بغداد – مهّد لقاء رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي فازت قائمته “سائرون” بالمرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية، للقاء قريب يجمعهما برئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني وزعيم القائمة الوطنية إياد علاوي.
وكشفت مصادر مطلعة في بغداد لـ”العرب”، أن “لقاء الصدر بالعبادي، أوضح جزءا واسعا من ملامح الكتلة البرلمانية الأكبر، بغض النظر عن اسم المرشح لمنصب رئيس الوزراء في الحكومة القادمة”.
وعقد في بغداد لقاء بين العبادي والصدر بالتوازي مع لقاء في أربيل جمع زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني بزعيم القائمة الوطنية إياد علاوي، إذ بحث الزعيمان مستقبل التحالفات.
وتقول المصادر إن “هذين المسارين يكادان يلتقيان”، مشيرة إلى أن “الأيام القليلة القادمة ستشهد طرح فكرة تحالف رباعي بين الصدر والعبادي والبارزاني وعلاوي”. ولا تستبعد هذه المصادر عقد لقاءات بين هذه الزعامات في أربيل أو النجف قريبا.
ويدعم الزعماء الأربعة قوائم انتخابية تضم ممثلين عن جميع ألوان الطيف العراقي، سواء الأكثرية أو الأقليات، فيما يصف مراقبون هذا التحالف بأنه “خلطة مثالية للتمثيل النسبي لجميع مكونات الشعب العراقي”.
واعتبر مراقبون أن مسعود البارزاني استعاد جزءا من معنوياته بعد تحقيقه نتائج قوية في الانتخابات العراقية، بعد أن اختفى عمليا عن المشهد السياسي بعد الهزيمة العسكرية لقواته في كركوك ما بعد الاستفتاء في العام الماضي. وهذا التجدد في نشاط البارزاني المخضرم سيجعل من جهود الثنائي الصدر – العبادي أسهل لأن ثمة “حسابا” يصفيه الزعيم الكردي مع إيران والتابعين لها من الأكراد.
ورقميا، يحتكم القادة الأربعة على نحو 150 مقعدا في البرلمان العراقي المكون من 329 نائبا، ما يعني حاجتهم إلى نحو 15 مقعدا فقط لضمان أغلبية “النصف + 1″ اللازمة لتمرير الكابينة الوزارية الجديدة، وهو أمر في المتناول، نظرا لاستعداد العديد من النواب مغادرة قوائمهم للالتحاق بالائتلاف القادر على تشكيل الحكومة، كما درجت العادة.
الصدر يدعم بقاء العبادي في منصبه في حال تعهّد بقطع صلته بحزب الدعوة
ويرى مراقب سياسي عراقي في مرحلة “عودة الوعي” التي عبر عنها الشعب العراقي، سواء من خلال مقاطعته للانتخابات أو رفضه الاقتراع للكثير من رموز المرحلة السابقة فإن مَن يلتحق بالخطاب الوطني المتوازن الذي تبنته كتلة “سائرون”، سيحظى لا بالقبول الشعبي فحسب بل وأيضا بدعم قوى إقليمية وعالمية عديدة صارت تعلن عن ميلها إلى تحجيم دور إيران في المنطقة ودفعها إلى تقديم تنازلات حرصا على سلامتها وسلامة شعبها. وهو ما يعني أن أي كتلة تتجه إلى الدخول تحت مظلة المالكي ــ العامري تعمل على حرق أوراقها بطريقة مجانية.
وتوقع المراقب في تصريح لـ”العرب” أن يفضل العبادي وعلاوي والبارزاني تحالف “المضطرين” مع الصدر على تحالف مع المالكي والعامري يكونون فيه مجرد أدوات في صراع إيران الانتحاري مع العالم.
إلا أن بعض المراقبين يحذرون من الإفراط في التفاؤل في ما يتعلق بـ”مسار تشكيل الكتلة الأكبر”، لا سيما مع حصول قوائم قريبة من إيران على أرقام برلمانية وازنة، قد تمكنها من “قلب الطاولة على خصومها في أي لحظة”.
وتقول المصادر إن “معظم القوائم لديها خطوط تفاهمات في اتجاهات متعارضة”، ما يؤكد “حالة اللايقين التي تمر بها العملية السياسية العراقية بشأن مستقبل التحالفات”.
وبعد عدة أيام من الأخذ والرد بشأن الزمان والمكان المناسبين، توصل رئيس الوزراء حيدر العبادي وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، إلى حل وسط لتنظيم لقاء عاجل بينهما يحفظ لكل منهما شكله العام ولا يظهره في زي الساعي خلف الآخر.
والتقى الصدر بالعبادي في مكان محايد ببغداد فجر الأحد، في ما بدا أنه خطوة مهمة على طريق التقارب بين قائمتي “سائرون” و”النصر”، نحو إعلان الكتلة البرلمانية الأكبر، التي يحق لها، وفق القانون العراقي، تشكيل الحكومة الجديدة.
وفي أعقاب اللقاء، قال العبادي إن لقاءه بالصدر “هو للعمل سوية من أجل الإسراع بتشكيل الحكومة المقبلة وأن تكون قوية وتوفر الخدمات وفرص العمل وتحسين المستوى المعيشي ومحاربة الفساد”، موضحا أن “اللقاء شهد تطابقا في وجهات النظر بضرورة استيعاب الجميع″.
ودعا العبادي “جميع الكتل إلى القبول بالنتائج واتباع السبل القانونية للاعتراضات كما دعا المفوضية إلى النظر فيها”، مشيرا إلى “أهمية التحرك بسرعة ليمارس من فازوا بالانتخابات دورهم ومهامهم في مجلس النواب”.
من جهته، اعتبر الصدر أن “اللقاء رسالة طمأنة بأن الحكومة المقبلة أبوية وترعى كل الشعب”، مؤكدا أن “يدنا ممدودة للجميع ممن يبنون الوطن وأن يكون القرار عراقيا”.
وشدد الصدر على “أهمية الإسراع بتشكيل حكومة تراعي تطلعات أبناء شعبنا”. وكان الصدر دعا العبادي إلى زيارته في مقره بمدينة النجف، لكن الأخير تذرع بانشغالاته.
وتقول مصادر “العرب”، إن “وسطاء تدخلوا لترتيب هذا اللقاء المرتقب”. ووفقا لهذه المصادر، فقد اختار الوسطاء منزلا لأحد أتباع الصدر في بغداد ليحتضن اللقاء، وهذا ما حدث فعلا. وكسر هذا اللقاء موجة من التوقعات تتحدث عن تراجع حظوظ العبادي في ولاية ثانية بعد إعلان نتائج الانتخابات وحلوله ثالثا بعد الصدر وهادي العامري المدعوم من إيران.
ولكن تفاؤل أنصار العبادي والصدر ما زال حذرا، في ظل تمسك رئيس الوزراء بعضويته في حزب الدعوة، وهو موضع اعتراض شديد من زعيم التيار الصدري.
ويقول سياسي عراقي مطلع على كواليس المفاوضات داخل “البيت السياسي الشيعي في العراق”، إن “الصدر قد يدعم فكرة بقاء العبادي في منصبه لولاية ثانية، في حال تعهد بقطع صلته بحزب الدعوة، ومحاربة الفاسدين، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، فضلا عن وضع مسافة فاصلة بين إيران والقرار السياسي العراقي”.
وواصل العبادي إرسال رسائل تتعلق بإيضاح دواعيه لطلب الولاية الثانية. ونقلت عنه وسائل إعلام قوله إنه لن يعمل “مع من تلطخت أيديهم بالفساد أو الذين عرفت عنهم ممارسة الطائفية”، وهي إشارة قال مراقبون إنها موجهة للمالكي، وقيادات في قائمة الفتح المنافسة، المدعومة من إيران.
مراقبون: كسر الجمود في العلاقة بين الصدر والعبادي، يمثل ركنا مهما لإطلاق حوارات أوسع بين القوى التي يفترض أن تشكل الكتلة البرلمانية الأكبر
وحرصا منه على التناغم مع خطاب الصدر، يقول العبادي إن “الوزراء القادمين يجب أن يكونوا من طبقة التكنوقراط”، مشيرا إلى أن “الحكومة الجديدة يجب أن تكون سمتها البارزة عدم الانتماء إلى أي جهات نخبوية وأن تكون ممثلة للشعب بدلا من الخضوع لهيمنة طرف معين أو فئة”.
ويضيف “اليوم أعلن لشعبي أننا سنشهد تحولا هائلا في العراق خلال السنوات الأربع المقبلة.. إذا ما تولت الشؤون حكومة صالحة”. موضحا “سأضع في منظوري أن أصلح اقتصاد بلدنا وأقضي على الفساد وأوفر فرص العمل للملايين من الشبان الذين يشكلون أغلبية سكان البلد”.
وجاء لقاء الصدر بالعبادي بعد اجتماع عقده الأول مع خمسة من سفراء دول الجوار العراقي في مقره بالنجف، بغياب إيراني، وهو ما فسر على أنه إشارات إقليمية داعمة لخطاب الصدر الذي يرتكز على “محاربة الفساد، ودعم حكومة وطنية مستقلة عن نفوذ الأحزاب”.
ويقول مراقبون إن “كسر الجمود في العلاقة بين الصدر والعبادي بعد إعلان نتائج الانتخابات، التي جاءت لصالح الأول على حساب الثاني، يمثل ركنا مهما لإطلاق حوارات أوسع بين القوى التي يفترض أن تشكل الكتلة البرلمانية الأكبر”.
وقال المراقب السياسي العراقي “أن يضحي العبادي بالنتائج الانتخابية الجيدة ويذهب إلى التحالف مع محور المالكي ــ العامري فهو انتحار سياسي لا يتناسب مع تشبث رئيس الوزراء العراقي بولاية ثانية”. فلطالما وجه العبادي في ولايته الأولى انتقادات جريئة وشجاعة إلى الرجلين المقربين من إيران بالرغم من أنه لا يزال يدين بالولاء الحزبي لأحدهما كونه لا يزال عضوا في حزب الدعوة. تلك العضوية هي ما يلقي به في دائرة الشك بالنسبة لدعاة التغيير الذين التفوا حول الصدر.
من جهته فإن الصدر يبدو الآن أقوى وأكثر اطمئنانا إلى قدرته على المناورة سواء نجح في تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر أو ظل محتفظا بمسافة المعارض التي وهبته القدرة على أن يقول ما يشاء في الوقت الذي يناسبه. فإذا جلب له ذلك الشعور بالقوة دعما إقليميا ودوليا غير متوقعا فإنه سيعزز في الوقت نفسه من موقعه لدى الكتل التي لا ترغب في استمرار الهيمنة الإيرانية وفي مقدمتها كتلتا العبادي وعلاوي والكتل الكردية باستثناء كتلة الاتحاد الوطني.
العرب