تداول ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي صوراً من دير الزور السورية يظهر فيها تمثال شاهق للرئيس الراحل حافظ الأسد منصوب فوق قاعدة كونكريتية فيما تظهر في خلفيته أنقاض بنايات أحياء المدينة المدمّرة، وقد سبق ذلك في منتصف الشهر الماضي وضع تمثال مماثل ولكن بحجم أصغر في مدخل مدينة البوكمال بالتزامن مع إعادة تسمية مدرسة هناك باسم «مدرسة الشهيد باسل الأسد».
يمثّل الحدث جزءاً من مسلسل يعاود فيه النظام السوري إعلان رسائله المرعبة إلى مواطنيه المحكومين عبر نشر تماثيل الزعيم المتوفى وصور ابنه الرئيس بشار الأسد في كافّة المدن السورية «المحرّرة» من دون أن ينسى ربط ذلك بشعارات عن «إعادة الإعمار».
وهكذا قام وفد برئاسة رئيس الوزراء عماد خميس برفقة ثمانية من وزرائه بزيارة دير الزور هذا الأسبوع لافتتاح «دوار الرئيس» وافتتاح حقل نيشان النفطي ولكنّه خلّف المدينة من دون محطة وقود واحدة عاملة في مدن دير الزور والميادين والبوكمال وبلدات الريف الشرقي، كما غابت الكهرباء والماء والنظافة، لكنّه ترك ما «يعزّي» به عشرات آلاف المدنيين الذين يعيشون ظروفا إنسانية صعبة في المدينة أو مخيمات النزوح عنها: تمثال «القائد الخالد الراحل»!
يعيد وجود النظام السوري ووزرائه في المدينة المنكوبة ثلاث مسائل مترابطة: إظهار جبروته الفيزيائي من خلال انتشار قوّاته العسكرية والأمنية إضافة إلى الميليشيات اللبنانية والعراقية التابعة لإيران، وإعلان جبروته الرمزي من خلال نصب تماثيل وصور الأسد الأب والابن، وأخيراً وضع اليد على «الغنيمة» متمثلة في حقول النفط من دون أن ينسى نشر دعايته الخلّبية عن «إعادة الإعمار».
يعيد النظام السوري هذا السيناريو القديم فيما يتابع أسلوبه في التعامل الإرهابي مع المناطق التي استولى عليها مؤخرا ومع من قاموا بتسويات أو «مصالحات» معه، كما حصل في الجنوب السوريّ مع قادة بعض الفصائل الذين يعرضهم بعد اعتقالهم على قنوات التلفزة لتقديم اعترافات جاهزة تورطهم في تهم تودي بهم للإعدام.
وفي الوقت نفسه الذي يتباهى فيه النظام بقوّته على الضعفاء الذين وقعوا في قبضته، وبسيادته على المناطق التي استولى عليها، ويتباهى وزير خارجيته بأن الدستور هو شأن سياديّ «يقرره الشعب السوري بنفسه من دون أي تدخل خارجي»، فإن حفنة من الدول التي تتقاسم السيطرة على سوريا تقوم بالاجتماعات المتوالية لتباحث شأن البلاد في سخرية فاضحة من أشكال إظهار القوة والسيطرة والسيادة على شكل تماثيل وصور ووعود ووفود، وهو أمر لا يبدو أنه يخفّف من قدرات النظام على الترفّه بالحديث عن السياحة والاستثمار وباستضافة المطربين الذين يمجدون الحاكم.
بعد هزيمة 1967 المدوّية التي كان الرئيس الراحل حافظ الأسد وزير دفاع فيها نشر الشاعر محمد سليمان الأحمد الملقب ببدوي الجبل قصيدة قاسية انتقد فيها حكام دمشق آنذاك وقال فيها بيتاً شعريّا يصحّ الاستشهاد به في وضعية سوريا الآن:
يسومنا الصنم الطاغي عبادته لن تعبد الشام إلا الواحد الأحد
وهو بيت بليغ لأن النظام الذي صنع هزيمة حزيران مع إسرائيل لم يرحل معتذرا بل تمسّك بتلابيب السلطة فاستفحل شرّه واستطار وانقلب لقوّة احتلال غاشمة بدوره محوّلا العلاقة بين السلطة ومواطنيها، خلال ذلك، إلى شكل من أشكال عبادة الأصنام.
وهو أمر تتابعه أنظمة الطغيان.
القدس العربي