مساء الأربعاء الفائت في السابع من مارس/آذار الجاري، كان الخمسيني السوري أبو ياسر يحاول إنقاذ ابنه الذي تعرّض لضيق في التنفّس جراء استنشاق غاز الكلور السام الذي استخدمه النظام السوري في هجومه على مدينتي سقبا وحمورية وسط الغوطة الشرقية المحاصرة بريف دمشق منذ مايو/أيار 2013.
بالتزامن، كتبت الناشطة الصحافية ورد مارديني المقيمة في الغوطة الشرقية، منشوراً على صفحتها قالت فيه إن “في ريحة كلور يا جماعة … هذا ما قالته إحدى النساء ليسيطر الذعر والخوف على الملجأ… بدأ طفلي الرضيع يضيف نفسه ويسعل… وطفلي الآخر تحرقه عيناه وهذا حال الأطفال في الملجا… ماما عم أختنق قالها طفلي وانهارت أعصابي بعدها… طفلي يختنق أمامي ولا أستطيع نقله إلى المشفى… السعال سيطر على الجميع أكثر من 200 شخص معرضون للموت… ولا يستطيعون الخروج من الملجأ… استسلمنا لأقدارنا… فشاء قدر الله أن أبقى على قيد الحياة وأكتب لكم من جديد… شكرا يا الله لأنك معنا”.
أسفر الهجوم في تلك الليلة عن إصابة 124 مدنياً بحالات اختناق، وفقاً لإفادة الدفاع المدني السوري بريفدمشق” لـ “العربي الجديد”، بينما أوضحت الجمعية الطبية السورية الأميركية (سامز) والتي تعمل في مناطق المعارضة السورية، أن الليلة ذاتها شهدت وصول 29 مصاباً إلى مستشفى واحد من مشافيها داخل الغوطة، لافتةً إلى أن الحالات تنوّعت بين “ضيق التنفس الحاد، التعرق، احتقان، وسيلان الأنف الشديد والصفير عند التنفس” بحسب ما أكده لـ”العربي الجديد” الدكتور محمد كتوب، رئيس قسم المناصرة (المختص بالحملات الإعلامية ونشاطات الجمعية في وسائل الإعلام) بـ “سامز”.
هجمات متكرّرة بالأسلحة المحرمة
شن النظام السوري، ستّ هجمات كيماوية على الغوطة الشرقية (والتي تبلغ مساحتها الكلية 110 كيلومترات مربعة، تسيطر المعارضة على نصفها حيث يقطن 350 ألف نسمة وفقا للأمم المتحدة) منذ مطلع عام 2018 حتى الآن، بحسب الدكتور كتوب.
ووقعت ثلاث من هذه الهجمات بعد قرار مجلس الأمن الدولي وقف إطلاق النار في الغوطة الشرقية بتاريخ 24 فبراير/شباط الماضي، بينما وقع هجومان قبل القرار، وفقا لتوثيق “العربي الجديد”، وهو ما يؤكده مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، في إفادةٍ لـ “العربي الجديد”، قائلا “هجوم ليلة الأربعاء بالكلور السام على سقبا وحمورية لم يكن الأول من نوعه، بل كان الهجوم رقم 46 منذ عام 2012”.
وتابع عبد الغني: “إن الغوطة الشرقية هي أكثر منطقة شهدت هجمات كيماوية في سورية” مضيفاً أن النظام استخدم النابالم المصنف من بين الأسلحة المحظورة إذ تنص اتفاقية جنيف، الموقعة في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 1980، على أنه يحظر في جميع الظروف جعل السكان المدنيين بصفتهم هذه، أو المدنيين فرادى، أو الأعيان المدنية، محل هجوم بالأسلحة المحرقة، فيما يحظر في جميع الظروف جعل أي هدف عسكري يقع داخل تجمع مدنيين هدفاً لهجوم أسلحة محرقة.
وقبل الهجوم على سقبا وحمورية بيومين فقط، وتحديداً في منتصف ليل الاثنين 5 مارس، تعرّضت بلدة حمورية لهجوم بقذائف تحمل غاز الكلور السام، أسفر عن إصابة 32 مدنياً بحسب الدفاع المدني السوري.
وقبل هذا الهجوم بعشرة أيام، وتحديداً في مساء الخامس والعشرين من شهر فبراير الماضي، وصل 16 مريضاً إلى مستشفى تدعمه منظمة “سامز” ظهرت عليهم أعراض إصابة بسلاح كيماوي.
وذكرت المنظمة أن ستة أطفال كانت تنبعث منهم رائحة الكلور، ولديهم زرقة على الشفاه وزلة تنفّسية وتخرّش قصبي وتهيّج بالملتحمة، منهم طفل توفي وتظهرعليه علامات سقوط مواد ردمية.
اللافت أنه قبل هذه الهجمة بيومين تحديداً، نشرت قناة “الإخبارية السورية” الموالية للنظام استطلاعاً للرأي قالت فيه: “هل تعتقد أن منظمة الخوذ البيضاء التي أسّستها المخابرات البريطانية ستقدم من جديد على تنفيذ هجوم كيميائي في الغوطة؟”.
وفي الأول من فبراير أيضاً، تعرّضت مدينة دوما في الغوطة لهجوم بغازات سامة، وبحسب شهادات من مواطنين صحافيين لـ “العربي الجديد” فإن خمسة صواريخ تحمل غاز الكلور، استهدفت دوما في الخامسة صباحا ما أسفر عن إصابة ثلاثة مدنيين بينهم امرأة، وفي الثاني والعشرين من يناير/كانون الثاني 2018، تعرّضت الأحياء الواقعة شمال دوما لقصف بغازات سامة ما أسفر عن إصابة 21 مدنياً”.
وفي الثالث عشر من يناير 2018 تعرّضت منطقة سكنية تقع بين حرستا ودوما إلى قصف بغاز الكلور أيضاً، ما أدّى إلى وقوع ست إصابات بحالات اختناق بين المدنيين بينهم نساء وأطفال، وفقاً لمركز الغوطة الإعلامي (تابع للمعارضة السورية).
انتهاك ثلاثة قرارات دولية
في 27 سبتمبر/أيلول من عام 2013، وبعد ارتكاب النظام السوري مجزرة الغوطة التي قُتل على إثرها أكثر من 1300 مدنياً، أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2118 والذي دان استخدام الأسلحة الكيمياوية في الغوطة الشرقية، وطالب النظام بتسليم مخزونه من هذه الأسلحة، فيما لم يحدد القرار الذي اطلع عليه معد التحقيق، الجهة التي نفّذت الجريمة، بينما فرضت المادة 21 من هذا القرار، إجراءات مشدّدة تحت الفصل السابع في حال استخدام النظام السوري الأسلحة الكيماوية.
ثم أصدر مجلس الأمن القرار رقم 2209 الذي دان استخدام الأسلحة الكيماوية في سورية بما فيها غاز الكلور، قائلاً: “إن استخدام الكلور يعتبر هجوما كيماويا يجب التعمل معه كالسارين” وأيّد إرسال بعثة لتقصّي الحقائق إلى سورية.
أما القرار الثالث، فهو القرار رقم 2235، وكانت مهمته تحديد هوية الفاعلين، وأعطى القرار الضوء الأخضر، لإنشاء آلية تحقيق مشتركة لتحديد الأفراد والكيانات والجماعات والحكومات المسؤولة عن استخدام الأسلحة الكيماوية.
وكان من أهم قرارات اللجنة المشتركة برئاسة السويدي أوكا سالستروم، إثبات مسؤولية نظام الأسد عن هجوم خان شيخون الكيماوي والذي تسبب بمقتل 83 شخصا، بحسب الامم المتحدة، و87، بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان، بينهم 30 طفلا، “الأمر الذي يستدعي تنفيذ البند رقم 21 بالقرار رقم 2118 الداعي للتدخّل تحت البند السابع، غير أنه لم يحدث أي تحرّك إذ استمر النظام في استخدام ذات الأسلحة ضد أهالي الغوطة” بحسب توثيق الجهات الحقوقية السورية.
لكن عمل اللجنة تم تجميده بموجب حق النقض (الفيتو) من قبل روسيا بتاريخ السادس عشر من نوفمبر2017، لتنتهي مهمة اللجنة التي كانت مسؤولة عن تحديد هوية الفاعل، والتي انخفض عدد الهجمات الكيماوية في عموم سورية خلال فترة عملها، كما يقول الدكتور محمد كتوب رئيس قسم المناصرة في الجمعية الطبية السورية الأميركية.
خرق قرار مجلس الأمن
تبنى مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2401، مساء 24 فبراير الماضي ولم تمض سوى ساعات قليلة، حتى عاود النظام السوري وحلفاؤه عمليات القصف وفي كثير من الأحيان ارتفعت وتيرة القصف وشدته عما كانت عليه قبل قرار مجلس الأمن، “وعلى الرغم من أن القرار قد نص على هدنة تستمر 30 يوما والسماح بدخول مساعدات إنسانية غير مشروطة، قامت روسيا بتفسيره حسب أهوائها وحددت هدنة مدتها 5 ساعات لكن حتى هذه المدة لم توقف القصف خلالها وكل ذلك يشكل إهانة قاسية لبقية الدول الأعضاء في مجلس الأمن”، وفقا لتقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان الصادر في مارس الجاري.
وشملت تلك الهجمات قصفا بالأسلحة الكيماوية بالإضافة إلى الهجمات بالسلاح التقليدي، بما في ذلك الغارات الجوية والصواريخ أرض أرض من نوع جولان والقصف عبر راجمات الصواريخ والبراميل المتفجرة والمدفعية والهاون، كما يقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان لـ “العربي الجديد مضيفا: “إن الإضافة النوعية في هذا القرار هي أنّها دعت لإيقاف العنف لمدّة 30 يوماً، أما بقية الأمور فهي منصوص عليها أصلاً بالقانون الدولي الإنساني” والذي لم يتوقف النظام عن تجاهله، ويرجع عبد الغني ذلك إلى أن القرار”لا يحتوي على صيغة جزائية وفي حال عدم التنفيذ لا يوجد أي عقوبات لأنه غير ملزم عملياً، ما دفع النظام وروسيا لانتهاك القرار، لأنهما يعرفان جيّداً بعدم وجود رد فعل حقيقي على انتهاك القرار.
عمار الحلبي
صحيفة العربي الجديد