كيف عجلت روسيا بانتصار الأسد في سورية؟

كيف عجلت روسيا بانتصار الأسد في سورية؟

يوم الاثنين قبل الماضي، قطع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على نحو غير متوقع زيارته إلى مصر، وتوقف في قاعدة حميميم الجوية الروسية في سورية، وأعلن انتهاء أنجح حملة عسكرية روسية في الخارج. وكانت آلاف الطلعات الجوية الروسية قد شاركت في الحملة التي أفضت إلى قتل الآلاف من الإرهابيين وتدمير بنيتهم التحتية، والتي أسفرت أيضاً عن استعادة النظام مئات المدن والبلدات السورية. وكنا قد نشرنا في السابق تقارير عن الكيفية التي أمضاها الطيارون والقوات الخاصة والبحرية والأطباء والدبلوماسيون الروس على مدى عامين في مساعدة الرئيس السوري بشار الأسد في الاحتفاظ ببلده وفي تخليصه من الإرهابيين.
روسيا تدخل النزاع
بحلول خريف العام 2015 كانت الحرب قي سورية قد تواصلت أصلاً منذ أربعة أعوام طويلة. وكانت المظاهرات الجماهيرية المناهضة للحكومة والتي بدأت في آذار (مارس) من العام 2011 قد تصاعدت وتحولت إلى اشتباكات مع الجيش. وقامت الفصائل الإرهابية مباشرة باختطاف هذه الاحتجاجات الشعبية. واضطلع متطرفون من “داعش” وجبهة النصرة والعديد من الفصائل من داخل “المعارضة المعتدلة” -بشكل رئيسي الجيش السوري الحر الذي روج الغرب له كثيراً- بلعب دور قيادي في المعركة ضد النظام الحاكم.
منذ البداية، قدمت روسيا الدعم الدبلوماسي لسورية. ووراء في ربيع العام 2011، صوت الراحل فيتالي تشيركن، المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة بالفيتو على مشاريع قرارات لمجلس الأمن الدولي اقترحتها بعض البلدان العربية والغربية، والتي كانت في طبيعتها معادية للنظام السوري.
وبالإضافة إلى ذلك، دعمت روسيا حكومة بشار الأسد بإمدادها بالأسلحة والمعدات العسكرية والذخائر، فضلاً عن ضباط التدريب والمستشارين العسكريين.
ولكن، عندما استمرت التنظيمات الإرهابية وقوات المعارضة المعتدلة في تحقيق مكاسب إقليمية، أصبح من الواضح أن هذا الدعم لم يعد كافياً. وكاد الجيش العربي السوري أن ينهار. فالخسائر ضخمة، وهناك نقص في أغلب المواد الأساسية، بالإضافة إلى انخفاض الروح المعنوية، مما أجبر القوات الموالية للأسد على التنازل عن المزيد والمزيد من الأراضي والانسحاب إلى محافظة اللاذقية الساحلية ومدينة دمشق. ومع حلول شهر أيلول (سبتمبر) 2015، بدا وأنه لم يتبق للرئيس السوري سوى أسابيع قليلة في الرئاسة.
في ذلك الشهر، وتلبية لطلب من بشار الأسد، صادق المجلس الفيدرالي الروسي على قرار فلاديمير بوتين إرسال قوات روسية إلى سورية. وشهد يوم 30 أيلول (سبتمبر) عملية عسكرية روسية في ذلك البلد.
تشكيل الأسطول الجوي الروسي
كان تشكيل الأسطول الجوي يتغير في الغالب، طبقاً للمهام المسندة إليه. واستناداً للبيانات المتوفرة في أوقات متفاوتة، تضمن الأسطول:
* ما يصل إلى عشرة أدوار متعددة للطائرات النفاثة “أس. يو-355”.
* ما يصل إلى أربعة “أس يو-27 أس أم أس”.
* من 12-16 طائرة نفاثة من طراز “أس يو-30 أس أم” ذات المقعدين.
* ما يصل إلى 12 طائرة قاذفة مقاتلة من طراز “أس يو-34”.
* ما يصل إلى 30 قاذفة خط أمامي من طراز “أس يو-24”.
* ما يصل إلى 12 طائرة إسناد قريب من طراز “أس يو-25 أس أم”.
* ما يصل إلى 15 طائرة عمودية من طراز “أم أي-8” متعددة الأهداف في تعديلات متنوعة.
* ما يصل إلى 15 طائرة عمودية هجومية من طراز “أم آي-24، وأم آي-35”.
* ما يصل إلى خمسة طائرات عمودية هجومية من طراز “كيه إيه-52”.
وشنت ضربات ضد معسكرات الإرهابيين حتى من داخل الفيدرالية الروسية.
* ست طائرات حاملة صواريخ أسرع من الصوت من طراز “تي يو 160”.
* خمس قاذفات استراتيجية من طراز “تي يو 95 أم أس”.
* من 12-14 قاذفات صواريخ طويلة المدى من طراز “تي يو-22 أم 3”.
* طائرة “إيه-50” للإنذار المبكر والمراقبة، وطائرة “تي يو-214 آر، وطائرة الاستطلاع اللاسلكي “20 أم-1” لتنسيق العمليات الجوية، والتي نفذت مهمات استطلاع وحددت أهداف تشكيلات الضربات.
النشاطات الجوية والبحرية
في الحقيقة، سيطر الطيران الروسي على الأجواء في سورية. فشهدت معسكرات التدريب التابعة للمتشددين ومراكز قيادتهم ومستودعات أسلحتهم وذخائرهم وحقولهم النفطية وقوافل شاحنات البنزين التابعة لهم تشظياً بفعل الهجمات المنطلقة من قاعدة حميميم الجوية، ومن قواعد شن الضربات الجوية، ومن حاملة الطائرات “أدميرال كوزنتسوف”. واستطاعت القاذقات وطائرات الإسناد القريب والطائرات المقاتلة الاستفادة من السيطرة الكاملة على الأجواء، فدمرت أكثر من 100.000 مرفق مختلف للإرهابيين. ونفذت أول موجة من الضربات الجوية الروسية الهائلة ضد “داعش” مع نهاية العام 2015. وكان ذلك عندما سحقت الطائرات الروسية ودفنت مركز قيادة لـ”داعش” وتحصينات تحت الأرض ومستودعات في مدينة حماة.
خلال مهتمتها عالية المستوى من نوع “طارد ودمِّر” ضد شاحنات البنزين التابعة للمتشددين، استطاعت القاذفات المقاتلة الروسية من طراز “أس يو-34” تدمير حوالي 500 شاحنة تحمل منتجات بترولية، بالإضافة إلى عشرات من مصافي التكرير النفطية ومزجتها بالرمال. وقد شكل ذلك ضربة قوية لشهية الحرب عند “داعش”، بالنظر إلى أن النفط كان مصدر دخل رئيسيا للتنظيم عن طريق بيعه غير القانوني في السوق السوداء.
في أواخر العام 2015 تقعقعت الصحراء السورية بسبب أقوى ضربات وجهتها الطائرات الاستراتيجية الروسية من طراز “تي يو 160″ و”تي يو-95 أم أس أس” والطائرة بعيدة المدى “تي يو-22 أم 3” التي أسقطت أكثر من 30 صاروخاً وأعداداً كبيرة من القنابل، لتدمر مراكز قيادة تابعة لوحدات من “داعش” في محافظتي إدلب وحلب، بالإضافة إلى معسكرات تدريب للمفجرين الانتحاريين. وفي صيف العام 2016، انطلقت قاذفات من طراز “تي يو– 22 أم 3” بعيدة المدى من قاعدة همدان الجوية في إيران، ونسفت مستودعات القنابل التابعة لـ”داعش”، بالإضافة إلى أهداف من المتشددين في حلب ودير الزور وإدلب. ودعمت الطلعات الجوية المنتظمة العملية السورية من البداية وحتى النهاية.
بالإضافة إلى الطيران، وضعت روسيا أيضاً سفنها القتالية وغواصاتها وأنظمتها الصاروخية الساحلية قيد الاستخدام الفعال في سورية. واختبرت بعض أنماط الأسلحة لأول مرة في ظل ظروف المعركة. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2016، على وجه الدقة، استخدم الجيش الروسي أنظمته الصاروخية الدفاعية الساحلية “باستون” ليمحو بشكل مشهود مستودعاً ضخماً للمتشددين بمساعدة صواريخ “أونيكس” المضادة للسفن.
وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2015، كانت البحرية الروسية مسؤولة عن هجوم حظي بتغطية واسعة، بصواريخ كروز من بحر قزوين، والذي أسفر عن إفناء مواقع تابعة للمتشددين في عرض غير مسبوق للقوة. وأطلقت الفرقاطة “داغستان” المسلحة بالصواريخ وسفينتا الدوريات المجهزتان بصواريخ صغيرة “غرادسفياجسك” و”فيليكي استياغ” حشداً ضخماً من صواريخ كروز “كاليبر”، التي عبرت فوق بلدان عدة قبل أن تضرب وتنسف أكثر من دزينة من الأهداف في الأراضي التي يسيطر عليها المتشددون. وفي حزيران (يونيو) 2017 أطلقت فرقاطتا البحرية الروسية “أدميرال اسين” و”أدميرال غريغوفيتش”، بالإضافة إلى الغواصة “كرازنودار” صواريخ كروز “كاليبر” على مراكز قيادية إرهابية ومستودعات ذخيرة في محافظة حماة، مما تسبب في تفجيرها.
وجاء الاستيلاء على حلب ليؤشر على نقطة الانعطاف الأخيرة لقوات الحكومة في سورية، والتي أصبح من الممكن بعدها سحب حوالي نصف التشكيلات الجوية من قاعدة حميميم الجوية في أيار (مايو) 2017 وإعادتها إلى الوطن.
صنع النصر
كان الطيران الروسي قادراً على إدارة ضربات جوية مستمرة ومن دون توقف ضد أهداف تعود للمجموعات الإرهابية في سورية. ومنذ بداية العملية العسكرية وحتى شهر أيلول (سبتمبر) 2017، نفذت الطائرات الروسية أكثر من 30.000 طلعة، وحوالي 92.000 هجوم ضد الإرهابيين.
سحقت الطائرات الروسية الإرهابيين بدعم فعال من أفضل قوة نخبة في الجيش الروسي وجنود القوات الخاصة، الذين نفذوا مهمات استطلاعية وصححوا تحركات الطيران والمدفعية، ودربوا الجنود والضباط السوريين، ونفذوا غارات في عمق أراضي العدو، ونصبوا كمائن لا تعد ولا تحصى على طول الطرق التي تسلكها قوافل الإرهابيين، وحيدوا زعماء العصابات الخارجة عن القانون. وكان لسفن وطائرات عملية “سيريان اكسبرس” دور مهم لعبته في إمداد الأسلحة والعربات المدرعة والذخائر للبلد المحاصر. وكان الأطباء الروس مسؤولين عن أعمال حقيقية من البطولة، والتي تمثلت في معالجة المدنيين والجنود الذين أصيبوا في الحرب.
ثمة دور ضخم لعبه الدبلوماسيون في حل الأزمة السورية، والذين أداروا عجلة المفاوضات في أستانة. وقد جعلوا من الممكن تأسيس مناطق خفض التصعيد في سورية والتي ما تزال عاملة بفعالية حتى اليوم.
من الطبيعي أن يكون الشعب السوري هو الذي كسب النصر الحقيقي -فقد قدم الروسي المساعدة ليذكره فقط بأنه من الممكن إلحاق الهزيمة بالعدو حتى ولو كان يتمتع بالدعم غير المشروط من الغرب.
ما التالي؟
في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، كشف النقاب عن أن القوات الروسية المتمركزة في قاعدة حميميم الجوية وفي القاعدة البحرية في طرطوس سوف تبقى هناك. وسوف يفتح تواجد هذه القوات الطريق أمام روسيا لمنع أي تهديد لشرقي البحر الأبيض المتوسط، وبالتالي ضمان التكافؤ الاستراتيجي الذي يضمن السلام طويل الأمد في هذه المنطقة الساخنة. وبينما تبقى عملية السلام السورية قيد العمل، فإن الحالة في البلد وحوله تعد هشة جداً. فما يزال اللاعبون الرئيسيون والمستفيدون من الحرب موجودين على الأرض ولا ينوون مغادرة الأراضي السورية. وتبعاً لذلك، فإن الهدف الرئيسي يكمن في منع أي أحد من “الطرف المهزوم” من تقويض المفاوضات ومن أجل تأمين برامج إعادة الإعمار التي تمس الحاجة إليها وتجديد واستقرار الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الطبيعية في سورية.

الغد