بغض النظر عن السؤال «من الذي لا يخسر الحرب في سوريا؟»، فربَّما من السليم أن نقول إنه لا يبدو أن ثمَّة أحدًا يملك فرصة للفوز فيها. قد تكون طريقة كسولة للتفكير، لكنها قوية أيضًا. تُناقَش الحروب دائمًا باعتبار وجود رابح وخاسر، مساوم ومستسلم، لكن ما يغفله هذا المنظور هو أن العديد من الصراعات ليس لها نهاية واضحة على الإطلاق. إنها ببساطة تستمر حتى يتثاءب المشاهدون ويغادر الصحفيون، ثمَّ تنضج وتتحوَّل إلى أشكال جديدة، قد تحدث بعض التسويات في المناطق ذات النفوذ، ثمّ يتم تثبيت العنف واللادولة باعتباره الوضع الطبيعي الجديد.
قد يكون الصراع السوري أحد هذه الصراعات. نصف سكان سوريا نازحون عن ديارهم، الاقتصاد مدمّر بشكل لا يمكن إصلاحه، يوجد تدخل أجنبي من جهات مختلفة، كما أن حمَّى الطائفية تعمُّ البلاد. مع كل هذه العوامل، فلا الرئيس بشار الأسد ولا أي من الجماعات المتمردة يبدو أنه قادر على إعادة البلد المسمّاة سوريا كدولة موحدة مرة أخرى.
مرحلة «النهاية مستحيلة»
في هذه المرحلة، يكاد يكون من المستحيل تصور دولة حقيقية مستقرة – ناهيك عن ديمقراطية- يحكمها أحد المتنافسين الرئيسيين الثلاث على السلطة في سوريا.
النظام مستمر في ادعاء أن الأسد يفوز، لكنه ليس كذلك. حتى إذا افترضنا افتراضًا جريئًا وهو أنه سيستمر ويقاتل لسنوات قادمة، فالأسد لا يبدو قادرًا أو راغبًا في الدخول في تسويات سياسية ذات مغزى من النوع الذي يمكنه أن يكسب نظامه شرعية محلية ودولية. كما أنه لا تتوفر لديه الموارد اللازمة للتغلب عسكريًّا على جميع أعدائه أو شراء ولاء البلدات المتمردة بالحوافز الاقتصادية. ما لم يحصل يومًا على الدعم الدولي اللازم للسيطرة بشكل كامل على أرض المعركة، وهو أمر غير مرجح، فإنه لن يحكم سوريا موحدة مرة أخرى. في الوقت نفسه، رفض الأسد المستمر للتنحي أو تقديم تنازل حقيقي يدفع المزيد من السوريين إلى أحضان التمرد.
لأن النظام السوري يعاني من تناقص الموارد وعجز شديد في القوى العاملة، كما أن حلفاء الأسد الدوليين يتضررون من الانخفاض العالميّ لأسعار النفط، فإن «المتمردين» يستطيعون نظريًّا إسقاط ما تبقى من الدولة إذا ما حصلوا على الدعم الخارجي الكافي؛ لكنّهم شديدو الارتباط بالفصائل المتطرفة، ومقسّمون لدرجة لا يستطيعون معها تقديم حكومة بديلة جديدة، كل ما قد يقدّمونه هو مجرّد صور جديدة للفوضى ولكن بهيمنة إسلامية، وهو ليس بالتصور الذي يحتمل أن يحظى بدعم كبير.
من ناحية أخرى، فإن ما تسمى بالدولة الإسلامية أثبتت أنها قادرة على التوسُّع في بعض المناطق السورية حتى حين تفقد بعض الأراضي في العراق. لكن تصوُّر تأسيس دولة مستقرة وقابلة للحياة على بلاد الشام من قبل الدولة الإسلامية هو تصُّور غير معقول. المدعو الخليفة أبو بكر البغدادي نجح فقط عن طريق فشل خصومه. لكن تهديدات هائلة قد تعيق مشروع الدولة في منطقة مزَّقتها الحروب. من الواضح أن الدولة الإسلامية لا تزال غير قادرة على حكم البلاد؛ تمامًا كما الأسد و«المتمردين»، فإن الدولة الإسلامية قادرة على إضعاف الآخرين وناجحة في التدمير، لكنها غير قادرة على تحقيق أي فوز بأي معنى منطقيّ للكلمة.
«صوملة» سوريا
عقب توليه منصب مبعوث الأمم المتحدة للسلام عام 2012، حذر الدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي من «صوملة» سوريا. عام 1991 تمَّت الإطاحة بالديكتاتور الصومالي محمد سياد بري، الذي حكم البلاد طويلًا. نُفّذت العمليَّة بعنف وبجدارة، لكن مع هذا لم تتبعها ديمقراطية أو حتى ديكتاتورية جديدة، ولكن مجرد فوضى دائمة. لاحقًا وبعد ربع قرن من الزمان أصبح المجتمع الدولي يعتبر الصومال قضية خاسرة. مجرد أمة سابقة على مواطنيها تعساء الحظ ألا يتوقعوا من العالم شيئًا أكثر من تدخل عسكري بين الفينة والأخرى لإخماد عنف القراصنة أو الجماعات الجهادية.
ما لم يكن ممكنًا تشكيل كتلة حرجة من الجهات الفاعلة لفرض شكل من أشكال وقف إطلاق النار أو حتى خريطة طريق لوقف إطلاق النار، فإن الله وحده يعلم ما سيحلّ بسوريا. سيستمر الوضع في دوّامة لا نهائية: فصيل أو آخر يتمكن من التفوق قليلًا، ثمَّ يحدث انشقاق آخر، ونعيد الكرة من جديد. بعض قادة الحرب يصبحون أكثر قوة من غيرهم، مدن يتم احتلالها ثم استعادتها، معارك تُربح وتُخسر، ثم نفقد جميعًا قدرتنا على تعقب ما يحدث. ليس بإمكان أحد أبدًا أن يكسب الحرب في سوريا، إلا إذا كان بإمكانه السيطرة على طاعون أو زلزال.
معهد كارينغي
ترجمة : موقع ساسة بوست