“سجن تدمر”.. “باستيل سوريا” الرهيب الذي نسفته داعش..

“سجن تدمر”.. “باستيل سوريا” الرهيب الذي نسفته داعش..

رتبط اسم “سجن تدمر”، الواقع في المدينة الصحراوية التي تحمل نفس الاسم، على مسافة 200 كلم شمال شرق العاصمة السورية دمشق، بأكبر المجازر التي وقعت في سجون النظام السوري -وما أكثرها-، وهي المجزرة التي وقعت أوائل ثمانينيات القرن العشرين، تحديدًا في 27 يونيو/حزيران 1980 م، في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، بعد أحداث حماة الشهيرة التي حول النظام أجزاء منها إلى أطلال بعد أن دكها بالمدافع والمقاتلات، وقبض على الألاف ورُحل الكثيرون منهم إلى سجن تدمر، وارتكبت مذبحة داخله أودت بحياة مئات السجناء من مختلف المستويات الاجتماعية والسياسية، غالبيتهم من المحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين.

Image processed by CodeCarvings Piczard ### FREE Community Edition ### on 2015-05-30 16:55:10Z |  |
Image processed by CodeCarvings Piczard ### FREE Community Edition ### on 2015-05-30 16:55:10Z | |

وبقي السجن شاهدًا على جرائم نظام الأسد، “الداخل فيه مفقود والخارج منه مولود”، كما يقول المثل الشعبي العربي، حتى استولى “تنظيم الدولة الاسلامية” على المدينة الأثرية التاريخية، وهرب جيش الأسد منها ليترك كنوز الآثار في يد “داعش” التي تناصب الآثار العداء، ويقع “سجن تدمر” الرهيب في يد التنظيم، الذي مازال -التنظيم- لغزًا معقدًا لم يستطع أحد فك طلاسم نشأته وتكوينه وانتشاره وتمدده في سوريا -استولى على أكثر من نصف البلاد- والعراق -يحكم قبضته على المناطق السنية-.

وأعلنت الهيئات المهتمة بالآثار خشيتها أن يكرر “داعش” جرائمه بنسف الآثار التاريخية في “تدمر”، كما حدث منه في المناطق الأثرية في العراق، ولكن جاءت مفاجآت تنظيم الدولة الإسلامية، بتفجير “سجن تدمر”ونسفه من فوق الأرض، وتحويله إلى ركام وأطلال، كما حول حافظ الأسد مدينة حلب إلى أطلال في بداية الثمانينات وهو يصفي معارضية، ومن رفضوا حكمه ونظامه.

وقد عرض التنظيم شريطًا مصورًا يقول إنه يمثل لحظة نسف “سجن تدمر” الرهيب، وذكرت تقارير إخبارية أن مسلحي الدولة الإسلامية نسفوا السجن الشهير في سوريا، الذي شهد احتجاز الآلاف من السجناء السياسيين، الذين واجهوا سنوات من التعذيب والمرض في زنازينه كما شهد العديد من الإعدامات، وكان من بين السجناء لبنانيون، وسوريون، وعراقيون، وفلسطينيون.

9

وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان المعارض كان السجن خاليًا من النزلاء عند تفجيره، وأعلن التنظيم عن قيامه بتفجير السجن من خلال تصريح نشره في مواقع إلكترونية موالية له، ولم تتطرق السلطات السورية إلى تفجير سجن تدمر. وقال رئيس حركة العمل الوطني من أجل سوريا، أحمد رمضان،على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”:إن تدمير “سجن تدمر”، -رمز إجرام الأسد حيث أعدم فيه الآلاف- يشبه اتلاف أدلة الإدانة لقاتل محترف، لمصلحة من تم ذلك”، وأضاف رمضان قائلًا: “الذين يدافعون عن تدمير سجن تدمر، يعترفون أنه دليل إدانة لإجرام الأسد، ولكن لا يقدمون سببًا واحدًا مقنعًا لارتكاب هذا العمل”.

وكان تقرير أصدرته منظمة العفو الدولية عام 2001 قد وصف السجن يقول فيه: “السجن مصمم لإنزال أكبر قدر من المعاناة والاذلال والخوف بالنزلاء”، ويقول نشطاء إن السلطات السورية نقلت نزلاء السجن إلى أماكن أخرى وأفرغته قبل سقوط مدينة تدمر بيد تنظيم “الدولة الإسلامية”.

ورغم مرور أكثر من ثلاثة عقود ونصف على مذبحة سجن تدمر الشهيرة، فإن النظام مازال يتكتم على تفاصيل المجزرة من قبل السلطات، والتقديرات بشأن أعداد الضحايا التي قيل أنها تجاوزت حاجز ال 600 شخص، فيما تشير تقديرات أخرى دولية إلى أن عددهم يزيد على 1000 قتيل، وتذكر مصادر حقوقية أن عدد القتلى يصل إلى 1200 قتيل.

6

وقعت مجزرة “سجن تدمر”، في اليوم التالي لما قالت السلطات إنها محاولة فاشلة لاغتيال الرئيس حافظ الأسد، الذي حمل جماعة الإخوان المسلمين المسؤولية، وتتطابق المصادر في تأكيد مشاركة أكثر من 100 عنصر بمختلف الرتب في تنفيذ المجزرة، حيث نقلوا من دمشق إلى مطار تدمر العسكري، بواسطة 12 مروحية، ثم توجه نحو 80 منهم إلى السجن، ودخلوا على السجناء في زنازينهم وأعدموا المئات منهم رميًا بالرصاص والقنابل المتفجرة.

ووفقا لما يتوفر من معلومات فإن جثامين القتلى نقلت بواسطة شاحنات، وتم دفنها في حفر أعدت مسبقًا في وادِ يقع إلى الشرق من بلدة تدمر، وما زالت اللجنة السورية لحقوق الإنسان تصر على مطلبها بالكشف عن أسماء الضحايا وأماكن دفنهم.

وتقول منظمة “هيومن رايتس ووتش” إن “وحدات كوماندوس من سرايا الدفاع تحت قيادة رفعت الأسد، شقيق الرئيس حافظ الأسد قتلت ما يقدر بنحو 1000 سجين أعزل، غالبيتهم من الإسلاميين، انتقامًا من محاولة اغتيال فاشلة ضد حافظ الأسد”، مؤكدة أنه لم يتم الإعلان عن أسماء الذين قتلوا إطلاقًا.

7

وبدأت تفاصيل المجزرة تتكشف في العام التالي لوقوعها، وتحديدًا بعد اعتقال السلطات الأردنية لاثنين من المشاركين في المجزرة، كانا ضمن مجموعة اتهمت بالتخطيط لاغتيال رئيس وزراء الأردن الأسبق مضر بدران، حيث أدليا بتفاصيل المجزرة، فسارعت في حينها منظمة العفو الدولية إلى مطالبة السلطات السورية بإجراء تحقيق في المجزرة، لكن دون جدوى.

نشرت مواقع حقوقية سورية شهادات لعناصر شاركوا في تنفيذ المجزرة، فأكدوا فيها أن مهمتهم كانت مهاجمة سجن تدمر، وقدر أحدهم عدد القتلى بأكثر من 500 قتيل، بينما قال أحدهم إنه شاهد الأيدي والأرجل ملطخة بالدماء، ووصفت لجنة حقوق الإنسان التابعة لمنظمة الأمم المتحدة -في حينه- المجزرة بأنها تتعدى حدود جرائم القتل العمد المعاقب عليها بموجب قانون العقوبات السوري، حيث يعتبر الآمرون بها وكل منفذيها بمسؤولين جنائيًا عن هذه المجزرة.

ومجزرة “سجن تدمر” ليست الوحيدة في عهد حافظ الأسد، بل وثقت منظمات حقوقية سبع مجازر جماعية في سجن تدمر وقعت خلال الأعوام 1980 و1981 و1982 وراح ضحيتها مئات السوريين، ونقلت المنظمات عن سجين سياسي سوري سابق لم تسمه، تأكيده أن عمليات إعدام جماعية أخرى وقعت بين عامي 1981 و1983، موضحًا أن عمليات الإعدام كانت تتم على مرتين في الأسبوع وتقتل بالعشرات في كل مرة.

وطالبت اللجنة السورية لحقوق الإنسان في أكثر من مناسبة السلطات بالإعلان عن أسماء ضحايا هذه المجزرة، والإعلان عن مكان دفن الجثث وأسماء كل المسؤولين والمتورطين فيها، وتقديم كل مسؤول وكل متورط إلى قضاء مستقل ليفصل فيها، لكن لم يتحقق أي شيء من مطالبها، ورغم المناشدات الدولية، يبدو أن ملفات المجازر ظلت مغلقة، إذ تؤكد “هيومن رايتس ووتش” أن بشار الأسد ورث بلدًا محملًا بتركة ثقيلة من الانتهاكات، وحتى اليوم لم يتخذ أي خطوة ملموسة للإقرار والتصدي لهذه الانتهاكات، أو لإلقاء الضوء على مصير آلاف الأشخاص الذين اختفوا منذ الثمانينيات في القرن العشرين.

التقرير