طهران – بعد أن كان الرئيس الإيراني حسن روحاني يتعرّض منذ أشهر لهجمات المحافظين المتشددين، يبدو وكأنه كسب دعمهم فجأة، في خطوة لا تعكس اقتناعا منهم بحديث روحاني الأخير على ضرورة الوحدة الوطنية لمواجهة الصعوبات التي تمر بها البلاد، بل تكتيك يحتاج إليه المحافظون بعد أن فشلوا في جعل روحاني وحكومته كبش فداء في محاولة لتجاوز مأزق الاحتجاجات التي تهز البلاد منذ نهاية 2017، وأيضا في محاولة للظهور بمظهر النظام القويّ في رسالة موجّهة للأوروبيين وهم على عتبة مراجعة الاتفاق النووي والعقوبات على إيران.
وفي مؤشر لافت إلى هذا التغيير في الأجواء، وجّه الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني المكلّف العمليات الخارجية رسالة أشاد فيها بموقف روحاني. وكتب سليماني، في الرسالة التي نشرتها وكالة فارس، “إنني أقبّل يدكم لتصريحاتكم الحكيمة والصائبة هذه التي جاءت في وقتها المناسب”، في إشارة إلى تصريحات روحاني الأخيرة حول إسرائيل والتهديدات الأميركية للنفط الإيراني.
وكان روحاني صرح في برن أن بلاده “تعتبر الكيان الصهيوني غير شرعي”، وعبّر عن شكوك حول قدرة الولايات المتحدة على منع إيران من تصدير نفطها.
وجاءت هذه التصريحات ضمن جولة أوروبية للرئيس الإيراني لكسب ضمانات اقتصادية لقاء بقاء بلاده في الاتفاق النووي الموقّع في 2015 بعد انسحاب الولايات المتحدة منه في مايو الماضي.
في إيران، تُفسر تصريحات روحاني بأنها تهديد بإغلاق مضيق هرمز عند مدخل الخليج العربي، من حيث يمر نحو 30 بالمئة من النفط العالمي الذي يتم نقله بحرا. وخصصت الصحف الإيرانية تغطية كبيرة لرسالة سليماني. وعنونت صحيفة جوان القريبة من الحرس الثوري صفحتها الأولى “نراكم في المضيق” مع صورة للجنرال والرئيس وهما يتصافحان أمام خارطة لمضيق هرمز.
كما احتلت صورة قاسم سليماني كامل الصفحة الأولى لصحيفة سازاندغي تحت عنوان “وحدة بين الحرس الثوري والحكومة”.
صحيفة قريبة من الحرس الثوري نشرت في صفحتها الأولى صورة لسليماني وروحاني وهما يتصافحان أمام خارطة لمضيق هرمز
وكان روحاني الذي عبّر عن رغبة في إصلاح الاقتصاد من خلال تطوير القطاع الخاص، وجّه انتقادات عدة للنفوذ الذي يمارسه الحرس الثوري في عدة مجالات في إيران. ويعتبر روحاني الرئيس المحافظ المعتدل الذي أعيد انتخابه في 2017 بدعم من الإصلاحيين من أبرز مهندسي اتفاق فيينا مع وزير خارجيته محمد جواد ظريف، وهو الاتفاق الذي عارضه بشدة الحرس الثوري والتيار المحافظ.
اُعيد انتخاب روحاني لولاية جديدة من أربع سنوات في مايو 2017 بدعم من الإصلاحيين.
وتعرض الرئيس الإيراني منذ ولايته الأولى لهجمات المحافظين الذين يرون في انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي دليلا على أن ريبتهم إزاء الغرب مبرر لها.
كما تعرّض روحاني لاتهامات من منافسيه بأنه تخلى عن الطبقات الاجتماعية الأكثر فقرا وذلك بعد اندلاع احتجاجات خلال فترة رأس السنة في العشرات من المدن الإيرانية احتجاجا على السلطات وعلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي.
وفي النصف الثاني من يونيو، بلغ التوتر الداخلي حدا دفع ببعض النواب المحافظين المتشددين إلى المطالبة ببدء آلية لإقالة روحاني وذلك بعد تراجع جديد لسعر صرف الريال وتظاهرات غاضبة ضد السلطة في طهران.
لكن الأمور تغيّرت فجأة. وفي تحوّل لافت، كتب حسين شريعة مداري رئيس تحرير صحيفة كيهان (الدنيا)، القريبة من مكتب المرشد وتعتبر متحدثة بلسان المحافظين، في مقال “علينا أن نضع خلافاتنا جانبا لأن الأمر يتعلق الآن بالمصلحة الوطنية وبقاء الأمة”.
وكتب عبدالله غانجي رئيس تحرير صحيفة جوان أن “مقاومة العدو وصون استقلال البلاد يفرضان علينا… تناسي خلافاتنا إلى وقت لاحق”، في إشارة إلى أن الهدنة ستكون محدودة.
العرب