على وقع استمرار اتفاقات الإجلاء من محيط دمشق، ومع اقتراب النظام السوري من إحكام سيطرته على العاصمة ومحيطها للمرة الأولى منذ عام 2012، حذّر معارضون من أن الاتفاق الأخير لإجلاء هيئة تحرير الشام (جبهة النُصرة سابقاً) من المناطق التي تسيطر عليها في مخيم اليرموك، يندرج في إطار مشروع إيراني كبير للسيطرة على دمشق وإحداث تغيير ديموغرافي كبير، مع نيات لإنشاء «ضاحية جنوبية جديدة» تمتد من داريا غرباً إلى السيدة زينب شرقاً، يكون فيها السكان الأصليون أقلية بعد نزوح مئات الآلاف منهم إلى دول الجوار.
يأتي ذلك في وقت اعتبر رئيس النظام السوري بشار الأسد، أن «المنطقة عموماً تعيش مرحلة إعادة رسم كل الخريطة الدولية»، وذلك خلال اجتماعه مع رئيس لجنة الأمن القومي الإيراني علاء الدين بروجردي الذي تعمل بلاده على إحداث تغيير ديموغرافي يضمن هيمنتها على المناطق الجنوبية للعاصمة السورية، وسيطرتها على الطرق الواصلة من طهران إلى بيروت مروراً ببغداد ودمشق.
ومع تضارب الأنباء عن حجم الخسائر الناجمة عن الضربة التي استهدفت مساء الأحد مواقع في ريفي حماة وحلب تضم مقاتلين من إيران وميليشيات تابعة لها، نفى الأردن أنباء عن أن القصف جاء من أراضي المملكة، فيما اعتبر الأسد أن «ما نشهده من تصعيد للعدوان على سورية لن يزيد السوريين إلا تصميماً للقضاء على الإرهاب، والتمسك بسيادتهم وحقهم في رسم مستقبلهم بأنفسهم»، في حين تحدث بروجردي عن «صلابة محور المقاومة ومحاربة الإرهاب».
وواصل النظام السوري أمس استهداف الحجر الأسود والتضامن ومخيم اليرموك بالطائرات والصواريخ والمدفعية، كما بدأ تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق لخروج مسلحي «النصرة» من المناطق التي تسيطر عليها في مخيم اليرموك إلى إدلب، وتسليم مواقعها إلى الجيش السوري وحلفائه، مع إطلاق 85 معتقلاً من العسكريين والمدنيين لدى التنظيم، ونقل 1500 من أهالي الفوعة وكفريا إلى ريف دمشق، على أن يصل عدد الخارجين إلى 5 آلاف بنهاية العملية.
ورفضت المعارضة السورية الصفقة، واعتبرتها «حلقة جديدة في سلسلة التهجير والتغيير الديموغرافي عبر اقتلاع المكوّن الشيعي في كفريا والفوعة، ونقله إلى أطراف دمشق»، التي شهدت خروج عشرات الآلاف في الأشهر الأخيرة بموجب اتفاقات إجلاء.
وقال الناطق باسم هيئة التفاوض لقوى المعارضة والثورة إن «أزلام النظام المزجوجين في النصرة وداعش، يُستخدمون ذرائع لتدمير المناطق وتهجير أهلها، ثم يوقعون اتفاقاً». في المقابل، رفض عددٌ من أبناء بلدتي كفريا والفوعة الاتفاق الذي «يقتلعهم من أرضهم، وينهي وجودهم في أراضيهم».
وأرجأت مخاوف من عدم التزام «النُصرة» الاتفاق، إضافة إلى رغبة أهالي البلدتين بالمغادرة دفعة واحدة وعدم انتظار دفعة ثانية، تنفيذَ الاتفاق على رغم دخول الباصات إلى اليرموك وكفريا والفوعة بالتزامن مساءَ الإثنين.
ولم تستبعد مصادر معارضة «تسرّب عناصر من داعش وخروجها مع مقاتلي النصرة في إطار الصفقة مع النظام». ويتراوح عدد عناصر النصرة في المخيم بين 120 و200، إضافة إلى عائلاتهم. وحذرت مصادر في يلدا في اتصال أجرته معها «الحياة»، من أن «قسماً من عائلات داعش تسرّب إلى يلدا، وكذلك إلى مناطق سيطرة النُصرة في الجزء الشمالي من اليرموك». لكن المصادر رجحت «استمرار النظام في قصف المخيم والحجر الأسود في إطار مخطط التدمير الممنهج».
إلى ذلك، واصل طيران النظام ومدفعيته استهداف ريف حمص الشمالي، في أكبر جيب تسيطر عليه المعارضة المسلحة غير المرتبطة بتنظيمي «داعش» و «النصرة»، تزامناً مع اجتماعات بين الروس ووفد من فصائل المنطقة خلصت إلى تثبيت الهدنة واستئناف المفاوضات اليوم.
صحيفة الحياة اللندنية