يرى مسؤولون ومحللون أن المحافظين في إيران يستعدون لزيادة الضغوط على الرئيس حسن روحاني، إذا ما قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلغاء الاتفاق النووي الإيراني مع القوى العالمية.
وكان ترامب قد هدّد بإلغاء الاتفاق النووي الموقع عام 2015 باتخاذ قرار عدم التمديد لتخفيف العقوبات المفروضة على إيران عندما ينتهي العمل بقرار سابق في 12 مايو، إذا لم “تصلح” بريطانيا وفرنسا وألمانيا “العيوب الرهيبة” في الاتفاق.
وقال مسؤولون إيرانيون إن ذلك يمهد الطريق أمام عودة الاقتتال السياسي داخل الهيكل المعقد للسلطة في إيران. وإلغاء الاتفاق قد يجعل ميزان السلطة في صالح المحافظين الذين يسعون لتقييد قدرة روحاني المعتدل نسبيا على الانفتاح على الغرب.
وقال مسؤول إيراني كبير إن الأضواء ستسلط على القرار الذي سيتخذه ترامب لكن سيكون هناك استعراض لوحدة الموقف في طهران. وأضاف “ولكن عندما تنتهي الأزمة سيحاول المحافظون إضعاف الرئيس وتهميشه”.
وقال أحد أقارب الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي إنه لا يمكن للرئيس أن يتوقع أي ضعف في نظام حكم رجال الدين في إيران نتيجة الغموض المحيط بالاتفاق النووي مما يعني أن “روحاني سيكون في وضع الخاسر”.
إذا انهار الاتفاق النووي، فإن أي سلطة يملكها روحاني للحد من هذا التدخل ستتقلص بشكل أكبر، مما سيعطي دفعة للمحافظين الذين يريدون كبح سلطات الرئيس
والمخاطر كبيرة بالنسبة لروحاني. وإذا انهار الاتفاق فإنه قد يصبح ضعيفا من الناحية السياسة لأنه روّج للاتفاق الذي أدى إلى رفع العقوبات غير النووية مقابل كبح طهران لبرنامجها النووي.
وقال المحلل السياسي حميد فرح فاشيان “سيؤدي ذلك أيضا إلى رد فعل عنيف ضد المعتدلين والمؤيدين للإصلاح الذين دعموا سياسة التقارب مع الغرب التي انتهجها روحاني، وستتلاشى أي آمال للتحديث في البلاد في المستقبل القريب”.
لكن الأمر ينطوي على توازن حساس. فخامنئي يدرك أن الإيرانيين، الذين تظاهر الكثيرون منهم في الشوارع هذا العام احتجاجا على ارتفاع أسعار الغذاء، لا يمكنهم تحمل ضغوط اقتصادية كبيرة.
غير أن المؤسسة لا تريد الكثير من الانفتاح على الغرب رغم الفوائد الاقتصادية المحتملة. وقال مسؤول كبير آخر إن روحاني الضعيف غير القادر على تطبيق مثل هذه السياسات سيكمل على الأرجح فترته التي تنتهي في عام 2021.
وقال المسؤول “عزله سيكون علامة على ضعف النظام. سيضر بشرعيته في الخارج. لكن سيلقى عليه اللوم وسيواجه ضغوطا بسبب الضائقة الاقتصادية”.
وكان خامنئي قد منح روحاني دعما حذرا عندما فتح الرئيس المجال للدبلوماسية النووية مع القوى العالمية من أجل إنهاء العزلة السياسية والاقتصادية لإيران. لكن نفور الزعيم الأعلى من الولايات المتحدة يظل حاجزا ضخما في طريق أي حل دبلوماسي الآن، لذلك فإن انسحاب ترامب سيجعل من الصعب على روحاني السعي وراء علاقات أفضل مع الغرب.
وقال مسؤول آخر في الحكومة الإيرانية “ستجعل السياسات الداخلية من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، على روحاني السعي وراء التقارب مع الغرب وتقديم تنازلات مقابل مكاسب اقتصادية”.
وحاولت الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق إقناع ترامب بعدم الانسحاب منه لأنها تريد الحفاظ على تجارتها مع إيران.
وعلى الرغم من التهديد بالانسحاب إذا وأد ترامب الاتفاق، فإن مسؤولين إيرانيين قالوا إنه “طالما لم تستبعد طهران من النظام المالي والتجاري العالمي” فإنها قد تفكر في الالتزام بالاتفاق. لكنّ الكثير من الشركات الأجنبية تحجم عن الاستثمار في إيران لقلقها من العقوبات الأميركية أحادية الجانب على الجمهورية الإسلامية، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان والإرهاب وهيمنة الحرس الثوري على اقتصاد البلاد.
هذه نقطة أخرى تعرّض روحاني للخطر. وسعى الرئيس الإيراني دون نجاح يذكر إلى كبح أنشطة الحرس الثوري الإيراني الاقتصادية، من أجل جذب الاستثمار الأجنبي. ولكن الحرس الذي يقوده خامنئي تجاهل محاولات الحكومة للحد من تدخله في الاقتصاد.
وإذا انهار الاتفاق النووي، فإن أي سلطة يملكها روحاني للحد من هذا التدخل ستتقلص بشكل أكبر، مما سيعطي دفعة للمحافظين الذين يريدون كبح سلطات الرئيس.
وأبلى الحرس الثوري الإيراني بلاء حسنا منذ رفع العقوبات المرتبطة بالاتفاق النووي، وذلك عن طريق شركات واجهة ليست لها صلة واضحة بالحرس لتكون بمثابة وسيط للمستثمرين العائدين لإيران. وإذا أُعيد فرض العقوبات نتيجة لانهيار الاتفاق النووي، فإن الحرس الثوري في وضع جيد لتفاديها.
وقال دبلوماسي غربي في طهران “بالنظر إلى شبكة أعماله الواسعة ونفوذه السياسي والعسكري، فإن الحرس الثوري الإيراني سيعود سريعا لتفادي العقوبات كما ظل يفعل لسنوات في الماضي”.
وكان الحرس الثوري قد تدخل عندما أوقفت شركات النفط الأوروبية مشروعات الطاقة بعد أن فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي العقوبات على إيران عام 2012. لكن خبراء يقولون إنه حتى في وجود مظلة الحرس الثوري الذي اكتسب القوة قد يتردّد المحافظون في تطبيق سياسات قاسية خشية إحياء الاحتجاجات المناهضة للحكومة في يناير، التي أوضحت أن المؤسسة الحاكمة هشة أمام الغضب الشعبي الذي تؤججه المصاعب الاقتصادية.
العرب اللندنية