الاشتباك الذي جرى بسيناء بين فصيلين أحدهما ينتمي للقاعدة والآخر لداعش حمل العديد من الدلالات أهمها المتعلق بعودة القاعدة لاسترداد ما استحوذ عليه داعش من حضور رمزي في المشهد الجهادي، بما يشي ببداية صراع ساخن على النفوذ بين التنظيمين على طول خريطة نشاطهما خاصة في البلدان العربية.
ويسعى تنظيم القاعدة بشكل عام إلى استعادة النفوذ في أفريقيا، وهو ما دلت عليه الخطوات التي اتخذتها القيادة المركزية الحالية للتنظيم بقيادة الجهادي الجزائري مختار بلمختار عندما دمج عدة تنظيمات موالية للقاعدة الأمّ تحت عنوان جامع وهو “أنصار الإسلام والمسلمين” في شهر مارس الماضي.
ودل ظهور تنظيم “جند الإسلام” الموالي للقاعدة بسيناء وإعلانه تبني الهجوم على أعضاء بتنظيم ولاية سيناء التابع لداعش، خاصة بعد عملية الواحات الأخيرة التي حملت توقيع القاعدة، على أن هناك قيادة مركزية مخططة توزع الأدوار وتحرك الخيوط بهذا التناغم.
ويهدف القاعدة لبسط نفوذه على تلك المساحات الواسعة من غرب القارة وحتى الحدود الشرقية لمصر، وهو ما ألمح إليه بلمختار في أحد بياناته كونه يسعى لاستعادة السيطرة القاعدية على المجال الجهادي من “المحيط إلى النيل”.
ورصد مراقبون ارتباط التطورات على الساحة “الجهادية” المصرية بأوضاع وصراعات التنظيمات في ليبيا، خاصة ما هو متعلق بالتنافس هناك بين داعش والقاعدة، ويسعى تنظيم القاعدة إلى نجاح دخوله عبر خسارة داعش لمناطقه في ليبيا وتكرار السيناريو ذاته في مصر.
ولا تخلو تحركاته من نزعات ثأرية تجاه داعش، حيث ظل قادة القاعدة إلى وقت قريب، وعلى رأسهم هشام العشماوي (ملهم القاعدة) بمصر وقائد تنظيم المرابطين مهدور الدم وملاحقا من تنظيم الدولة الذي وصفه في أكثر من بيان مصور بأنه من “صحوات الردة في درنة”.
قادة سابقون بتنظيم الجهاد يؤكدون أن الصراع بين التنظيمين كان محتما وتأجل لحين تهيئة مناخاته وظروفه
وأكد قادة سابقون بتنظيم الجهاد أن الصراع بين التنظيمين كان محتمًا، وتأجّل لحين تهيئة مناخاته وظروفه، ورأوا أن ضعف تنظيم ولاية سيناء والضعف العام الطارئ على داعش في المركز والفروع فتح الساحة لعودة القاعدة للعمل بهذا التوسع وتلك الجرأة.
وظل تنظيم “جند الإسلام” بجانب البعض من خلايا القاعدة المبعثرة لأكثر من عامين شبه مجمد النشاط بعدما منع تنظيم ولاية سيناء عمل الجهاديين إلا من خلاله وعبر قنواته وتحت رايته.
وقال القيادي الإسلامي السابق محيي عيسى إن تنظيم القاعدة ينتهز فرصة هزائم داعش الميدانية وانحسار جاذبيته الأيديولوجية لدى الجهاديين وسخط السكان المحليين في سياق استراتيجية استرداده لقوته وحضوره.
وأوضح لـ “العرب” أن تنظيم القاعدة يحاول حصار داعش بجعله في مواجهة ثلاثة أطراف وهي الجيش والسكان المحليين علاوة على القاعدة نفسه، مشددًا على أن القاعدة كان قد عانى في السنوات الأخيرة من حصار داعش له في مواجهته علاوة على مواجهة الجيش والأجهزة الأمنية.
ويسعى القاعدة لاستيعاب واحتواء المنشقين عن داعش وبناء ذاته وسط ظهير سكاني يسعى لنيل دعمه عبر خطاب أقل تطرفًا حيال المدنيين، وقد عزم على اللعب بورقة تقديم نفسه كنصير لسكان سيناء ضد قمع السلطات المصرية والظلم الذي لحق بهم نتيجة الحرب الدائرة.
ويدرك التنظيم أن ولاية سيناء تمر بحالة ضعف نتيجة اعتقال قادة السلفية الجهادية داخل غزة وضبط حركة الأنفاق التي أعقبت اتفاق المصالحة بين حماس وفتح الذي رعته مصر، ودخول بعض قبائل سيناء على خط المواجهة مع داعش وهو ما قطع العديد من محاور إمدادات التنظيم اللوجيستية.
وتعود جذور الخلافات بين التنظيمين الإرهابيين داعش والقاعدة إلى انتهاج أبومصعب الزرقاوي، المبايع حينها لأسامة بن لادن زعيم القاعدة، لمنهجية موغلة في سفك الدماء والتكفير، وهو ما جسّد البداية الفعلية لنشوء داعش بالعراق وصولًا لمبايعة العديد من فروع القاعدة له خاصة بعد سيطرة داعش على الموصل في يونيو 2014، قبل أن ينهض هذا الأخير لتصحيح تلك الأوضاع لصالحه.
الوقائع الأخيرة كشفت حجم التحولات التي طرأت على أداء تنظيم القاعدة من الناحية المنهجية والتنظيمية
وذكر بيان تنظيم “جند الإسلام” أن إحدى سراياه استهدفت من أسماهم بـ”خوارج البغدادي” في سيناء، داعيًا أعضاء داعش إلى “التوبة وعدم القتال تحت هذه الراية التي فرّقت المسلمين واستباحت دماءهم المعصومة وأعراضهم المصانة بلا برهان ولا دليل شرعي”.
ودشن تنظيم “جند الإسلام” أول ظهور له في سبتمبر 2013 عبر بيان مقتضب بمنتدى شروق الإسلام القريب من القاعدة، أعلن خلاله مسؤوليته عن تفجير مبنى المخابرات الحربية برفح على الحدود مع قطاع غزة في الـ12 من سبتمبر 2013 إثر هجومين بسيارتين مفخختين أسفرا عن 6 قتلى.
وأصدر التنظيم في الـ17 من أغسطس عام 2015 تسجيلًا مصورًا للتدريبات التي يتلقاها أعضاء التنظيم بصحراء سيناء، واحتوى على كلمة لأيمن الظواهري زعيم القاعدة، تأكيدًا على مولاة القاعدة ومنتقدًا قرار تهجير أهالي مدينة رفح لإنشاء شريط حدودي باعتباره يخدم الأمن الإسرائيلي. وإظهارًا للتمسك بالإطار الفكري والتنظيمي للقاعدة عقب مبايعة تنظيم أنصار بيت المقدس لداعش عاد “جند الإسلام” في أكتوبر عام 2015 مجددًا للظهور ليعرض مقطعًا مصورًا من بيان لهشام عشماوي زعيم القاعدة بمصر وقائد تنظيم “المرابطون” بعنوان “لا تهنوا”.
ثم تبعه تسجيل أعلن فيه دعمه لمبادرة “وأعدّوا” التي مهدت لاندماج البعض من فصائل السلفية الجهادية على جبهات القتال السورية ولتوحيد الفصائل القاعدية في الشام، وهو ما استفاد منه بلمختار ليكرر تجربة الدمج بين الفصائل القاعدية في أفريقيا.
وبعد فترة صمت ولجوء للعمل السري استمرت لعامين أصدر التنظيم بيانه الأخير الأحد معلنًا خلاله استهداف أعضاء بتنظيم ولاية سيناء واصفًا إياهم بـ”خوارج البغدادي”.
وكشفت الوقائع الأخيرة حجم التحولات التي طرأت على أداء تنظيم القاعدة من الناحية المنهجية والتنظيمية، وفيما يتعلق بمستويات ما اكتسبه مقاتلوه من خبرات ومهارات عسكرية وميدانية ونوعيات الأسلحة التي يتقنون استخدامها.
وتماسك التنظيم الذي تعرّض لهزات قوية بعد مقتل زعيمه بن لادن في العاصمة الباكستانية في مايو 2011 بعد مرحلة من الارتباك وفقدان السيطرة المركزية على فروعه الإقليمية.
ويسعى التنظيم إلى أن يكون شبكة قوية منتشرة الفروع مستفيدًا من الأخطاء التي وقع فيها داعش ومن حاجة بعض الجماعات كتنظيم الإخوان وبعض القوى كإيران وغيرها للتعاون معه.
هشام النجار
صحيفة العرب اللندنية