ضد الاستفتاء: توحدت السلطة القضائية في العراق وأسبانيا

ضد الاستفتاء: توحدت السلطة القضائية في العراق وأسبانيا

لم تقتصر مواجهة نتائج استفتاء إقليم كردستان وإقليم كتالونيا على الموقف الرافض للسلطة التنفيذية في العراق وأسبانيا، بل اتسعت دائرة الرفض له لتشمل السلطة القضائية في تلك الدولتين، ففي 6 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي قضت المحكمة الاتحادية العليا في العراق بعدم إمكان انفصال أي منطقة أو محافظة عن البلاد، ما يعزز قبضة الحكومة، في وقت تسعى إلى عدم تكرار الاستفتاء الذي أجرته كردستان في 25 أيلول “سبتمبر)” الماضي. وقال ناطق باسم المحكمة إن الحكم جاء استجابة لطلب من الحكومة الاتحادية وضع حد لأي تفسير خطأ للدستور وتأكيد وحدة العراق. وبعد الحكم بقليل حض رئيس الوزراء حيدر العبادي حكومة إقليم كردستان على الالتزام بالحكم. وقال في بيان: «نطالب الإقليم بإعلان واضح يؤكد الالتزام بعدم الانفصال أو الاستقلال عن العراق، بناء على قرار المحكمة الاتحادية». وانسجامً مع “سياسة الارتباط” الرافضة للاستفتاء   ففي 8 تشرين الثاني /نوفمبر الحالي أصدرت المحكمة الدستورية العليا في إسبانيا،حكماً يقضي بإلغاء قرار برلمان إقليم كتالونيا الانفصال عن البلاد، الذي صوّت عليه في 27  تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، عقب استفتاء اعتبرته المحكمة غير شرعي.

ومن الناحية السياسية تضافرت عدة عوامل متشابهة بشكل نسبي ساهمت في إفشال استفتاء كردستان العراق وكتالونيا أسبانيا منها أولاً: رفض حكومة الدولتين اجراء ذلك الاستفتاء ورفض الدول العظمى والكبرى والإقليمية لهما باستثناء الموقف الإسرائيلي نحو كردستان وموقف روسيا من كتالونيا)، فكان من المتعذر جدا تمرير نتائجهما وفرضهما على أنهما أمرًا واقعًا في بيئة متعدة المستويات رافضفة لهما. والتشابه الثاني، ففي الداخل الكردستاني كان وجود رفض داخلي غير معلن من قبل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، هذا الرفض الذي لم يدركه بارزاني ساهم اندفاعه نحو إجراء الاستفتاء ثم تخلى عنه، حين بدأت قوات الحكومة الاتحادية في بغداد وقوات الحشد الشعبي بالتحرّك نحو كركوك المدينة المتنازع عليها بموجب الدستور العراقي لعام 2005م “وهناك طبعاً مواقف تركمان وعرب إقليم كردستان الرافضين للانفصال”، أما في داخل الكتالوني وجود اتجاه مؤيد للوحدة الإسبانية  وقد عبّر عن نفسه بمظاهرة كبرى. وإلى جانب هذين السببين السياسيين الجوهريين فإن الجغرافيا أيضًا، ساهمت بدور كبير في إفشال مشروعي الاستقلال، فإقليم كردستان العراق لا يملك مجالًا بحريّاً وحدوده محاطة بدول معادية تستطيع خنقه فعليّاً، ورغم حظوظ كتالونيا الأفضل جغرافيا كونها تملك مجالًا بحريًا كبيرًا على البحر المتوسط فإن حدودها البرية مع فرنسا وسائر المملكة الأسبانية من شأنها أن تشكّل، لو أغلقت، مانعًا هائلاً أمام وجودها واستمرارها.

 المتابع لتداعيات استفتاء كردستان يتوصل لقناعة مفادها : أن مسعود بارزاني -من حيث يدري أو لا يدري- قدم  خدمة جليلة للعراق تكمن بأنه من الصعوبة بمكان تقسيمه وأن أي محاولة انفصالية مستقبلية سيكون مصيرها الفشل.  كما أن هذه القناعة تشكل خدمة لإيران وتركيا فوحدة العراق تعد من مرتكزات السياسة الخارجية لتلك الدولتين. ومن جانب آخر، وبعد هذا الفشل فأنه من الصعب على أي دولة أو حاكم أو رئيس يجهر بشكل علني بأنه كان مؤيد لاستفتاء إقليم كردستان العراق، الآن وبعد تنحي مسعود بارزاني عن رئاسة الإقليم فهو مرحب به كمواطن عراقي من إقليم كردستان، وإذا رفض ذلك فعليه أن يواجه مصيره.

إن إقليم كإقليم كردستان العراق غير مطل على مجالات بحرية، ومعتمداً على دول أخرى اقتصادياً، ومرتبطاً ببغداد وتركيا وطهران، ومقسماً سياسياً. وسوف تصبح نقاط الضعف واضحة بازدياد مع اكتساب الحكومة الاتحادية في العراق نفوذاً ومصداقية في عموم العراق والدول العربية والشرق أوسطية والدولية،وبينما تستمر النزعة القومية العراقية في النمو في أوساط الجماهير. وتحت هذه الظروف، لا تملك حكومة إقليم كردستان الحالية سوى خيار التفاوض مع الحكومة العراقية ودول الإقليم من أجل الاستدامة، تماماً كما فعلت على مدى عقود. لكن الفارق الآن، بعد إجراء الاستفتاء الكارثي، هو أنها بدلاً من أن تتفاوض من موقف قوة، فقد أصبح على حكومة إقليم كردستان أن تتعامل مع بغداد من موقف الضعف.

وحدة الدراسات العراقية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية