الباحثة شذى خليل*
“طريق الحرير” هي طريق برية وبحرية بطول 12 ألف كيلومتر، تربط آسيا والشرق الأوسط وأوروبا منذ مئات السنين بروابط تجارية وثقافية ودينية وفلسفية، تم من خلالها تبادل السلع والمنتجات كالحرير والعطور والبخور والتوابل ، وكذلك تبادل الثقافات والعلوم.
ويعد اسم “طريق الحرير” حديث العهد نسبيا، ففي أواسط القرن التاسع عشر أطلق العالم الجيولوجي الألماني البارون فرديناند فون ريشتهوفن اسم “دي سيدينستراس” (أي طريق الحرير بالألمانية) على شبكة التجارة والمواصلات.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز إن الانتاج الصناعي الصيني الفائض يعد احد أهم الدوافع التي تقف خلف المبادرة، فعلى سبيل المثال، تنتج الصين نحو 1,1 مليار طن من الفولاذ سنويا (وهي كمية تعادل تلك التي تنتجها كل دول العالم الأخرى)، ولكنها لا تستهلك داخليا الا 800 مليون طن. ويقدر اتحاد غرف التجارة الأوروبية ان المبادرة ستستوعب 30 مليون طن من هذا الانتاج الفائض فقط.
وتتمتع الصين بعلاقات ودية وجيدة ومؤثرة مع معظم دول المنطقة اذ من المتوقع أن يكون لها دور سياسي أمني أكثر فاعلية في الشرق الأوسط.
العلاقات الصينية العراقية
شهدت العلاقات الدبلوماسية العراقية الصينية تطوراً سلساً، في معظم المجالات ، وتعززت بعد 2003 اذ ﻘدمت نحو 25 ﻣﻠﻳون دولار ﻣﺳﺎﻋدة ﻹﻋﺎدة ﺑﻧـﺎء واعمار العراق، وﻓــﻲ ﺣزﻳــران 2007 زار رﺋــﻳس ﺟﻣﻬورﻳــﺔ اﻟﻌــراق ﺟــﻼﻝ اﻟطﺎﻟﺑــﺎﻧﻲ اﻟﺻــﻳن وﻫــﻲ أوﻝ زﻳــﺎرة ﻳﻘــوم ﺑﻬــﺎ رﺋــﻳس ﻋراﻗــﻲ، ووﻗــﻊ اﻟﺑﻠــدان ﺧﻼﻟﻬــﺎ أرﺑــﻊ اﺗﻔﺎﻗﻳــﺎت ﻣــن ﺑﻳﻧﻬـــﺎ اﺗﻔﺎﻗﻳـــﺔ ﺣـــوﻝ إﻟﻐـــﺎء 80% ﻣـــن دﻳـــون اﻟﻌـــراق اﻟﻣﺳـــﺗﺣﻘﺔ ﻟﻠﺻـــﻳن واﻟﺑﺎﻟﻐـــﺔ ﺛﻣﺎﻧﻳـــﺔ ﻣﻠﻳــﺎرات وﻧﺻــف اﻟﻣﻠﻳــﺎر دوﻻر وﺗﺷــﻣﻝ اﻻﺗﻔﺎﻗﻳــﺎت اﻟــﺛﻼث اﻷﺧــرى اﻟﺗﻌــﺎون ﺑــﻳن وزارﺗــﻲ ﺧﺎرﺟﻳــﺔ اﻟﺑﻠــدﻳن واﻟﺗﻌــﺎون اﻻﻗﺗﺻــﺎدي واﻟﻔﻧــﻲ وﺑرﻧــﺎﻣﺞ ﻟﺗــدرﻳب اﻟﻣــوارد اﻟﺑﺷــرﻳﺔ وﺗــم اﻟﺗوﻗﻳـﻊ ﻋﻠــﻰ ﻣــذﻛرة ﺗﻔــﺎﻫم ﺑـﻳن وزارتي اﻟﻌﻠــوم واﻟﺗﻛﻧوﻟوﺟﻳــﺎ ﻓـﻲ اﻟﺑﻠــدﻳن لتدريب اﻟﻌﺷــرات ﻣــن اﻟﻌــراﻗﻳﻳن ﻓــﻲ ﻣﺟــﺎﻝ اﻟطﺎﻗــﺔ وﻛﻳﻔﻳــﺔ اﻻﺳــﺗﻔﺎدة ﻣــن اﻟطﺎﻗــﺔ اﻟﺷﻣﺳــﻳﺔ ﻹﻧﺗــﺎج اﻟﻛﻬرﺑــﺎء.
و يسعى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى إيجاد منفذ للأزمات الخانقة في العراق أمنيًا وسياسيًا واقتصاديًا من خلال توقيع اتفاقيات سريعة وأخرى بعيدة لتفادي التراجعات في أسعار النفط الذي يُعد المصدر الرئيس للدخل العراقي، داعيا لتوظيف انضمام العراق لطريق الحرير في تطوير مجالات التعاون في الكثير من القطاعات، وبخاصة التنسيق وتعاون بشأن الطاقة مع الصين.
ودعا العبادي إلى “تفعيل لجنة العلاقات العراقية الصينية واستئناف اجتماعاتها وزيادة التبادل التجاري مع الصين” مؤكدا الترحيب بتوسيع الشركات الصينية نطاق الاستثمار في بلاده، حيث أيد الرئيس الصيني شي جين بينغ هذه الدعوة.
وأفاد بيان لمكتب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أن الحكومة العراقية وقعت مع نظيرتها الصينية في نهاية 2015 خمس اتفاقيات ومذكّرات للتعاون الاقتصادي والتكنولوجي والعسكري والدبلوماسي والنفط والطاقة .
والمذكرات هي :
الأولى “التفاهم بشأن المشاركة ببناء الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين”.
و الثانية “التعاون الاقتصادي والتكنولوجي بين البلدين”.
والثالثة تضمنت “توقيع اتفاقية اطارية بشأن التعاون في مجال الطاقة”.
وركزت المذكرة الرابعة على “التعاون العسكري بين البلدين” في حين شهدت المذكرة الخامسة توقيع اتفاق بشأن الاعفاء المتبادل لتأشيرة دخول الجوازات الدبلوماسية.
طريق الحرير…
وتأتي أهمية طريق الحرير الجديد من المبادرة الصينية والمناطق التي يعمل على ربطها ليشكل حزامًا اقتصاديا يوسع مجالات التبادل الاقتصادي والثقافي وربط مجموعات من الدول الصاعدة الصغيرة، إلى جانب الدول الصاعدة التقليدية المنضوية في مجموعة العشرين.
ويتركز الحزام الاقتصادي لطريق الحرير على ثلاثة خطوط رئيسة لوثيقة ما يعرف بـ”تطلعات وأعمال حول دفع البناء المشترك لحزام وطريق الحرير” وهي “ربط خط بين الصين وأوروبا مرورًا بآسيا الوسطى وروسيا”، و “خط يمتد من الصين إلى منطقة الخليج والبحر الأبيض المتوسط مروراً بآسيا الوسطى وغرب آسيا”، و “خط ثالث يبدأ من الصين ويمر بجنوب شرق آسيا وجنوب آسيا والمحيط الهندي”.
أما طريق الحرير البحرية للقرن الحادي والعشرين، فيتركز على خطين رئيسيين هما: “خط يبدأ من الموانئ الساحلية الصينية ويصل إلى المحيط الهندي مرورا ببحر الصين الجنوبي وانتهاء بسواحل أوروبا”: و” خط يربط الموانئ الساحلية الصينية بجنوب المحيط الهادئ”.
وتولي الصين اهتماماً كبيراً بالعراق لعدة اسباب:-
اولها: العراق دولة غنية وتمتلك منابع نفطية كبيرة والماء والمعادن والزراعة، والثروات المختلفة وهذا ما دفع الصينيين إلى التفكير في العمل والاستثمار في العراق ويكون لهم موطئ قدم لأن الصين بحاجة كبيرة للطاقة فهم يتوقعون ان يواجهوا مشاكل في هذا الصدد وبحسب الخبراء ستكون الصين اول دولة مستهلكة للطاقة في عام 2020 ويتوقع بحلول عام 2025 ان يكون استهلاكهم للنفط بحدود 15 مليون برميل في اليوم، في حين يستهلكون اليوم 6.5 مليون برميل في اليوم منها اربعة ملايين برميل من استخراجهم وبذلك تصبح الكمية التي يستوردونها من النفط في الخارج 2.5 مليون برميل في اليوم، فإذا مضت الصين على هذا النمط من التطور الذي شهدتها السنوات العشرين الماضية فستكون بحاجة الى كميات كبيرة لاستهلاك الطاقة، على الرغم من ان 65% من الطاقة هو الفحم و30% فقط على النفط والغاز و5% للمفاعل النووي ومصادر الطاقة.
وهناك اتفاق قديم ابرم بين الصين والعراق لاستخراج النفط في حقل “الاحدب” في محافظة واسط في وقت كان العراق يعاني الحصار والآن يطالب الصينيون بتجديد العقد والعمل به، كذلك من الناحية الجغرافية والحضارية والتراثية والثقافية فهم يعدون العراق احدى الدول الاربعة الحضارية في العالم: الصين- مصر، الهند، العراق، وعليه فانهم يرغبون في المشاركة الفعالة في اعادة بناء العراق وتوظيف رؤوس الأموال فيه اذ لديهم اموال طائلة والصين اول دولة من حيث الاحتياطي المالي.
وذكر السفير العراقي لدى الصين أحمد برواري، ان العلاقات الصينية- العراقية تتمتع باستراتيجية اقتصادية مهمة على خلفية مبادرة الحزام والطريق .
واكد ان مبادرة “الحزام والطريق”، مهمة بالنسبة للعراق كونه يقع تاريخيا على طريق الحرير، ولذلك، نعده أنفسنا جزءا من المبادرة منذ أن طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ.
وتكمن أهمية هذه المبادرة في دعم العراق حتى يتمكن من إعادة بناء البنية التحتية ومساعدته من الناحية الاقتصادية والتنموية ليكون فاعلا في المنطقة، وتعد المبادرة مهمة بالنسبة للعراق، و الشرق الأوسط، لانها توفر لهما دعما اقتصاديا تنمويا كبيرا.
واضاف برواري إن الصين تتمتع بتفوق في مجالات عديدة ، وبما ان العراق، دولة نفطية مصدرة للنفط، اذن المنفعة متبادلة بين البلدين اللذين يتمتعان بعلاقات استراتيجية.
وتعد الشركات الصينية الحكومية أكبر المستثمرين في مجال النفط في العراق، وخاصة تحديث وتطوير البنية التحتية النفطية في العراق.
وبين برواري أن 90% من واردات العراق تأتي من بيع النفط، لذلك، يعد مجال الاستثمار مهم في مجال التطوير، مما يعد دعما كبيرا بالنسبة للعراق.
واضاف برواري ان حجم التبادل التجاري بين البلدين في عام 2016، بلغ 18 مليار دولار أمريكي، اما في العام الحالي ، وحسب إحصائيات الجهاز الرسمي الصيني، في النصف الأول من 2017، وصل إلى 11 مليار دولار أمريكي.
وعلى الرغم من انخفاض سعر النفط، لم تنخفض كمية النفط العراقي المصدر إلى الصين، وإنما ارتفعت. لكن بسبب انخفاض السعر، نلاحظ أن المبلغ مقارنة بعامي 2013 و2014 انخفض قليلا، لكن السعر هو الذي انخفض وليست كمية التصدير. والشيء الجاذب للانتباه في العلاقات التجارية بين البلدين نسبيا بالنسبة الى حجم الصادرات والواردات متوازن نسبيا، وهذه إشارة لعلاقات اقتصادية وتجارية صحية بين البلدين.
وبين برواري الى تراجع التجارة في العراق؛ بسبب الحروب والحصار والمشكلات التي يعاني منها في العراق، ولم تسنح له الفرصة لتطوير وتحديث البنية التحتية في مجالات مختلفة، بعد أن تهدمت في تلك الحروب، واحتلال تنظيم داعش الإرهابي لمدن في العراق، التي تحتاج إلى إعادة تأهيل وإعادة إعمار بشكل كامل.
واضاف برواري ان الشركات الصينية فعالة جدا في العراق، في مجالات، واهمها التجارة والنفط، وحقل الطاقة، ونعني بالطاقة إنتاج الطاقة الكهربائية، التي لدينا نقص كبير في هذا المجال، والشركات الصينية نشيطة وفعالة جدا في هذا الحقل.
واوضح برواري ان نحو 60% من الطاقة الكهربائية لمدينة بغداد العاصمة، يتم إنتاجها من قبل الشركات الصينية في العراق، وان الصين رائدة في مجال النقل والمواصلات ومجال الاتصالات، هذه المجالات فيها تعاون كبير.
ويصف برواري العلاقات العراقية الصينية بالتاريخية والاستراتيجية، ما يعني أنها وصلت لمرحلة متقدمة جدا.
وهذا النوع من العلاقات التي تتمتع بها الدولتان، يتضمن مجالات التنمية والاقتصاد والنفط والطاقة الكهربائية والمواصلات والبنية التحتية والإنشاءات السكنية، وغيرها.
ونتطلع للدخول في مجالات جديدة، ومنها الزراعة والأمن والدفاع، وأن نطور علاقاتنا بشكل أكثر، لأننا نرغب أن يكون للصين دورا أكثر فاعلية في منطقتنا.
دوافع ومخاوف
ورغم تطور التعاون بين العراق والصين فهناك مخاوف ، من ان يكون فائض الإنتاج الصناعي الصيني أحد أهم الدوافع التي تقف خلف مبادرة الحزام والطريق؛ فالصين تنتج نحو 1.1 مليار طن من الفولاذ سنوياً، وهذه كمية تعادل تلك التي تنتجها كل دول العالم الأخرى، إلا أنها لا تستهلك داخليا إلا 800 مليون طن. ويقدّر اتحاد غرف التجارة الأوروبية أن المبادرة ستستوعب 30 مليون طن من هذا الإنتاج الفائض فقط.
وذكر بنك التنمية الصيني إنه يتابع بالفعل أكثر من 900 مشروع في 60 دولة تبلغ تكلفتها نحو 850 مليار دولار، وفي أواخر عام 2014 خصّص 40 مليار دولار لصندوق طريق الحرير؛ بهدف البدء في تمويل مشروعات المبادرة التي تتجاوز تكلفتها الإجمالية تريليون دولار.
وأعلن مسؤولون صينيون، أن الاستثمارات الصينية المرتبطة بمبادرة طريق الحرير، بلغت 60 مليار دولار منذ عام 2013، وسيبلغ إجمالي الاستثمارات الصينية في الخارج بين 120 و130 مليار دولار سنوياً على امتداد السنوات المقبلة، جانب كبير منها موجه إلى الدول المشاركة في مشروع طريق الحرير؛ ما سيكون محركا كبيراً لتعاف مطرد في الاقتصاد العالمي والتجارة الحرة والاستثمار، بحسب وجهة النظر الصينية.
مزايا اقتصادية لدول المنطقة من طريق الحرير:
ترى جمهورية مصر العربية ان : ” الحزام والطريق الدولي” والانضمام إلى المبادرة الصينية2014 ، لإحياء الطريق يحقق التعاون ومصالح الشعوب .
وفرصة جيدة لمصر لعرض ما لديها من حوافز استثمارية وبتطبيق قانون الاستثمار الجديد، وفي ظل الاهتمام الكبير من جانب الشركات الصينية للاستثمار في منطقة محور تنمية قناة السويس، التي تطمح مصر إلى تحويلها إلى منطقة صناعية ولوجيستية عالمية تكون جاذبة، ولا تظل مجرد ممر ملاحي.
واستقبلت تركيا مشروع الحزام والطريق بحفاوة كبيرة، وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان: إن مشروع «الحزام والطريق» المعروف بـ«طريق الحرير الجديد» مبادرة «من شأنها القضاء على الإرهاب المتصاعد في العالم” مؤكدا ان المشروع له دور مؤثر في المستقبل، بفضل أهدافه المتمثلة بربط آسيا وأوروبا وأفريقيا وحتى أميركا الجنوبية بعضها ببعض».
وأشار إردوغان إلى أن المشروع يشمل أكثر من 60 دولة على مساحة 40 مليون كيلومتر، ويطول 4.5 مليار نسمة من سكان العالم.
ولفت اوردغان الى أن تركيا تتمتع بموقع جغرافي مهم، وتعد نقطة تقاطع آسيا بأوروبا: «ولذا؛ تعد من أبرز الدول في نطاق طريق الحرير الاقتصادي، وهي ترغب في التعاون مع جميع الدول في هذا الإطار».
ويرى خبراء اقتصاديون أتراك أن «الصين قوة عالمية في مجالات التجارة والاقتصاد والصناعات الدفاعية بإمكانها ملء فراغ الغرب وأن بقاء تركيا بعيدة عن هذه القوة يعد خسارة لها».
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية