراني المعروف أيضاً باسم «خطة العمل الشاملة المشتركة»، ومنح الكونغرس مهمة اتخاذ القرار في شأن رفض الاتفاق أو إعادة فرض عقوبات اقتصادية على طهران، في شهرين.
ومن ضمن العوامل التي دعمت أسعار النفط، تخفيض شركات الطاقة الأميركية عدد حفارات النفط العاملة، في الوقت الذي توقف فيه تعافي أنشطة الحفر الذي استمر 14 شهراً مع تقليص الشركات لخطط الإنفاق حين هبطت أسعار الخام.
وبالرغم من ذلك أشار المحللون الى أن السياسة النفطية في السعودية لن تتغير، ولكن هذا لم يمنع المخاوف من ان تتسرب إلى المستثمرين مما تسبب في ارتفاع الأسعار.
العلاقة العكسية بين اسعار النفط واسعار الذهب
ان الارتفاع في اسعار النفط العالمية ، ينعكس عكسيا على اسعار الذهب ، اذ سجلت تراجعا للعقود الآجلة للذهب ، وسط ارتفاع مؤشر الدولار الأمريكي لأعلى مستوياته منذ 20 من تموز/يوليو، 2016، ووفقاً للعلاقة العكسية بينهما عقب التطورات والبيانات الاقتصادية وتوجه أنظار المستمرين لحديث عضو اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوح راندال كوارلز ومحافظة بنك الاحتياطي الفيدرالي جانيت يلين.
وشهدت انخفضت العقود الآجلة لأسعار الذهب في كانون الأول/ديسمبر المقبل 0.37% لتتداول حالياً عند 1,276.80$ للأونصة بالمقارنة مع الافتتاحية عند 1,281.60$ للأونصة، وسط ارتفع مؤشر الدولار الأمريكي بنسبة 0.31% إلى مستويات 95.05 مقارنة بالافتتاحية عند 94.76.
وسجل مؤشر فرص العمل وملخص دوران العمالة العالمي استقراراً لشهر أيلول/سبتمبر، عند نحو 6.09 مليون وظيفة دون اي تغيير ،بخلاف التوقعات التي أشارت الى دوران العمالة إلى نحو 5.98 مليون وظيفة بخلاف ذلك.
وتترقب الأسواق المالية حالياً الاحداث، وما يسفر عنه حديث عضو اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوح راندال كوارلز ضمن فعاليات المؤتمر السنوي المقبل لتبادل المعلومات في نيويورك، ويراقب المستثمرين حديث محافظة بنك الاحتياطي الفيدرالي جانيت يلين التي تنقضي ولايتها في شباط/فبراير المقبل عن أخلاقيات العمل الحكومي في واشنطن.
ويؤكد الاحتياطي الفيدرالي تشديد السياسة النقدية ورفع أسعار الفائدة مرة ثالثة هذا العام بحلول اجتماعه في كانون الأول/ديسمبر المقبل بالإضافة إلى توالي تحقيق مؤشرات الأسهم العالمية وعلى رأسها الأمريكية لمستويات قياسية، وهذا يثقل أداء أسعار الذهب مع تحول السيولة للأسواق ذات المخاطر والعائد المرتفع والتخلي عن الملاذات الآمنة.
شذى خليل *
باحثة في الوحدة الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية