صحيح أنّ تنظيم “الدولة الاسلامية” (داعش) الإرهابي الذي ألحق أضراراً كبيرة بالعالم الإسلامي خلال السنوات الأخيرة، قد فقد أجزاءً كثيرة من الأراضي التي كان يحتلها، غير أنه ما يزال يحافظ على إمكانية إعداد استراتيجيات جديدة عبر آلاف المقاتلين الذين يلتزمون صفوفه حتّى اللحظة.
وفي أواخر عام 2014، وصل تنظيم الدولة “داعش” إلى ذروة قوته عندما استطاع احتلال ثلثي الأراضي السورية، لكن منذ عام 2015، بدأ التنظيم بالانحلال والتفكك وراح يفقد بسرعة الأراضي التي كان يسيطر عليها واحدة تلو الأخرى.
وبعد أن فرض التنظيم حصاراً خانقاً على مدينة عين العرب (كوباني)، خاض داعش اشتباكات مع عناصر “بي كا كا/ ب ي د” المدعومة من قِبل الولايات المتحدة والتحالف الدولي، في شرقي محافظة حلب وشمالي محافظة الرقة.
ومع خسارته لتلك الاشتباكات، اضطر تنظيم الدولة “داعش” للانسحاب من محيط عين العرب والمناطق المجاورة، ومع حلول عام 2016، انحسر التنظيم في شريط ضيّق يمتد من شمالي حلب إلى جنوبي الرقة.
وبعد أن خسر تنظيم داعش أجزاء من المناطق التي كان يسيطر عليها في محافظتي حلب وحمص، بفعل ضربات الروس والنظام السوري، انسحب باتجاه محافظة دير الزور، وفي هذه الأثناء قامت عناصر “ب ي د” بمحاصرة محافظة الرقة التي تعتبر المعقل الرئيسي لتنظيم الدولة الاسلامية “داعش” في سوريا.
وبسبب إفلاس سياسة الاعتماد على المقاتلين الأجانب التي كان التنظيم يعتمد عليها، وتضاؤل الموارد البشرية لديه، لم يتمكن داعش من استعادة المناطق التي خسرها خلال الفترة السابقة، رغم محاولاته المتكررة.
– احتمال محاصرة داعش في صحراء حمص
وكما قال الناطق باسم تنظيم داعش أبو محمد العدناني قبل مقتله بعامين، فإنّ التنظيم ينسحب بسرعة كبيرة في هذه الأونة، إلى المناطق الصحراوية، ففي سوريا يتمركز التنظيم حالياً في ريف الشمال الشرقي لدير الزور، كما يسيطر على مناطق صحرواية في محافظة الأنبار غرب العراق.
وإلى جانب هذه المناطق، فإنّ التنظيم يحافظ على وجوده في المناطق الصحراوية لمحافظة حمص السورية، بعد أن انسحب مؤخراً من مدينة تدمر الأثرية.
وإنّ سيطرة النظام السوري المدعوم من قِبل ميليشيات إرهابية موالية لإيران وسلاح الجو الروسي على مدينة الميادين وتضييق الخناق على البوكمال القريبة من الحدود العراقية، يعزز احتمال خضوع داعش لحصار خانق في صحراء محافظة حمص وسط سوريا.
ومن الطبيعي أن يفكر التنظيم بالانسحاب من صحراء حمص، إذا كان الحصار أمراً محتّماً، لا سيما أنّ داعش يُبقي على خلاياه في المناطق التي ينسحب منها، ويطلب من تلك الخلايا لاحقاً القيام بعمليات عسكرية خاطفة ومفاجئة.
ومن بين المناطق التي يسيطر عليها داعش في سوريا والعراق، هناك منطقتين تستحوذان على أهمية بالغة تخضع حالياً لسيطرة التنظيم، وهما مخيم اليرموك في العاصمة دمشق، وبلدات واقعة غربي محافظة درعا الجنوبية، والتي تعتبر قريبة جداً من الحدود الإسرائيلية.
أمّا أهمية التواجد في مخيم اليرموك بالنسبة للتنظيم، فيأتي من قربه من النظام السوري، ويعقد معه اتفاقات بين الحين والأخر لمهاجمة قوات المعارضة السورية، بينما استراتيجية التنظيم من التواجد في درعا، هي إحكام السيطرة على الطريق البري الرابط بين مركز المدينة والمناطق الحدودية، ولتحقيق هذا الهدف، خاض داعش مرات عدة اشتباكات مع قوات المعارضة السورية.
ونتيجة لكل هذه التطورات فمن المحتمل أن يلجأ داعش الإرهابي إلى أسلوب تحريك خلاياه النائمة في المناطق التي انسحب منها، ليضرب من خلالهم قوات النظام والمعارضة السوريين.
بالمقابل يحاول الغرب حالياً إعداد استراتيجيات لإنهاء عناصر داعش في أماكن تواجدهم داخل سوريا والعراق، وذلك خشية عودتهم مجدداً إلى البلدان التي جاؤوا منها، لا سيما أنّ روسيا والعديد من الدول الغربية غضّوا الطرف عن مجيئ هؤلاء الإرهابيين إلى سوريا والعراق خلال السنوات السابقة.
ومن اللافت للنظر أنّ بعض الدول التي تدّعي محاربة تنظيم داعش وخاصة روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، تتعمد في الأونة الأخيرة التكتّم على أنباء مقتل أو اعتقال المقاتلين الأجانب الذين كانوا يحاربون ضمن صفوف التنظيم في سوريا العراق.
وبعد تضييق الخناق على داعش في سوريا والعراق خلال الفترة الأخيرة، فإن هناك مؤشرات توحي بأنّ التنظيم يوجّه سهامه نحو دولة عربية جديدة، ومن المحتمل أن تكون تلك الدول، هي الواقعة جنوبي سوريا.
وإلى الأن لم يُعرف عدد عناصر تنظيم الدولة الذين عبروا الحدود السورية والعراقية إلى البلدان المجاورة، مستفيدين من معرفتهم للغة العربية ومستغلين صفة اللجوء.
وفي ظل تلك المؤشرات، فإنّ كلا من المملكة العربية السعودية والأدرن، تعتبران من الدول التي تقع تحت خطر احتمال تسلل عناصر التنظيم إليهما.
صحيفة القدس العربي