هب عشرات الآلاف من المتظاهرين في العالم للتعبير عن غضبهم واستنكارهم لما حصل وإعلان تضامنهم مع القدس والفلسطينيين، في المدن التركية، وفي الأردن وفي لبنان والعراق والمغرب وتونس والجزائر والسودان ومصر وإيران وباكستان وماليزيا وأفغانستان. أما في دول الخليج فقد ركّزت خطب صلاة الجمعة على التنديد بالقرار الأمريكي، فأكد خطيب جمعة أكبر مساجد قطر أن «المسلمين يجنون ثمار صمتهم الجبان»، فيما شدد خطباء السعودية على أن المملكة «لن تتنازل عن مبادئها حول القضية الفلسطينية».
ولعلّ أكثر أشكال التضامن معنى وتأثيرا كانت تلك التي تقاربت أحوال أصحابها مع أحوال الفلسطينيين أنفسهم كما هو حال سكان مدينة تعز اليمنية التي أعلنت جمعة غضب رغم معاناتها الحصار والجوع، وكذلك حال مواطني المناطق السورية التي يحاصرها النظام في ريف إدلب وحلب ودمشق.
ولعلّ من نافل القول إن القضيّة الفلسطينية كانت، وما تزال، موضوع تضامن وتعاطف ومشاركة فعلية من الشعوب العربية بدون استثناء، بقدر ما هي موضوع إحراج وتلاعب بعض الأنظمة التي حاولت مصادرة الطاقة التغييرية الهائلة التي أطلقتها تلك القضية، من خلال محاولة السيطرة على مقدّرات حركاتها السياسية وفصائلها لوأد نضالها أو حرفه عن وجهته أو تسويقه في قضايا أخرى تسيء للفلسطينيين وقضيتهم، وفي بعض الحالات، لشنّ حروب ضدها أو المساهمة في اغتيال قادتها وشخصياتها.
على هذه الخلفية نفهم لماذا أحاط رجال الأمن المصريين بمئات المتظاهرين في القاهرة، كما نفهم التناقضات التي يظهرها إعلان مفتي النظام السوري، أحمد بدر الدين حسون، من العاصمة الإيرانية طهران، الثلاثاء الماضي أن «الطريق لتحرير القدس باتت مفتوحة»، وهو ما لقي تهكّما حتى من أنصار نظام البراميل المتفجرة نفسه الذين طالبه بعضهم أن يذهب لتحرير القدس وحده، والأمر نفسه ينطبق على لبنان الذي يعاني الفلسطينيون فيه كل أشكال التمييز والإفقار والتهميش، وعلى مصر التي تحاصر قطاع غزة وتمنع سكانه من الخروج، ويمكن مطّ القائمة لتشمل قائمة عار طويلة من الأنظمة.
مع كل مفصل تاريخي، كما حصل مؤخرا، تحضر في أذهان الفلسطينيين عشرات السنين من التناقضات المكشوفة بين شعارات الأنظمة حول تأييد قضية فلسطين والممارسات المهينة والتمييزية ضدهم في المخيمات والمطارات وحواجز الحدود والانتهاكات في حقوقهم الإنسانية المعروفة البسيطة كحقوق الملكية والعمل والإقامة والسفر والتعليم. لكل ذلك لا يمكن أن نفهم ما يحصل في فلسطين اليوم من دون الربط بين تدمير الثورات العربية ومنع التغيير عربيا، مع إضعاف «حماس» ومنظمة التحرير الفلسطينية معاً، وقمع الاتجاهات الإسلامية الديمقراطية باسم «مكافحة الإرهاب»، وصولاً إلى ما يسمى بـ»صفقة القرن» التي يظهر قرار ترامب كجزء من تفاصيلها.
فهم ذلك كله يجعل الفلسطينيين يدركون أنهم ليسوا وحيدين في نضالهم أمام آلة البطش الإسرائيلية وأنهم يحملون جنين النضال العربيّ العام رغم وضعهم المحاصر، وفي مظاهرات الشوارع والساحات التي هبطوا إليها في اليومين الماضيين كانوا ممثلين في شوارع العالم المنتفضة ضد الظلم بأشكاله. الانتفاضة الفلسطينية الجديدة هي، بالضرورة، انتفاضة عربية.
القدس العربي