قبل أيام من الاستفتاء الشهير على الخروج من الاتحاد الأوروبي (23 حزيران/يونيو 2016) قام توماس ماير، أحد أنصار الحركة النازية الجديدة في بريطانيا، بقتل النائبة في البرلمان جو كوكس وهو يصيح «بريطانيا أولاً».
كانت البرلمانية تلك معروفة بمواقفها المناصرة للاجئين الفلسطينيين والسوريين، ولذلك فإن اغتيالها كان موجّها، بصورة رئيسية، نحو فك هذا الارتباط بين البريطانيين والمسلمين وباللاجئين عموما.
«بريطانيا أولا» هي حركة صغيرة تطرح شعارات فاشية وعنصرية وتركز جلّ تحركاتها ودعايتها ضد المسلمين. نائبة رئيس الحركة، جايدا فرانسين، كانت قد حوكمت سابقا لتهجمها على امرأة مسلمة في مدينة لوتون، واعتقلت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي لأنها انتهكت شروط إطلاق سراحها بالظهور في عرض إذاعي للنازيين الجدد، وقامت بنشر مجموعة من أشرطة الفيديو تظهر مسلمين يقومون بأفعال شنيعة.
يظهر الفيديو الأول شابا يقوم بضرب ولد أصغر منه، فيما يظهر الثاني رجلا ملتحيا يحطم تمثال مريم العذراء وهو يكبّر، أما الثالث فيعرض مجموعة من عناصر تنظيم «الدولة» يرمون بصبي من مكان عال ثم يضربونه حتى الموت.
يتبادل متابعو وسائل التواصل مئات آلاف الأشرطة التي تحتوي أفعال عنف وتحقير وإساءات لكل الأديان والاتجاهات السياسية والأعراق البشرية، وهي تشكّل امتداداً لحروب السياسة والأيديولوجيا والأديان بكافة أشكالها، ويبدو أن السوق الواسعة لا تقتصر على المجانين والموتورين وزارعي بذور الكراهية، كما أن طرق تصريفها لا تقتصر على جرائم تنظيم «الدولة الإسلامية»، ولا القائمين على التهجير والقتل الجماعي للروهينجا في بورما، ولا حروب إسرائيل الهمجية ضد الفلسطينيين، أو سياسات «القوة الغاشمة» في مصر، والبراميل المتفجرة في سوريا، بل تمتدّ إلى صلب السياسات التي تسيّر «العالم الديمقراطي».
ليست مفاجأة إذن أن يعيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إعادة نشر هذه الأشرطة ضمن شبكة متابعيه الواسعة (ونحن نتحدث هنا عن أكثر من 45 مليون متابع) وهذه الأشرطة، كما هو واضح، مهمتها إثارة العالم ضد المسلمين من خلال وضع أشرطة مخيفة غير موثوقة لتشوه صورة أكثر من مليار و200 مليون مسلم في العالم، وبعد ذلك يشرب ترامب قهوته ويتناول غداءه وينشر «تغريدة» أخرى عن التحسن في أسواق الأسهم معلقاً: «يبدو أن أحداً يحبني»!
وكي نكون «عادلين»، فإن ترامب متسق مع نفسه فقد سوّق أفكاره للجمهور بتحميل مسؤولية ما يجري من شرور في أمريكا والعالم للمهاجرين، أي الغرباء القادمين من الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، والذين يحملون في ركابهم الإجرام والمخدرات والإرهاب، وبالتالي فالمطلوب هو منع المسلمين من دخول أمريكا («حتى نعرف ماذا يجري» على حد قوله)، ونصب سور شاهق على حدود المكسيك (مع تدفيع المكسيك نفسها كلفته!).
إن آراء ترامب المسطحة حول العالم، والمرسومة بالأسود والأبيض وبخطوط سميكة، لا تختلف، في الحقيقة، عن آراء المتطرّفين والعنصريين بكل أشكالهم وأديانهم، فهؤلاء يعتاشون على خطاب متشابه رغم اعتبارهم أنفسهم متموضعين في مواقع مختلفة.
لا يفعل هذا الخطاب، عمليّاً، سوى أن يكرّر مقولات أعدائه المفترضين بالمقلوب، فالإرهابيون وتجار المخدرات والمجرمون من الغرباء في سرديّته، هم «الكفار» في سردية تنظيم «الدولة» (وهنا نفهم التشابه بين قتل النائبة مع صيحة «بريطانيا أولا» وصيحة التكبير خلال عمل إجرامي).
لا وجود في هذا الخطاب، الذي يلبس على وجهين، للمظالم الهائلة التي يعانيها البشر ولا إمكانية لتحسين ظروفهم والدفاع عن بشريتهم وحقوقهم إلا عبر تهشيم الصورة الافتراضية للآخر.
لا وجود في حسبان ترامب لحضارة إسلامية وشعوب مسلمة على امتداد الكرة الأرضية، ولا فروق بين ثقافات هؤلاء وهوياتهم وتواريخهم ولا أثر يذكر لإنجازاتهم على الحضارة الغربية نفسها. ليس هناك سوى أشرطة فيديو مرعبة تجرمهم جميعا وتحرض على اضطهادهم.
وهذا شكل هائل من أشكال الإرهاب.