ارتبط غسيل الأموال ارتباطاً وثيقاً بالدولة الإيرانيّة وتصاعدت نشاطاته من خلال مؤسسات الحرس الثوري الإيراني وشركاته الوهمية، التي يعمل على تمويلها في دول العالم من خلال تصنيفها على أنها مراكز ثقافية ومدارس مذهبية رسمية، والتي تهدف بالأساس إلى تزويد الخلايا والجماعات الموالية بالدعم لتوسيع مشاريعها التوسعية الطائفية. وساهمت العقوبات في تحوّل الحرس الثوري إلى قطاع رأسمالي ضخم يمتلك كبرى المؤسّسات والشركات والمصارف داخل إيران وخارجها، وانتهز فرصة العقوبات متذرّعاً بالالتفاف عليها فضاعف قدراته الاقتصادية لتشمل مختلف المجالات التجاريّة؛ بما في ذلك الأنشطة غير الشرعية.
قادت الولايات المتحدة الأمريكية مجموعة من العقوبات أدت إلى عزل إيران عن النظام المصرفي العالمي، حيث فرضت الولايات المتحدة الأمريكية قيودًا على إيران منذ أن احتجزت الرهائن الأمريكيين عام 1979، مما أدى إلى حظر تجاري كامل على طهران عام 1995، كما فرضت الأمم المتحدة عقوبات موسعة على إيران، فقرار مجلس الأمن رقم 1737 الصادر في ديسمبر/ كانون الأول 2006 يجبر كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على “منع إمدادات وبيع أو نقل كل المواد والمعدات والبضائع والتكنولوجيا التي يمكن أن تساهم في الأنشطة المتعلقة بالتخصيب أو المياه الثقيلة”.
وفي مارس/ آذار 2007 أصدر مجلس الأمن القرار رقم 1747 بهدف زيادة الضغط على إيران بشأن برنامجها النووي وبرنامجها الصاروخي وذلك بمنع التعامل مع البنك الإيراني الحكومي (سيباه) و28 شخصًا ومنظمة أخرى، ومعظمها مرتبط بالحرس الثوري الإيراني .ونصت قرارات مجلس الأمن كذلك على منع واردات الأسلحة إلى إيران وتقييد القروض الممنوحة لها. وفي مارس 2008 مدد القرار 1803 الحظر على الأصول الإيرانية والسفر على المزيد من الشخصيات الإيرانية.
وبناء على تقرير معهد “بازل” للحوكمة في سويسرا للعام الحالي (2017)، الذي يحقّق في جرائم غسل الأموال ومحاربة الإرهاب، احتلّت إيران للسنة الرابعة على التوالي المرتبة الأولى من بين 146 دولة جرى التحقيق معها بخصوص جرائم غسل الأموال، وجاء في تقرير هذه المؤسَّسة الدولية، أنّ إيران احتلت خلال 2014-2017 ميلاديًّا المرتبة الأولى عالَميًّا، باستثناء عام 2013، إذ احتلّت إيران المرتبة الثانية بعد أفغانستان، كما جاء في التقرير أن أفغانستان وغينيا بيساو وطاجيكستان ولاوس وموزمبيق ومالي وأوغندا وكمبوديا وتنزانيا جاءت بعد إيران في المراتب من الثانية حتى العاشرة من حيث الدول الأكثر مخاطرة في غسل الأموال.
ويُعتبر “المال القذر” ناتجًا عن المعاملات غير القانونية مثل التهريب والاختلاس، ولا يخضع للرقابة المالية والقانونية، ومن أجل استخدامه ضمن الأُطر الاقتصادية بشكل قانوني يجب أولًا أن يدخل ويُستعمل في المنظومة البنكية بشكل رسميّ وهذه العملية، أي إدخال الأموال الناتجة عن معاملات غامضة وغير قانونية إلى إطار المعاملات الرسميَّة، بغسل الأموال، ولغسل الأموال أسلوب معيَّن، وله مصادر ومراحل مختلفة، وتستلزم هذه الجريمة وجود مصادر من قبيل تهريب البضائع على نطاق واسع، والاختلاس، والعمليات المالية في القطاع الغامض من الاقتصاد، فضلًا عن وجود نظام مالي غير فاعل، ونظام مصرفيّ فاسد، إلى جانب انعدام النزاهة وعدم تَحمُّل المؤسَّسات الحكومية والخاصَّة المسؤولية، والقوانين غير المناسبة، وفساد مؤسَّسات الرقابة، وجميعها متوافرة في إيران. وقد وقعت حكومة حسن روحاني في أيلول/سبتمبر الماضي، على الاتفاقية المختصة بمكافحة الإرهاب وغسيل الأموال، مما جعل المحافظين يعترضون بشدة، معتبرين التوقيع يمثل خطرا كبيرا على الأمن القومي الإيراني؛ لأنه يحجم حركة الحرس الثوري الإيراني وأنشطته الخارجية والاقتصادية المعتمدة على غسيل الأموال لدعم ميلشياته في سوريا ولبنان والعراق واليمن وغيرها
واحتلت طهران منذ عام 2012 المرتبة الأولى في مؤشر “بازل” ما عدا العام 2013 الذي احتلت فيه المرتبة الثانية بدلاً عنأفغانستان، وفق التقرير.يذكر أن مجموعة العمل المالي الدولية (FATF)، والتي تعنى بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، حذرت في تموز/يوليو عام 1017م، من التعامل مع إيران بسبب تورطها في غسيل الأموال لدعم الإرهاب.كما حثت المجموعة جميع أعضائها في العالم من التعامل المالي مع إيران وكوريا الشمالية، بسبب مواصلة دعمهما للإرهاب.
وقد تلقت إيران ضربة جديدة من مجموعة العمل المالي الدولية (فاتف) التي أمهلتها حتى فبراير المقبل لاستكمال إصلاحات تجعلها ملتزمة بالأعراف الدولية وإلا فسوف تواجه عواقب.وتأتي التحذيرات بينما تترقب طهران دخول العقوبات الأميركية حيز التنفيذ في الخامس من نوفمبر القادم، ما سيقيد نشاطها الاقتصادي وخاصة إمداداتها النفطية. ويجمع محللون على أن الوضع الاقتصادي في إيران وصل إلى طريق مسدود، ولم يعد معه بالإمكان تدارك الأزمة في ظل تفاقم معاناة المواطنين واستفحال الفساد وسيطرة السلطة الدينية على ثروات البلاد وتسخيرها للأجندات السياسية الخارجية وحرمان الشعب منها طيلة أربعة عقود.وذكرت المجموعة بعد اجتماع لأعضائها مؤخرا في بيان أن “إيران لم تتحرك بشأن 9 من بين 10 من قواعدها الإرشادية رغم تعهدها ببلوغ المستوى المطلوب”.وقال مارشال بيلينغسلي مساعد وزير الخزانة الأميركي لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب بعد أن رأس اجتماع فاتف “نتوقع أن تتحرك إيران بسرعة لتنفيذ التعهدات التي أخذتها على عاتقها قبل فترة طويلة”.أضاف “تماشيا مع ذلك، نتوقع أن تتبنى جميع تلك المعايير بحلول فبراير 2019 وإذا لم تفعل سنتخذ خطوات أخرى”. وحذرت من التعامل مع النظام الإيراني؛ بسبب تورطه بغسيل الأموال ودعم مختلف أنواع الإرهاب العالمي؛ حيث اعتبرت إيران هي الدولة العالمية الأولى بدعم الإرهاب. وحاز النظام الإيراني مؤشر 8.61 كأعلى مؤشر لغسيل الأموال ودعم الإرهاب، تلته ثانيا أفغانستان بمؤشر 8.51 ثم طاجكستان بمؤشر 8.19.
وقررت المجموعة المالية، التي تتخذ من العاصمة الفرنسية باريس مقرا لها، مواصلة تعليق إجراءات مضادة، يمكن أن تصل إلى تقييد أو حتى حظر التعاملات مع الدولة.ونسبت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية للمتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، أنه يرحب بقرار تمديد الموعد النهائي إلى فبراير المقبل.ولكنه انتقد الرئاسة الأميركية لفاتف قائلا إنها “محاولة لإعادة إدراج اسم إيران في القائمة السوداء الدولية لغسيل الأموال”، دون أن يذكر تفاصيل. ووافق البرلمان الإيراني على بعض الإجراءات الجديدة لمواجهة تمويل الإرهاب في وقت سابق من الشهر الحالي تحت ضغط لتبني المعايير الدولية، لكن فاتف تقول إنها يمكنها فقط أن تأخذ بعين الاعتبار التشريعات السارية بشكل كامل.
ومنح أعضاء فاتف بالفعل طهران مهلة حتى نهاية الشهر الجاري لتتوافق قوانينها بشأن مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب مع القواعد الإرشادية للمجموعة.وإذا لم يحدث هذا، فإن إيران ستخاطر بالعودة إلى قائمة سوداء للدول غير الملتزمة مما سيدفع المستثمرين والبنوك الأجانب للعزوف عن التعامل معها.ولم يبق أمام السلطات الإيرانية الكثير من الخيارات في مواجهة الضغوط الأميركية إلا سند أوروبي لا يبدو متينا، وفق الخبراء، في ظل ممارسات إيرانية قد تقوض الدعم الأوروبي للاتفاق النووي ولجهود دول أوروبية تستهدف استمرار التدفقات المالية لطهران.
وتسعى بريطانيا وفرنسا وألمانيا للإبقاء على بعض القنوات المالية مفتوحة إلى إيران بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي المبرم في عام 2015 وإعادة فرض عقوبات على طهران.ويقول محللون اقتصاديون إن إدراج طهران في القائمة السوداء للمجموعة المالية الدولية قد يجعل ذلك عمليا أمرا شبه مستحيل.وتحتل إيران مراكز متأخرة على مؤشر منظمة الشفافية العالمية، إذ تمّ تصنيفها العام الماضي في المرتبة الـ131 عالميا في مكافحة الفساد من بين 176 دولة يرصدها المؤشر، ما يعني أن معظم مؤسسات الدولة داخل دائرة المحسوبية والاستغلال. ويرى خبراء المعنيين بالشأن الإيراني إن الفساد في إيران مسؤول عن المشكلات الاقتصادية في البلاد بسبب النظام المالي الفاسد في بلادهم، وتقديم الدعم للإرهاب،
والمتوقع في أن تتعرض إيران مطلع تشرين الثاني/نوفمبر المقبل لأكبر العقوبات في مجالي النفط والبنوك، حيث يمنع علىها تصدير النفط كليا والتعامل مع البنوك الإيرانية والمتوقع عندها الهبوط الاقتصادي الأكبر، والذي سيكون له تداعيات كبيرة ومؤثرة جدا على إيران. ويرون المتابعين للشأن الايراني أن عمليات “غسيل الأموال” سياسة إيرانية للإلتفاف على العقوبات.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية