ويبدو أن التفاعل الغربي مع ما كشف عنه نتنياهو استدعى قيام وفود استخباراتية من كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا للذهاب إلى إسرائيل، بغية الاطلاع ودراسة المواد الاستخباراتية الجديدة التي حصلت عليها بشأن البرنامج النووي الإيراني، وصورتها جهاز الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) بمثابة “الكنز الدفين” الذي حرص نتنياهو على توظيفه داخلياً وخارجياً، وسارع إلى الكشف عنه قبيل الموعد المقرر لإعلان الرئيس ترامب قبل الثاني عشر مايو/ أيار قراره بشأن الاتفاق النووي، وهو يأمل في أن يؤثر ذلك على قراره، وعلى حثه للانسحاب من الاتفاق وإلغائه تماماً، وليس تعديله.
ويبدو أن إسرائيل تستعد لحربٍ مع إيران، وتحضر لها في الداخل وفي الخارج، إذ أن الجيش الاسرائيلي بات منذ مدّة في حالة تأهب قصوى، فيما تحول الداخل الإسرائيلي إلى ما يشبه
القاعدة العسكرية المغلقة، بعدما وظف ساسة إسرائيل التصريحات النارية لقادة نظام الملالي الإيراني داخلياً، كي يشعر الإسرائيليون وكأنهم باتوا مجدّداً على شفير حرب وجودية. وهذا يتماشى مع طبيعة الدولة العبرية القائمة على الحرب وظيفة وأداء، إذ من دون حربٍ لا يمكن فرض التماسك على تركيبتها الاجتماعية، ولا يمكن كذلك المضي في تأكيد هويتها التي تشكل العسكرة، في أشد أشكالها تطرّفاً، مكوناً بنيوياً أساسياً من مكوناتها ونشأة كيانها.
وإن كانت نذر الحرب كثيرة ما بين إسرائيل ونظام الملالي الإيراني، إلا أن السؤال يطاول توقيت اندلاعها، وهل ستكون محدودةً وعلى الأرض السورية فقط، أم أنها قد تتمدّد وتشمل الإقليم برمته، وهذا ما يلمح إليه الساسة الأميركيون، ويثير لديهم خوفاً متزايداً من استعدادت الساسة والعسكريين الإسرائيليين للحرب، لذلك كان مستغرباً أن يزور قائد القوات المركزية الأميركية (سينتكوم) جوزيف فوتيل إسرائيل أخيرا، ثم الزيارة الأولى لوزير الخارجية الأميركي الجديد، مايك بومبيو، لها، ضمن جولته الخارجية الأولى إلى بعض دول المنطقة، فور تقلده منصبه الجديد.
ويمكن أن يكون الهدف من هذه التحركات مجتمعة هو تدارس الأوضاع والتنسيق ما بين ساسة الولايات المتحدة الأميركية ونظرائهم الإسرائيليين بشأن إيران، وسبل مواجهتها والوقوف في وجهها، وخصوصا في ظل تصريحات أركان الإدارة الأميركية وأحاديثها، والجدد منهم خصوصا، حول ضرورة الحدّ من النفوذ الإيراني في المنطقة، وتقليم أظافرها المليشياوية فيها.
من جهة أخرى، يمكن القول إن نذر الحرب ما بين إسرائيل ونظام الملالي الإيراني تزاد تواتراً بعد حديث ساسة نظام الملالي حول “الرد المزلزل” على الهجمات الجوية الإسرائيلية المتكرّرة لمواقع إيرانية في سورية، وخصوصا بعد الهجمات الأخيرة على مخازن الصورايخ الإيرانية في ريفي حماة وحلب، ومقتل عشرات الضباط والخبراء العسكريين الإيرانيين، وقبلها مقتل عديدين من خبراء الطائرات المسيرة “الدرون”، في القصف الإسرائيلي على مطار التيفور في البادية السورية.
ولعل تتالي الضربات العسكرية الإسرائيلية على مواقع إيرانية في سورية، وسقوط قتلى إيرانيين، يفيد بأن الحرب ما بين إسرائيل ونظام الملالي الإيراني قائمة بالفعل، ويمكن توصيفها بالحرب ذات البعد الواحد، أو الطرف الواحد، حيث تستهدف إسرائيل أي موقع على الأراضي السورية لإيران، أو لمليشيات حزب الله أو للنظام السوري، في ظل تنسيق أو على الأقل عدم اعتراض روسي عليها، وهذا يطرح أسئلةً عن طبيعة التحالف الروسي الإيراني في سورية، خصوصا وأن كل الهجمات الإسرائيلية جرت في ظل عدم تفعيل منظومات الصوايخ الروسية من نوع إس 300 وإس 400، التي تصاب بالعمى حين تطلق المقاتلات الإسرائيلية صواريخها على المواقع الإيرانية في سورية.
وإن كانت الحرب التي تشنها إسرائيل ذات طرف واحد مهاجم، هو إسرائيل، وطرف متلق هو نظام الملالي الإيراني وحليفه الأسدي المجرم، فإن المتوقع هو امتدادها إلى خارج الأراضي
السورية، ربما إلى لبنان، أو قد تتحول إلى حرب شاملة أو مفتوحة، لكن ما يكبح هذا التوقع هو عدم امتلاك نظام الملالي القدرة عسكرياً على خوض حربٍ مفتوحةٍ ومباشرة مع إسرائيل، وكل التصريحات التي يخرج بها عسكريو نظام الملالي وسياسيوه ويكرّرون فيها الكلام الفارغ عن إبادة إسرائيل ومحوها من الوجود هي للاستهلاك الداخلي الإيراني، الذي يعاني الأمرين من تبعات تدخلات نظام الملالي الإقليمية، وصرفه مليارات الدولارات على التسلح، وعلى المليشيات الطائفية، اللبنانية والعراقية والأفغانية وسواها.
ولعل صمت نظام الملالي الإيراني على الخسائر البشرية التي بات يتلقاها من جراء الهجمات الإسرائيلية، فضلاً عن الخسائر المادية، وعدم قيامه بأي رد يذكر، يفسر عدم قدرته على خوض حرب حقيقية ضد إسرائيل وعدم سعيه إليها، إذ تعوّد هذا النظام على الحروب بالواسطة أو بالوكالة، حيث استخدم على الدوام أذرعه الأخطبوطية المليشياوية في لبنان عن طريق حزب الله وفي سورية عن طريق مليشيات نظام الأسد وسواه من القوى المليشياوية الأخرى، وهو اليوم في حالة ترقب وانتظار 12 مايو/ أيار الجاري، حيث من المرجح أن يقرّر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، التخلي عن الاتفاق النووي، وسنرى وقتها مدى صدقية تصريحات وتهديدات جنرالات نظام الملالي التي أشبعتنا كلاماً عن أن “صواريخها جاهزة للإطلاق”، وستقوم بـ”استهداف المصالح الحيوية للأعداء في أي مكان”، وما إذا كان الإسرائيليون، بالفعل، محاصرين، ولن يجدوا مكانا يفرّون إليه “سوى رمي أنفسهم في البحر”.