سوريا: كيف تحضّر العالم للمشاركة في مذبحة علنية؟

سوريا: كيف تحضّر العالم للمشاركة في مذبحة علنية؟

بعد 7 سنوات كسر فيها النظام السوريّ وحلفاؤه كافّة الحواجز التي حصّنت البشريّة بها نفسها عبر الشرع الأممية، وتمكن، حتى الآن، من النفاذ، بجرائم كبرى تجاوزت وحشيّتها القدرة على التصديق، حصل على ما يبدو نوع من الإنهاك الإعلاميّ في كل ما يتعلّق بالمسألة السورية، حتى بين السوريين أنفسهم، وخصوصاً بعد تراجع دور تنظيم «الدولة الإسلامية»، الذي كان لسنوات مضت، بعبع العالم المفضّل، وكذلك تراجع عدد اللاجئين السوريين، ومن في حكمهم، لا بسبب قلة المذابح، ولكن بسبب إقفال أبواب البر والبحر والسماء عليهم.
يضاف إلى ذلك، بالطبع، قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتسليم مفاتيح سوريا إلى «صديقه» الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكل ما جرى بعد ذلك، من منع التمويل على المعارضة السورية، إلى وقف دعم المنظمات الإغاثية، وما استدعاه ذلك من انحسار دور الدول الغربية الأخرى كفرنسا وبريطانيا، وهو ما اعتبره النظام السوري إبلاغاً رسميا بتمكينه من السيطرة على باقي أرجاء البلاد، ومصادرة أملاك الغائبين، وإعلان أسماء عشرات آلاف القتلى تحت التعذيب من المختفين قسرياً، وتنظيف ثياب ضباطه ودبلوماسييه من دماء البشر استعدادا لعودتهم المظفرة للعالم.
الأسوأ من ذلك أن الأمم المتحدة، بلسان مندوبها ستافان دي ميستورا قدّمت التبريرات السياسية الأممية للمذبحة بقوله إن «هيئة تحرير الشام» (أو «جبهة النصرة») إرهابية (وهو أمر مفهوم رغم أنها أعلنت انفصالها عن «القاعدة») و«يجب دحرها»، وبتأكيده أن «الطرفين»، أي النظام والمعارضة، يملكان السلاح الكيميائي، وهو تبرير شديد الشناعة لأنه يساوي بين طرف لا يملك بارجات وطائرات ودبابات ومدافع (أي وسائل لاستخدام السلاح الكيميائي المزعوم)، وآخر شهدت الأمم المتحدة نفسها على استخدامه السلاح الكيميائي عشرات المرات، واتهمته تقارير الأمم المتحدة نفسها بجرائم حرب وإبادة وجرائم ضد الإنسانية (لكنّه بقي طرفا غير إرهابي ولا يجب دحره).
كان متوقعا أن تسارع بعض الدول العربية، التي تجمعها «وحدة حال» مع النظام السوري، أو القريبة من إيران، بالمساهمة في جوقة الترحيب بـ«انتصارات النظام»، بشكل مباشر أو غير مباشر، وأن يقوم بعضها بسنّ سكاكينه لرمي مئات آلاف اللاجئين إلى شدق نظام الرئيس بشار الأسد وأجهزته الأمنية، كما كان متوقعا لبعض الدول التي تظهر غير ما تبطن، كما هو حال الإمارات، أن تبدأ بدورها رحلة التطبيع مع النظام الدموي، غير أن انزياح مواقف بعض الدول العربية الأخرى، التي كانت تعتبر ضمن خصوم النظام حتى وقت قريب، كالمملكة العربية السعودية، كان غريبا نسبياً، ولكنّ قراءة هذه المواقف على ضوء التغيّرات الداخلية في المملكة في ظل وليّ العهد محمد بن سلمان، وانتظام الرياض في «رؤية» متقاربة للعالم مع أبو ظبي (باعتبار كل ما يجري هو معركة حياة أو موت مع تيارات الإسلام السياسي!)، يجعل هذا الانزياح مفهوما، ويستأهل الترحيب به من وزير خارجية نظام الأسد، وليد المعلم!
رغم هذا المشهد العام واعتباره حصيلة لمآلات عالمية كبرى لا يمكن التحكم فيها أو ردها، وخصوصا في بلدان تعاني أزمات كبيرة كالأردن، فإن التغيّر العربيّ الملحوظ، والسعودي خصوصا، نحو نظام الأسد، يبدو متهافتاً وكلبيا أكثر مما يجب، فالمسؤولون السعوديون الذين قبلوا بمقولة «وحدة الأراضي السورية» وتطبيق قرار واحد من قرارات مجلس الأمن (وهو القرار 2254 الذي يناسب تأويله النظام وروسيا) الخ… تجاهلوا قضيتين كبيرتين: الأولى أن النظام السوري وقّع اتفاقية عسكرية ـ أمنية جديدة مع إيران (مع ملحق سرّي)، والثانية هي أن مذبحة كبرى يجري تحضيرها للسكان المدنيين في إدلب.
ما كان ينقص هذه التراجيديا الكبرى سوى التصريحات «السوريالية» الروسيّة عن أن «الغرب يجهز لإسقاط نظام الأسد»، وأن «المعارضة تتحضر لاستخدام السلاح الكيميائي»، وحديث وسائل إعلام النظام وإيران عن «الضربة الأمريكية» و«العدوان الثلاثي»، ليكتمل الغطاء العالمي والإقليمي والعربي لحضور مباراة يتلقى فيها نظام الأسد الضربات من إسرائيل فيرد عليها بالإجهاز على الجمهور من شعبه.

القدس العربي