قدم اثنان من أبرز خبراء الشأن الكوري في الولايات المتحدة شهادتيهما أمام لجنة فرعية لمجلس الشيوخ يوم الثلاثاء الماضي، وإذا كان ما يقولانه صحيحاً، فإن من المرجح أن تكون القمة المقبلة بين الرئيس ترامب والرئيس كيم جونغ أون إما قاتمة الآفاق أو غير ذات صلة.
أحد الشاهدَين، فيكتور تشا، كان كبير مستشاري الرئيس جورج دبليو بوش لشؤون كوريا الشمالية، ومرشح ترامب المفترض لمنصب سفير الولايات المتحدة في كوريا الجنوبية قبل بضعة أشهر فحسب. لكن ترشيحه سُحِب بعد انتقاده لاقتراح كان طاغياً في بيت ترامب الأبيض في تلك الفترة، بتوجيه ضربة عسكرية وقائية ضد نظام كيم.
وكان الشاهد الآخر، جوزيف يون، المخضرم الذي عمل 30 عاماً في الخدمة الخارجية، رجل اتصال وزارة الخارجية في القناة التفاوضية الخلفية مع مسؤولي كوريا الشمالية، حتى استقالته في شباط (فبراير) الماضي، بعد أن تم إيقاف هذه المحادثات.
قال المسؤولان السابقان إن القمة التي من المقرر عقدها في 12 حزيران (يونيو) في سنغافورة لن تحقق النجاح إلا إذا وافق كيم على تفكيك كامل أسلحته النووية خلال فترة زمنية محددة -وإذا قدم في غضون ذلك قائمة شاملة بالأسلحة النووية والصواريخ والمواد الانشطارية والمختبرات وغيرها من المرافق النووية في كوريا الشمالية، وسمح للمفتشين الدوليين بالتحقق من ادعاءاته. وشددوا على أن هذا البند يجب أن يكون الخطوة الأولى، وعلى أن الولايات المتحدة يجب أن لا تكون ملزمة باتخاذ أي إجراء في المقابل -مثل رفع العقوبات أو تقديم ضمانات أمنية- إلى أن تبدأ عملية التحقق. وعلى حد تعبير يون، فإنه “من دون أن نعرف ما لديهم، كيف سنتفاوض؟”.
ومع ذلك، قال الشاهدان أيضاً إنهما يشكّان كثيراً في أن كيم سيوافق على عمل أي من هذه الأشياء. وقال تشا “إن السرد القومي الكامل” لكيم، يستند إلى صورة القوة -إلى ادعاء بأن الرئيس الأميركي يلتقي به لأن كوريا الشمالية أصبحت الآن قوة نووية. وبذلك، فإن الفكرة القائلة إن كيم سيتخلى عن أساس قوته في اجتماع القمة “تتناقض مع هذا السرد”. كما قال تشا إنه نظراً لطبيعة نظام كوريا الشمالية، فإن كيم “سيشعر دائماً بعدم الأمان” ولذلك لن يتخلى أبداً عن أسلحته النووية بالكامل.
واتفق معه يون على أنها لا توجد “أي علامة” على أن كيم يريد نزع سلاحه، لكنه قال إنه ما يزال من الجدير دفعُه في اتجاه يشعر فيه بأنه أقل افتقاراً للأمان وأكثر احتمالاً لنزع سلاحه في نهاية المطاف، لأن البديل -الحرب- “ليس خياراً”.
إذا كان كيم ليفاجئ الجميع بالتعهد بنزع أسلحته، وتقديم جدول زمني ثابت وصارم، وفتح الأبواب للمفتشين الخارجيين، يقول المسؤولان السابقان إنه سيتعين على ترامب في هذه الحالة أن يرد بالطريقة نفسها، بتقديم ضمانات أمنية محددة وبعيدة المدى. فقد بنى كيم ترسانة نووية، بعد كل شيء، من أجل ردع العدو عن الهجوم، وبالتالي ضمان بقاء نظامه. ومع ذلك، قال يون، متحدثاً على ما يبدو من واقع التجربة، إن إدارة ترامب “غير مرتاحة” إزاء مناقشة ماهية الضمانات التي ستقدمها بالضبط في مقابل مثل هذه الإيماءات الكبيرة.
السيناريو الأكثر احتمالاً، كما قال المسؤولان، هو أن ترامب سوف يخفف من مطلبه بنزع السلاح الكامل الذي يمكن التحقق منه، والذي لا رجعة فيه، للتوصل إلى نوع من الصفقة. وقال يون إن من الأخبار الجيدة توجه ترامب في الأسابيع الأخيرة إلى أن يصبح أكثر واقعية بشأن آفاق القمة؛ حيث أصبح ينظر إلى السيطرة على الأسلحة على أنها “عملية” تتكشف مع مرور الوقت، على غرار فكرة كيم عن “الإجراءات المرحلية والمتزامنة” بدلاً من مطلب مستشار الأمن القومي، جون بولتون بشيء سريع وكبير، حيث تسلم كوريا الشمالية كل أسلحتها النووية على الفور. ومع ذلك، أصر يون وتشا على أن نزع السلاح الكامل يجب أن يظل الهدف النهائي.
في غضون ذلك، لم يتفق المسؤولون الأميركيون والكوريون الشماليون الذين يستعدون للقمة بعد على المبادئ الأكثر أساسية. ولطالما أصر كيم على أن الهدف من أي صفقة يجب أن يكون “نزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية”. واعتاد ترامب ومساعدوه على تكرار العبارة نفسها، لكنهم يرون أن ذلك يجب أن يبدأ بتخلي كوريا الشمالية عن أسلحتها النووية. وعلى النقيض من ذلك، يعرِّف كيم ومساعدوه هذه العبارة بأنها تعني مطالبة جميع الدول التي لها وجود عسكري في شبه الجزيرة الكورية -بما في ذلك الولايات المتحدة إلى حد كبير- بسحب جميع القوات التي لديها القدرة على حمل الأسلحة النووية، وفي بعض النسخ، أن تقوم بسحب جميع القوى التي يمكن أن تهدد نظام كوريا الشمالية، وتجبرها على امتلاك أسلحة نووية من الأساس.
وهناك أيضاً نزاعات حول معنى معاهدة السلام التي ينبغي التوصل إليها لإنهاء الحرب الكورية، التي استقرت في هدنة، وإنما ليس في سلام رسمي، منذ العام 1953. وقد تحدث ترامب عن ذلك كهدف للقمة في مناسبات عدة. وأشار يون في جلسة الاستماع في مجلس الشيوخ إلى أن توقيع معاهدة سلام سيعني سحب كل الخيارات العسكرية من على الطاولة. وعلى الرغم من أنه لم يقل ذلك، فإن الكوريين الشماليين يرون أنها يجب أن تضم انسحاباً كاملاً للقوات الأميركية من كوريا الجنوبية، ووقف التدريبات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية. كان هذا هو حلم قادة كوريا الشمالية منذ عقود.
حتى الآن، لم يتم التوصل إلى تعريف مشترك لهذه المفاهيم الأساسية -اللبنات الأساسية لأي صفقة- على الرغم من عقد اجتماعين بين كيم ووزير الخارجية مايك بومبيو، واجتماع واحد بين ترامب والجنرال كيم يونج تشول، كبير جواسيس كيم، وعدة لقاءات بين مسؤولين من المستوى المتوسط من كلا الجانبين.
في الأسابيع القليلة الماضية، انضم عدد قليل من المسؤولين الأميركيين من ذوي الخبرة إلى العملية، ليس أقلهم سونغ كيم، سفير الولايات المتحدة في الفلبين، الذي كلفه بومبيو بقيادة الفريق الذي يخطط للقمة -وهو ما جاء بعد أشهر من الانجراف الحر بلا قيادة. ومع ذلك، أثار تشا في جلسة يوم الثلاثاء مكمن قلق آخر: أن فريق كوريا الشمالية يتألف من نفس الأشخاص الذين ظلوا يمارسون هذه النوعية من المفاوضات على مدى الثلاثين عاماً الماضية. وقال إن على الولايات المتحدة أن “تفهم تاريخ المفاوضات”، وإلا فإنها قد تكون عرضة لرؤية مقترحات قديمة، بثغرات مخفية، على أنها شيء جديد ومثير.
أخيراً، وعلى الرغم من أن تشا أو يون لم يقولا ذلك صراحةً، فقد أشارا إلى أن القمة نفسها عززت مسبقاً موقف كيم وقلصت روافع ترامب، خاصة إذا فشلت نتائجها في الوصول إلى الأهداف الأكثر تفاؤلاً. ففي الفترة الأخيرة، عقد كيم، الذي كان أحد أكثر القادة عزلة قبل بضعة أشهر، اجتماعين مع كل من الرئيسين الصيني والكوري الجنوبي، واثنين مع بومبيو، وثمة اجتمامع قادم مع الرئيس السوري بشار الأسد (وهي قصة أخرى تماماً، بالنظر إلى أن مشاريعهما المشتركة السابقة في البرامج العسكرية والمفاعلات النووية)، وتلقى دعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للاجتماع معه -كل هذا قبل انعقاد القمة مع ترامب، وكل هذا قبل أن يلتقي بترامب.
بالإضافة إلى ذلك، حتى قبل القمة بدأت الصين وكوريا الجنوبية بتخفيف العقوبات عن كوريا الشمالية، التي كانت تزداد شدة إلى أن بدأ الحديث عن القمة، وكانت بيونغيانغ قد بدأت تشعر بالألم. وقال تشا ويون إن من شبه المؤكد أن يخفف الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي من العقوبات أكثر في الأشهر المقبلة، حتى لو كان ذلك فقط للبناء على التناغم المتزايد مع جاره إلى الشمال. كما أن الصين، التي ظلت بعيدة من وقت طويل عن كوريا الشمالية، أصبحت أكثر انخراطاً معها أيضاً لأسباب اقتصادية وجيو-استراتيجية. وإذا ما أراد ترامب، في أعقاب قمة فاشلة مثلاً، إعادة فرض “أقصى قدر من الضغط” على الشمال، فإنه سيواجه صعوبة في إقناع الآخرين بمواكبة ذلك.
وأخيراً، لن يعود الخيار العسكري أيضاً مناورة يمكن لترامب أن يلعب عليها، على الأقل طالما تمكن كيم من مواصلة هجوم السحر وإيقاف تجاربه النووية والصاروخية. وباختصار، فقد ترامب أي يد عليا كانت له في السابق. وقد ألمَح لكيم ومفاوضيه وحلفاء الولايات المتحدة وبقية العالم بأنه يريد -بأنه يحتاج- إنجاز نوعٍ ما -أو أي نوع- من الصفقة.
في شهادته أمام الكونغرس، اقتبس تشا من كتاب ترامب، “فن الصفقة”، الذي أشار إلى أن المفاوض لا يجب أن يبدو وكأنه راغب في إبرام صفقة أكثر من الخصم -ثم أشار إلى أن ترامب ينتهك الآن قاعدته الأساسية.
فريد كابلان
الغد