لا يزال طيران الأسد يفتك بالعشرات من المدنيين السوريين يومياً، أطفال ونساء وشيوخ لا حول لهم ولا قوّة، يقتلهم في الأسواق ومحطات الباصات والمنازل والأفران وأماكن العبادة. العالم يتابع ويشاهد البراميل تنزيل عشوائياً على كل هذه الأماكن، تفتك بالبشر تقطّع الأوصال وتحرق الأجسام وتفني البشر والحجر، ولا يفعل شيئاً. قبل يومين فقط، ارتكب الأسد عبر طائراته أربعة مجازر راح ضحيتها أكثر من 140 مدني بالإضافة إلى 200 جريح.
الولايات المتّحدة قبل غيرها تعرف من أين تخرج هذه الطائرات، وأي مسار تسلك وأين تصل وأين تلقي براميلها وكيف ومتى تعود وإلى أين، هي لا تكتفي بأن لا تفعل شيئاً حيال الأمر ويا ليتها تكتفي بذلك، بل تعترض عملياً على أي مقترح أو خطوة من شأنها أن تمنع طائرات الأسد من أن تصبّ حممها على الناس عشوائياً.
الحظر الجوي كان ولا يزال من أشهر ما طالب الشعب السوري به المجتمع الدولي وأصدقاء سوريا، فلا هم أدركوهم ولا مكّنوهم من إدراك أنفسهم. الذرائع كانت أكبر وأطول من أن نذكرها في مقال، لكنّها تترواح بين الخوف من أنظمة الدفاع الصاروخي المهترئة للنظام السوري، والتي يستمتع الإسرائيليون يومياً في إذلالها، وبين التكلفة المالية لإقامة مثل هذا الحظر، علماً أنّ نفقات الإعانة الإنسانية للهاربين من هذه البراميل تجاوزات حدود تكلفة عمليات عسكرية كبرى، وبين القول إنه لا يمكن تزويد المقاتلين بأي أسلحة مضادة للطائرات خوفاً من سقوطها في الأيدي الخطأ.
في بعض الأحيان كان الجواب أغرب من أن يصدّق. في إحدى المرات قبل حوالي ثلاث سنوات، دُعيت إلى منزل أحد السفراء الأوروبيين وكان هناك صداقة تجمعني مع مسؤول الملف السياسي لديه، وقد حضر في ذلك اليوم أيضاً وفد برلماني إلى منزله للاستماع إلى وجهة نظري حول التطورات في سوريا. إحدى النقاط التي ذكرتها هي ضرورة تحييد سلاح الجو التابع لنظام الأسد خاصّة أنّه لا يُستخدم لضرب أهداف عسكريّة وإنما هدفه الأساسي هو المدنيين وهذا أمر لا يجب أن يقبل به أي أحد. الجواب كان “طالما أنّ السوريين يعرفون أنّ ذلك سيحصل لهم، فلماذا ثاروا على الأسد أصلاً”!
عموماً، لا يزال الجدل العقيم حول الحظر الجوي قائماً منذ أربع سنوات، ورغم كل ما قيل أو يقال عن أنّ هناك أملاً في تطبيق حظر جوي، إلا أنّ الحقيقة أن البيت الأبيض ولاسيما الرئيس أوباما بالتحديد لا يريدون ولن يقوموا بتنفيذ حظر جوي على الإطلاق. هذا أمر محسوم ويجب على كل من لايزال يعتقد أنّ هناك إمكانية لحصوله أن ينسى هذا الأمر تماماً.
أما أن تقوم الولايات المتّحدة بتزويد المقاتلين بأسلحة نوعيّة مضادّة للطائرات، أو أن توافق على الموضوع فهذا أمر لن يحصل على الأرجح أيضاً على الإطلاق. لا الآن ولا مستقبلاً. الاقتراح الآخر الذي تحاول بعض الدول الإقليمية الضغط باتجاه تنفيذه، هو تأمين غطاء جوي للمقاتلين المنخرطين ضمن برنامج التدريب والتسليح عند تخرّجهم منه ودخولهم إلى داخل سوريا.
هناك اعتراف من قبل المسؤولين العسكريين الأمريكيين القائمين على هذا البرنامج أنّ عدم وجود غطاء جوي لهؤلاء المقاتلين بعد الزج بهم داخل سوريا سيؤدي إلى فشل البرنامج وبالتالي لن يكونوا قادرين على إنجاز المهمّة الموكلة إليهم، لكن البيت الأبيض لايزال متمسكا ًبمعارضة هذا الأمر. وكان مايكل ناغاتا الجنرال المسؤول عن البرنامج قد طرح سابقاً هذه النقطة أمام الإدارة الأمريكية وحصل جدل كبير بخصوصها لا يزال قائماً حتى اليوم، ولم توافق الإدارة الأمريكية حتى الآن على هذا الطلب البسيط كي لا يترتب عليها أية التزامات أو مسؤوليات مستقبلية إزاء هذا الأمر، علماً أنّها نجحت في توظيف برنامج التدريب والتسليح لخدمة مصالحها بالدرجة الأولى قبل غيرها. فهي تريد أن تأخذ ولا تريد أن تعطي!
صحيح أنّ المنخرطين في هذا البرنامج سيستفيدون من التدريب والتسليح وقد يشكّلوا لاحقاً ربما نواة جيش سوري محترف ومنضبط ويمتلك القيم والمبادئ التي تخوّله أداء مهمّته بكفاءة عالية، لكن حتى ذلك الوقت ستكون أولوية هؤلاء بالنسبة للجانب الأمريكي مقاتلة “داعش” وليس الأسد.
تركيا وقطر والسعودية تتفق من حيث المبدأ على ضرورة فرض منطقة حظر جوي وعلى ضرورة إنشاء منطقة آمنة في سوريا، لكنها حتى هذه اللحظة لم تستطع إجبار الولايات المتّحدة على المضي قدماً في هذا المشروع، كما أنّها لم تتخذ في المقابل قراراً للقيام بهذه الخطوة من دون الولايات المتّحدة، وهنا مكمن الخلل في المعادلة. المشروع برمته لا يزال تحت رحمة الأمريكيين، وهو الأمر الذي ينطبق أيضاً على موضوع تزويد المعارضة بالأسلحة المضادة للطائرات.
أما بالنسبة إلى موضوع تأمين الغطاء الجوي للمتخرّجين من برنامج التدريب والتسليح، فقد كان وزير الخارجية التركية تشاووش أوغلو قد صرّح في وقت سابق الأسبوع الماضي أنّه تم الاتفاق مع الولايات المتّحدة على هذا الأمر، لكن ردّ الأمريكيين بالنفي كان سريعاً جداً. لقد كان تشاووش أوغلو يريد من وراء تصريحه دفع الموضوع بشكل ايجابي إلى الأمام على أمل أن يستجيب الأمريكيون لذلك.
كخلاصة، يمكن القول أن ليس هناك اتفاق اليوم حتى على هذا الطرح البسيط، وفي المقابل يتم طرح فكرة أخرى من قبل الجانب الأمريكي تقوم على تصوّر مفاده أن يقوم التحالف بتأمين الغطاء الجوي اللازم لهؤلاء المتخرجين من برنامج التدريب والتسليح حالما يصبحوا “قوة معتبرة”، ومكمن التلاعب في هذا الموضوع هو تعريف “القوة المعتبرة” أولاً لأنّ ذلك قد يعني الانتظار إلى أن يصبحوا بالآلاف وهذا سيتطلب وقتاً طويلاً من دون شك (في حده الأدنى عامين)، وثانياً لأنّ تنفيذ فكرة الدعم الجوي (على فرض تم الالتزام به) لا يرقَ في هذه الحالة إلى مستوى الحظر الجوي لأنه سيكون في أماكن تواجد القوة المتخرّجة فقط، ما يعني أنّ إمكانية أن يقوم الأسد بقصف المواقع التي لا تتواجد فيها القوة أو قصف المواقع التي تتوجد فيها قوات لفصائل ليست من ضمن المتخرجين من برنامج التدريب بما في ذلك المدنيين في هذه المناطق، ستبقى قائمة كما هي الآن.
علي حسين باكير
السورية نت