الكتب الفكرية هي زاد العقول ووقودها، ومن الكتب الفكرية الصَّادرة في العام الماضي كتاب “تأملات في السعادة والإيجابية” لمحمد بن راشد آل مكتوم، وهو وجهة نظر تجاه إدارة النفس وتقييمها وتنميتها والارتقاء بها للإيجابية والسعادة على نحو ما جاء في غلاف الكتاب الخلفي. كما يتطرق الكتاب إلى رؤية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم إلى تشكيل أعضاء فريق العمل وآلية التعامل معهم، وكيفية بناء ثقافة حكومية قائمة على الشكر والتمكين والتميز لجميع فرق عمله.
ويضرب الكتاب أمثلة متعددة للإجابة على تساؤلات كثيرة حول كيفية تحويل صحراء الإمارات لوجهة سياحية، وكيفية بناء مطار دبي الأول عالميًا، وسط رفض كبير من الانتداب البريطاني، وكيف تم وضع حجر الأساس لشارع الشيخ زايد في دبي. كما يسلط الكتاب الضوء على رسالة الشيخ لمواجهة من أسماهم “هادمي المعنويات”.
الفكر السياسي
قضية الصراع الفلسطيني الصهيوني لا تغيب عن الإصدارات هذا العام ومنها كتاب “المشروع الصُّهيوني: الاختراق الصهيوني لمصر من 1917 حتى 2017” للدكتورة عواطف عبدالرحمن، الصَّادر عن دار العربي للنشر والتوزيع، ليؤكِّد أنَّه ما زال في النفوس سخطٌ حتى ولو أظهرت السياسة عكس ما يختمر في كوامن الشعوب العربية. تُحمِّل المؤلفة اتفاقية كامب ديفيد التي دشَّنها أنور السادات عام 1978، مسؤولية الانحراف عن المسار الصحيح لمواجهة تحديات الماضي. لكن أهم ما أثاره الكتاب هو الدور الخطير للمثقفين اليهود في مصر، الذين حاولوا الالتفاف حول كبار الكتاب والأدباء المصريين والتقرب إليهم، لكسب تعاطفهم مع القضية الصهيونية، فنجحوا في اكتساب ثقة طه حسين، ومحمد حسين هيكل، والعقاد، ولطفي السيد. لكنها تُحمِّل الدكتور طه حسين الجريرة الكبرى بتجاهله القضية الفلسطينية، وإيثار الصحافة له خاصة بعد إقصائه من الجامعة، وترجمة كتابه “الأيام” إلى العبرية، علاوة على زيارته لمدارس الطائفة الإسرائيلية في الإسكندرية عام 1944، وتقديمه محاضرة في دار المدارس الإسرائيلية التي تناول فيها علاقة اليهود بالأدب العربي.
هذا العام شهد صدور عدد من المؤلفات الفكرية التي تناقش الواقع السياسي، وتحلل ظواهر كثيرة منها الاستعمار
إذا كان الكتاب السابق رصد لمحاولات الصهوينة اختراق مصر وعقولها، فإن كتاب “الرّحالة الفرنسيون في بلاد المغرب: من القرن السادس عشر إلى ثلاثينات القرن العشرين” ترجمة الدكتور حسن بحراوي (دار الأمان، 2017)، يكشف هو الآخر تغلغل الاستعمار الفرنسي في بلاد المغرب العربي. يعود أصل الكتاب كما يقول مؤلّفه رولان لوبيل في المقدمة، إلى دروس ميدانية ألقاها على طلبته في معهد الدراسات المغربية العُليا بالرباط خلال ثلاثينات القرن الماضي. وهؤلاء الطلبة وقع استعمالهم بشكلٍ يُقلّل من اعتماد المستعمر على المترجمين ويسهّل مهامّهم في المناطق النّائية التي سيتمّ تعيينهم بها.
“أنبياء البدو: الحراك الثقافي والسياسي في المجتمع العربي قبل الإسلام” هو كتاب للباحث التونسي محمد سعيد، تناول فيه شأن النبوّة ومعانيها الممكنة لدى عرب الجاهلية، كما يستنطق النصوص المتبقّية محاولًا النفاذ إلى ما قد تحتوي عليه من نوى تاريخيّة، معتمدًا التّحرّي التّاريخيّ وإدخال الزّمان والمكان والواقع من أجل النّظر في الماضي العربي البعيد. وهو صادر عن دار الساقي.
يتناول الباحث عمّار علي حسن في الكتاب الصادر عن عالم المعرفة بالكويت بعنوان “الخيال السياسي” موضوعًا سياسيًا بامتياز. فالكتاب حسب عنوانه يطرق مفهوم الخيال السياسى ويرى أنه جزءٌ لا يتجزأ مما وصلت إليه البشرية اليوم، فما نعيشه اليوم ليس نتاج الثورة الرقمية والتكنولوجيا فقط، بل إن الخيال السياسي شريك فيه ومحرّك أساسي للتاريخ. ويعدّد المؤلف سُبل تنمية الخيال السياسي وشحذه، والمعوقات التي تحول دون ذلك مثل: الاستسلام للواقع، وبلادة صناع القرار، والتحكم البيروقراطي، ونقص المعلومات والاستهانة بها، والجهل بالتاريخ، وتقديس الموروث، والتفكير بالتمني، وسطوة الأيديولوجيا.
حقائق ونقد
كتاب “المغنى حياة الروح” للدكتور مازن عميش، الصادر عن دار «الآن» ناشرون وموزعون، يسرد فيه الكاتب الحكايات التي اختارها مما قرأ وسمع وشاهد مع نجوم الفن، كما يقدم نماذج عن حياة الأغنية العربية الكلاسيكية، والطريق الشاق الذي شقته حتى استطاعت أن تمتلك قلوب الملايين وتستقر في وجدانهم. والكتاب ليس بحثًا في الموسيقى، ولا سردًا لقصص الفنانين؛ بل هو إطلالة على عالم الغناء، ليعيد الاعتبار للفن الأصيل، كما أن الكتاب إطلالة على كواليس الكثيرٍ من الأغاني والألحان والكلمات، كيف ولدت، وكيف اعتنى كبار الفنانين.
كتاب “تجديد جورج أورويل: أو ماذا حدث للعالم منذ 1950” للدكتور جلال أمين والصادر عن دار الكرمة بالقاهرة، هو في الأصل مقالات أعاد نشرها أمين في كتاب مستقل، بعدما رأى أن المأزق الحالي يستدعي أورويل وروايته 1948 التي كانت تتحدث عن الاستبداد.
ويرى أمين أن جورج أورويل كانت كراهيته منصبة على أي نظام أيًّا كان لونه الأيديولوجي. كما يشير إلى خطورة التكنولوجيا الحديثة والتي لا تتمثل فقط في ما لدى أصحاب السُّلطة من أسلحة وسجون ومعتقلات، بل أيضًا في ما لديهم من وسائل تجسس وتنصت وغسيل مخ. وكلها وسائل لا تزال مُتاحة لمختلف الأنظمة العالمية في عالمنا اليوم. ويلفت أمين إلى ضرورة “تجديد جورج أورويل” أي تتبع ما جدَّ مِن تطورات في طبقة الممسكين بالسلطة هؤلاء الذين يُمارسون القهر في العالم، والأسباب التي أدت إلى هذه التطورات، ونوع الرسائل التي يُرْسِلها أصحاب السلطة الجدد إلى الناس والتي من شأنها أن تغسل أدمغتهم، مشيرًا إلى أن ما طرأ من تطوّر في هذا الاتجاه لا يقتصر على أساليب الكذب، بل يطال أيضاً مضمون الكلام الكاذب.
الكاتب شعبان يوسف يقدم للمكتبة أربعة كتب جميعها تتناول ظواهر أدبيّة مهمّة على نحو بحثه عن الأبوية في الإبداع والتي آلت بالكثير من الكاتبات إلى الانتحار في كتاب “لماذا تموت الكاتبات كمدًا؟!” أو بحثه في ظاهرة يوسف إدريس، ومُساءلة فحولته التي طغت على كثيرين وكانت سببًا لأن يكون لإدريس ضحايا حتى وإن لم يقصد على نحو ما جاء في كتاب “ضحايا يوسف إدريس وعصره”. ثمَّ يأتي كتابه الثالث والمهمُّ “المنسيُّون ينهضون” عن المنسيين من الأدباء والشعراء في الأدب، بإعادة الاعتبار لهم من جديد بعدما طالهم التهميش والغُبن لردح طويل من الزمن. أما الكتاب الرابع فهو بعنوان “نجيب الريحاني مذكِّرات مجهولة”، وهو محاولة للكشف عن أسباب الخلل في تاريخنا الثقافي المجهول أو المعلوم، فالكاتب يرى أن المذكِّرات الخاصّة بالفنان نجيب الريحاني العراقي الأصل ليست حقيقية.
أما كتاب فيصل دراج “بين حداثتين: طه حسين أم أدونيس” الصادر عن دار أزمنة، فيناقش فيه تمييزه بين رؤيتين للحداثة مغلّبًا رؤية طه حسين ومبرّرًا لهذه الرؤية عبر مواقف وتحليلات واشتقاقات تميّز بها على مدار كتبه وكتاباته المختلفة.
وعن دار أزمنة أيضًا صدر للناقد حاتم الصكر كتاب “أقنعة السيرة وتجلياتها: البوح والترميز في الكتابة السير- ذاتية”. والكتاب عبارة عن دراسات تطمح كما يقول المؤلف في المقدمة “على المستوى النظري والتطبيقي معًا أن تلامس بعض مشكلات السيرة الذاتية في أدبنا العربي والنادرة في الكتابة النوعية، والملتبسة في مصادرها وطرق عرضها سرديًّا أو تاريخيًّا، والمحفوفة بمحاذير ومحددات وموانع ستعرض لبعضها دراسات الكتاب”. ويحتوي الكتاب على موضوعات من قبيل السيرة الذاتية النسوية، السيرة الروائية ورواية السيرة الذاتية، والسيرة والرواية: من المماثلة إلى المطابقة، إضافة إلى سيرة الرحلات والسيرة الذاتية والتجربة الشعرية وكذلك السيرة والمكان.
من الكتب النقدية أيضًا كتاب الدكتور شكري المبخوت «سيرة الغائب، سيرة الآتي … السيرة الذاتية في كتاب ‘الأيام‘ لطه حسين» (دار رؤية / القاهرة) وإن كان سبق أن نشره المؤلف من قبل في عام 1993، ويقول المؤلف إن نص «الأيام» مخاتل، يستعصي على التصنيف ما بين الرواية والسيرة الذاتية. ويضيف أن طه حسين خلق نصه من معدن التردد واللبس؛ فلا هو من جهة جنسه الأدبي رواية تقرّ فتطمئن إليها نفسك، ولا هو سيرة ذاتية أوفت شروط هذا الفن حقها؛ تردّد بينها مستمر والحلقة مفرغة؛ أراد بعض النقاد كسر طوقها فوقعوا في أحابيلها.
وينتهي المؤلف بعد رصد كل ما كتب عن الأيام أن جميع مـــا كُــتــــب عن «الأيام» قائم على التخمين وإقامـــة ضروب من المشابهة بين النص وما يعــرفه الناس عن حياة طه حسين انطلاقًا من بعـــض القرائن، كالعمى، وتعلّمه في الأزهـــر، وذكـــر بعض الأفراد الذين كوَّنوا عالمـــه الواقعي مـــثل الشيخ المرصفي ومحمد عبـــده في الجـــزء الثاني من الكتاب، وأسماء الكتب والمؤلفيــــن. وعيب هذه الطريقة في الاســتدلال يكمــن في قضائها على الفن وإقصاء النص بالالتجــــاء إلى ما هو خارج النص.
مع الشعر أطير عاليا
من الدواوين المميزة الصادرة هذا العام ديوان الشاعر المصري فريد أبوسعدة “أطير عاليًا” الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة، والديوان ضمّ مجموعة من القصائد كتبها في السبعينات من القرن الماضي، ولم يستطع نشرها وقتها، وينقسم الديوان إلى قسمين؛ الأول نص طويل بعنوان “يتساقط ريشي في المكان”، والثاني مجموعة قصائد قصيرة بعنوان “صدأ يطير / قصائد أولى”. تميل قصائد الديوان إلى نزعة فلسفية، وحالات من التأملات.
كذلك صدرت مجموعة مختارات للشاعر عبده وازن بعنوان «قليلاً من الذهب أيتها الشمس» عن الهيئة العامة لقصور الثقافة في القاهرة، ضمن سلسلة إصدارات خاصة. وتستعرض هذه المختارات تجربته الشعرية الممتدة بداية من ديوانه «أبواب النوم» وصولاً إلى «حياة مُعطلة» عام 2007. كتب مقدمة الكتاب الشاعر العراقي محمد مظلوم، وقد حاول فيها الكشف عن تجربة عبده وازن، وكيفية تجسيد هذه المختارات لتجربة وازن المتنوِّعة، التي ترسم صورة لتحولات تجربة الرجل ونضجها، وكيفية الربط ما بين الذات والعالم. التنوع أيضًا يشمل الشكل البنائي في القصيدة، وكيفية تحولاتها وتباينها من قصائد طويلة تعتمد التكرار لبعض المفردات الدالة، كما من ناحية أخرى تبدو القصيدة القصيرة تحمل زمناً أكثر تكثيفًا ودلالة.
تطور كبير في إصدارات القصة القصيرة، مقابل تراجع إصدارات الشعر العربي الحديث الذي يحاول اكتساب قراء جدد
وأيضًا هناك ديوان الشاعر جمال القصاص «جدار أزرق» وهو صادر عن دار «بتانة» للنشر بالقاهرة. يقع الديوان في نحو 270 صفحة من القطع المتوسط، ويصف القصاص هذا الديوان بأنه «ابن المصادفة الشعرية بامتياز». وهناك أيضًا ديوان الشاعر فتحي عبدالسميع بعنوان “أحد عشر ظلاً لحجر” وهو صادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. يتكوَّن الديوان من مفتتح طويل بعنوان “حَلَقةٌ حديديةٌ في الباب، لا بُدَّ مِن خَضِّها، قَبْلَ السلامِ على سُكَّانِ البيوت”، يليه نص بعنوان “قاطع الطريق الذي صار شاعرا”، وجاء الختام بعنوان “حلقة حديدية في الباب لا ترتجف إلا عند الوداع” يليه نص “ظلٌّ على الباب المفتوح”.
ويأتي ديوان الشاعرة فاطمة قنديل “بيتي له بابان” الصادر عن دار العين، ليقدم حالة شعرية خاصة فالديوان يقدم تجربة شديدة الخصوصية والرهافة، في تأمل الذات لوجودها وما حولها أو حتى في انعزالها “بعيدًا عن أعين الناس” وانفصالها عمّا حولها وتوحدها مع أشيائها.
القصة القصيرة
وفي القصة القصيرة هناك مجموعة وجدي الكومي “شوارع السماء”، وهي صادرة عن دار الشروق، وتتكوّن المجموعة من 21 قصة، بمثابة هجاء لتوحش الرأسمالية التي توغلت في نسيج الحياة، وفكّكت العلاقات الخاصة. كما فيها انحياز إلى المهمشين، الذين ربما ينهون حيواتهم على إحدى لوحات الدعاية لمجمعات سكنية للأثرياء في مفارقة مدهشة.
كما صدرت أيضًا مجموعة “سرير بنت الملك” لشهلا العجيلي وهي المجموعة الفائزة بجائزة الملتقى للقصة القصيرة في دورتها الثانية، وتحتوي المجموعة على ثلاث وعشرين قصّة قصيرة. وقد نافست معها مجموعة ضياء جبيلي “حدائق الأرامل”، وهي صادرة عن دار سطور في بغداد وتحتوي على سبع عشرة قصة، وكما يقول الناشر “هي مجموعة تجتر عوالمها من اليومي الساخر حينًا، ومن الغرائبي والفنتازي حينًا آخر. وتحاول أن تطرح الواقع بأشكال غريبة مختلف”. وكذلك مجموعة القاص العماني محمود الرحبي “لم يكن ضحكًا فحسب”، وهي صادرة عن دار فضاءات في عمّان، وتضم سبع قصص هي: نعمة دخول الجمل إلى الحمّام، غلام.. لوحة متخيّلة، حريق الفئران، حفرة السيوف، ياسمين، ظلال البيت المهجور، ولم يكن ضحكًا فحسب. وهي ترصد التحولات الاجتماعية والإنسانية في عُمان.
كما نافست على جائزة الملتقى مجموعة “ليثيوم” للقاص السوري تميم هنيدي، الصادرة عن منشورات المتوسط في ميلانو. وهناك أيضًا مجموعة القاص الأردني محمود الريماوي المعنونة بـ”ضيف على العالم” والصادرة حديثا عن دار فضاءات في عمّان، وتغلب عليها ثيمة السفر والتجوال في مدن وعواصم عربية وأجنبية.
أحدث الأعمال القصصية مجموعة أحمد الخميسي “ليل بلا قمر”، وهي صادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وتضم المجموعة 20 قصة، كما تصدرتها مقدمة للكاتب إبراهيم حمزة قال فيها “هي قصص تطوف بك على أهم قضايانا الاجتماعية وتطرق كل أشكال القصة القصيرة بدءا من الكلاسيكية إلى أشكالها التجريبية الحديثة”.
ممدوح فراج النابي
صحيفة الحياة اللندنية