عند طرد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) من مدينة الرقة قبل عام، ظنت أماني أنها ستتلقى أخيراً جواباً طال انتظاره عن مصير زوجها الذي غيبته زنازين التنظيم قبل سنوات.
إلا أنها وبعد مرور عام كامل، لم تتمكن مع أبنائها الثلاثة من تحديد مكان تواجد زوجها عبد الإله اسماعيل، بعدما كان التنظيم قد اعتقله قبل ثلاث سنوات.
وتقول أماني، وهي موظفة في مجلس الرقة المدني، “توقعت رؤيته بعد تحرير الرقة فوراً لكنني لم أتلق خبراً واحداً، حياً كان أو ميتاً، لم يفدني أحد بشيء”.
وخلال سيطرته على المدينة التي شكلت معقله في سوريا لنحو ثلاث سنوات، اعتقل التنظيم وعاقب كل من خالف أحكامه وقواعده الصارمة أو من شكّ بانتمائه وولائه لجهات أخرى.
وتروي أماني أن التنظيم اعتقل زوجها بتهمة التعاون مع قوات سوريا الديمقراطية، المؤلفة من فصائل كردية وعربية تمكنت قبل عام من السيطرة على المدينة بالكامل بدعم جوي من التحالف الدولي بقيادة واشنطن.
وبعد طرد تنظيم الدولة “داعش”، تقول أماني إنها تواصلت مع جهات عدة في مجلس سوريا الديمقراطية وفي التحالف لمعرفة مصير زوجها، من دون أن يأتيها الجواب. إلا أن ذلك لم يدفعها إلى الاستسلام ولا تزال تبحث عنه من دون كلل أو ملل.
خلال رحلة البحث، حصلت على أخبار متناقضة، إذ أبلغتها بعض المصادر إنه قتل، وقالت أخرى إن التنظيم نقله إلى سجن في بلدة هجين، آخر جيب تحت سيطرة التنظيم في محافظة دير الزور (شرق)، ويتعرض لهجوم من قوات سوريا الديمقراطية منذ أسابيع.
وتأمل أماني أن يصار إلى تشكيل لجنة إدارية لتسهيل المتابعة على أهالي المفقودين.
وتقول: “أصعب ما في الأمر هو الانتظار. أريد فقط أن أعرف هل هو ميت أم على قيد الحياة”.
وتتهم عائلات ومنظمات حقوقية قوات سوريا الديموقراطية والتحالف الدولي بالتقاعس في تحمل مسؤولياتها إزاء ملف المفقودين، الذي يُعد من الملفات الأكثر تعقيداً التي خلفتها الحرب منذ اندلاعها في العام 2011.
“لا نعلم شيئاً”
قبل عامين، داهم مقاتلو التنظيم منزل عائلة حنان محمد (22 عاماً) واعتقل شقيقتها رزان التي تكبرها بعامين، متهماً إياها بـ”التعامل” مع النظام باعتبار أنها كانت تتابع دراستها الجامعية في دمشق.
ومنذ ذلك الحين، لا تعرف حنان شيئاً عن شقيقتها التي اعتقلت مع سبعة من صديقاتها بالتهمة ذاتها.
وتقول حنان: “إلى هذا اليوم لا نعلم شيئاً عنها لم تبق جهة لم نتواصل معها لكن دون جدوى”.
وتضيف: “قد يكونوا قتلوها، أو قد قُتلت في القصف، أو جراء الجوع خلال الحصار (تعرضت له الرقة لأشهر)، أو ربما أخذوها على غرار كثيرين دروعاً بشرية”.
وتحول أسباب عدة من دون معرفة عائلات كثيرة في مدينة الرقة ومحيطها لمصير أبنائها، إذ نقل التنظيم قبل سيطرة قوات سوريا الديموقراطية على الرقة في 17 تشرين الأول/ أكتوبر، المساجين لديه إلى مناطق أخرى تحت سيطرته في شرق سوريا، ولا يُعرف حتى الآن مصير هؤلاء.
كما قتل الكثير من المعتقلين، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، في الغارات التي شنها التحالف الدولي على سجون التنظيم في الرقة. ونتيجة المعارك الضارية التي شهدتها المدينة طوال أربعة أشهر فضلاً عن القصف العنيف وما خلفته من أضرار جسيمة، لا تزال مئات الجثث مدفونة في كافة أنحاء المدينة.
وتقدر منظمة هيومن رايتس ووتش وجود ثلاثة آلاف إلى خمسة آلاف شخص مصيرهم مجهول، ممن كانوا معتقلين في مناطق سيطرة التنظيم سابقاً في شمال وشمال شرق سوريا، بينها مدينة الرقة.
“فقدنا الأمل”
وتقول الباحثة في المنظمة سارة كيالي: “تكمن الصعوبة في أن العديد من السجون قُصفت خلال المعركة”، ما يزيد احتمالات مقتل معتقلين، مشيرة أيضاً إلى احتمال إيجاد المفقودين في المقابر الجماعية المنتشرة في كافة أنحاء الرقة.
وتضيف إنه “لأمر محبط جداً بالنسبة للعائلات التي ظنت أن استعادة السيطرة على الرقة من تنظيم الدولة الإسلامية تعني العثور على الإجابات التي يبحثون عنها”.
وتوضح أنه “ليس هناك أي جهة تذهب إليها تلك العائلات للحصول على إجابات، ولا حتى آلية لتسجيل أسماء المفقودين”.
في مدينة الرقة، ينهمك يومياً “فريق الاستجابة الأولية”، وهو فريق محلي صغير وغير مجهز، بإخراج جثث القتلى من المقابر الجماعية ووضعها إلى جانب بعضها البعض في أكياس بلاستيكية زرقاء.
وتمكن هذا الفريق من سحب 2500 جثة حتى الآن، وفق منظمة العفو الدولية التي حذرت الجمعة من عدم توفر الإمكانات اللازمة لدى الفريق لمواصلة عمله.
ويوضح ياسر الخميس أحد المسؤولين عن الفريق، أنهم قد تلقوا حتى الآن 360 طلباً من عائلات تبحث عن أبنائها.
وفي أحيان كثيرة، يرافق أهالٍ يفتقدون أحباءهم “فريق الاستجابة الأولية”، على غرار ظريفة نزال (50 عاماً) التي تبحث عن ابنها موسى.
وتقول نزال: “أذهب للبحث عنه، علّي أتعرف عليه من الشامة بين حاجبيه أو من ندب في رجليه ناتجة عن حروق قديمة”.
واعتقل التنظيم قبل أربع سنوات موسى ولم يكن يتجاوز 17 عاماً.
في منزلها في حي الدرعية في غرب الرقة، تفترش نزال الأرض، وتقول بغصّة: “لا أستطيع أن أفعل شيئاً. أين سأبحث عنه؟ لم أترك مكاناً إلا وبحثت فيه”.
وتتابع: “احترق قلبي عليه” قبل أن تجهش بالبكاء وتخبئ وجهها بين يديها ثم تتماسك قليلاً.
وتضيف: “لا أعلم شيئاً، البعض يقول لي إنه حي وآخرون يقولون إنه ميت، فقدت الأمل بالمسؤولين”.