خلال زيارة الرئيس الفرنسي إلى واشنطن في الأسبوع الماضي، أرسل الرئيس ترامب إشاراتٍ متضاربة حول مستقبل الاتفاق النووي مع إيران. فقد وصف الاتفاق بـ “الجنوني” و”التافه”، ولكنه قال إن واشنطن قد تتوصل إلى تفاهم جديد مع باريس والعواصم الأوروبية الأخرى “بسرعة كبيرة”، وأنه ملتزماً بـ “المرونة”.
وإذا أُخِذت هذه التصرفات سوية، فإنها تعكس [الشخصية] الكلاسيكية لترامب. فهو الذي يتفاخر بإثارة حيرة الحلفاء والخصوم على السواء حول خطوته التالية. وعندما سيأتي 12 أيار/مايو، وهو الموعد المحدد في القانون لتمديد الاعفاءات من العقوبات، سيبقى من غير المعلوم ما إذا كان سيلغي اتفاقاً سَخَر منه منذ فترة طويلة ووصفه بأنه أسوأ صفقة تم التفاوض بشأنها على الإطلاق – غير أنّ ما كشفته إسرائيل مؤخراً عن أرشيف إيران النووي السري سيعزز بالتأكيد الحجج الداعية إلى “إلغاء الاتفاق”.
ولكن إذا [قرر] الرئيس الأمريكي سحب الولايات المتحدة من الاتفاق واكتفى بسرد ما يشوبه من عيوب، فلن يحظى حتى بتهليل منتقدي الاتفاق (بمن فيهم كاتب هذه السطور). إذ لا يوفّر الانسحاب وحده نهجاً بديلاً لمنع إيران من امتلاك قدرات [لإنتاج] أسلحة نووية. كما أن الانسحاب وحده لا يفسّر كيف ستردّ الولايات المتحدة على ردود فعل الأصدقاء والخصوم، بمن فيهم إيران. بالإضافة إلى ذلك، لا يوفّر الانسحاب وحده دليلاً على الأهداف العامة للإدارة الأمريكية تجاه إيران والسياسات اللازمة لتحقيقها.
بعبارةٍ أخرى، يشكل الانسحاب من الاتفاق خطوة وليس استراتيجية. ونحن بحاجة إلى استراتيجية للتعامل مع إيران.
وإذا قرر الرئيس الأمريكي الانسحاب من الصفقة النووية، ستتبلور أربعة خيارات رئيسية حول الاستراتيجية تجاه إيران:
التفاوض على اتفاق أفضل يقوم بتصحيح عيوب الاتفاق الأصلي من خلال تضمين قيود دائمة على التخصيب، وفرض حظر على تطوير الصواريخ الباليستية واعتماد نظام تفتيش أكثر تقحماً. وقد يتطلب ذلك ورقة ضغط تُجبر إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات، ويشمل ذلك إعادة فرض العقوبات التي وضعتها الأمم المتحدة والولايات المتحدة، وربما فرض غرامات ثانوية على الدول التي لا تقلّص مشترياتها من النفط الإيراني إلى مستويات منخفضة بما فيه الكفاية.
وعلى خلاف مناورة الرئيس أوباما التي سعت إلى عرض الاتفاق الإيراني على أنه “اتفاق تنفيذي”، يتعين على الرئيس ترامب أن يَعِد بتقديم أي اتفاق إلى مجلس الشيوخ على أنه معاهدة، الأمر الذي سيعزز الضغط على الشركاء الأوروبيين للولايات المتحدة كي يساعدوا على التوصل إلى اتفاق يستأهل عدد الأصوات المطلوبة بموجب الدستور، أي 67 صوتاً.
التفاوض على اتفاق أكثر أهمية لا يقوم فقط بإصلاح العيوب في الاتفاق القديم، بل يتناول الأنشطة الإقليمية الإيرانية الخبيثة أيضاً. وفي هذا الصدد، أدّى دعم طهران للإرهاب والتخريب والميليشيات الشيعية في سوريا والعراق إلى تغيير الوضع الأمني في المنطقة، مما أثار قلق العرب والإسرائيليين على حد سواء. إن التوصل إلى اتفاق أكثر طموحاً سيكون أكثر تعقيداً، إلاّ أنّ النجاح سيشكّل تأكيداً مثيراً للقيادة الأمريكية – ولبراعة الرئيس ترامب في إبرام الصفقات.
إطلاق سياسة تسعى إلى تغيير النظام. قد يأتي هذا النهج الجريء نتيجة تقييمٍ يبرز فيه فساد النظام في طهران، بحيث لن ينفع معه أي اتفاق. ويمكن للرئيس الأمريكي أن يجادل بأن سعي إيران للسيادة الإقليمية يشكل خطراً واضحاً وشاملاً على المصالح الأمريكية. وبطبيعة الحال، قد تأخذ الجهود الرامية إلى إحداث تغيير في النظام أشكالاً عديدة، مع استبعاد احتمال قيام مواجهة عسكرية. ولكن من شأن تحديد الهدف فقط أن يرسم مساراً جديداً للانخراط الأمريكي في الشرق الأوسط.
تنفيذ استراتيجية الانكماش في الشرق الأوسط تقلّص بموجبها الولايات المتحدة تعرّضها للمشاكل الخطيرة والمستعصية في المنطقة. وربما كان أوباما قد صمّم الاتفاق النووي كأداة لانتشال أمريكا من مستنقع الشرق الأوسط، لكن قد يجادل ترامب بأن الولايات المتحدة ما زالت عالقة هناك كما كان الحال دائماً. ويمكن أن يتصوّر المرء قيام الرئيس الأمريكي بإعطاء تصريح يقول فيه، “دعونا لا نكون ملزمين مثل جليفر باتفاق مرهِق يبقينا مقيّدين بإيران لسنوات قادمة”، مضيفاً “دعونا نتمتع بِحرية اختيار المكان والزمان المناسبين للتصرف”.
وفي هذا السيناريو، ستواصل الولايات المتحدة تقديم (أو، حتى أفضل من ذلك، بيع) الأسلحة إلى حلفائها المحليين لكي يتمكنوا من مواجهة إيران ووكلائها. ويمكن للرئيس الأمريكي أن يربط الانسحاب من الاتفاق النووي بعقيدة الردع الجديدة التي تنص على ما يلي: أي دليل على قيام إيران بتخصيب المواد الانشطارية إلى درجة تتخطى مستوى معيّن من شأنه أن يؤدي إلى قيام الولايات المتحدة بعملية عسكرية ضخمة تهدف إلى إنهاء النظام.
وعلى الرغم من أن هذه الخيارات تطال طيف السياسات، إلّا أنه ليس من الصعب تصوّر تأييد ترامب لأي منها. وهذا خير دليل على غياب التماسك الاستراتيجي في الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بإيران والشرق الأوسط على نطاق أوسع.
وإذا اختار الرئيس الأمريكي الانسحاب من الاتفاق، فستتمثل الخطوة الصحيحة في شمل هذا القرار في استراتيجية جديدة [تهدف إلى] التوصل إلى اتفاق أفضل. وستؤدي هذه المقاربة إلى تقليل المتاعب بين أصدقاء الولايات المتحدة في أوروبا، حيث يشارك بعضهم قلق واشنطن بشأن عيوب الاتفاق الحالي، كما أنها تتمتع بفرصة أفضل للنجاح.
إلا أنّ هذا ليس كافياً. يتعين على الرئيس الأمريكي أن يعزز سياسة تتمثل [بالتوصل إلى] “اتفاق أفضل” يضم العناصر الأساسية للخيارين الثاني والثالث، من دون تحمّل التكلفة السياسية لتبنّي تلك المسارات الأكثر تطرفاً بشكلٍ علني وكامل. يجب أن يتضمن ذلك اعتماد تدابير أكثر فعالية وأكثر حزماً لمواجهة سلوك إيران المزعزع للاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط، فضلاً عن اتخاذ مبادرات جديدة – في مجال حقوق الإنسان والحرية الدينية والوصول إلى شبكة الإنترنت، على سبيل المثال – التي تضع أمريكا بشكل مباشر إلى جانب الإيرانيين الذين يناضلون من أجل الحرية. وقد تشكّل هذه المقترحات مجتمعة سياسةً حقيقيةً تجاه إيران – هي الأولى منذ عقود – وليس مجرد سياسة نووية تجاه إيران.
وهناك خطوة خاطئة أيضاً، وهي رد الفعل البغيض المتمثل بالانسحاب من المنطقة خلف جدار من التهديد والتوعّد. ففي نهاية المطاف، لا يقوم الانخراط الأمريكي في الشرق الأوسط على الغيريّة. فإلى جانب دعم مصالح الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين، يكمن الهدف الأناني لواشنطن في حل المشاكل هناك قبل أن يتم تصديرها إلى الولايات المتحدة.
لنأمل أن يستمدّ الرئيس الأمريكي قراره بشأن الاتفاق النووي من خيار استراتيجي سليم ومعقول تجاه إيران، وليس من حافز انعزالي مضلّل أو من عدائية متأصلة تجاه الإنجاز الذي حققه سلفه.
روبرت ستاتلوف
معهد واشنطن